شرح قوله : وكان متَّكئًا فجلَس فقال : ( أَلَا وقولُ الزورِ وشهادَةُ الزورِ ) ، فَما زالَ يُكَرِّرُها حتَّى قلنا : ليتَهُ سكَتَ . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح قوله : وكان متَّكئًا فجلَس فقال : ( أَلَا وقولُ الزورِ وشهادَةُ الزورِ ) ، فَما زالَ يُكَرِّرُها حتَّى قلنا : ليتَهُ سكَتَ .
A-
A=
A+
الشيخ : ثم قال أبو بكرة في تمام الحديث : وكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - متَّكئًا - آخذ راحته مستريح عليه الصلاة والسلام بالاتكاء - فجلس ؛ الجلوس الطبيعي مهتمًّا بما سيحدث الناس به ؛ ألا وهو قول الراوي : فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( أَلَا وقول الزور ، وشهادة الزور ) هذا من أكبر الكبائر ، ذَكَرَه الرسول - عليه السلام - بعد الإشراك بالله في هذا الحديث وبعد عقوق الوالدين ، وأعطى أهميةً لشهادة الزور وقول الزور أكثر من الأهمية التي أعطاها لِمَا قبلها من الخصال عقوق الوالدين والإشراك بالله ؛ حيث أنه - عليه السلام - كان متَّكئًا هكذا فجلس حينما وصل إلى هذه الجملة ، فقال : ( أَلَا وقول الزور وشهادة الزور ) ؛ فما زال يكرِّرها حتى قلنا : ليته سكتَ . كرَّرها مش مرَّة ولا مرَّتين مرارًا كثيرة حتى تمنَّى أصحابه - عليه الصلاة والسلام - إشفاقًا منهم عليه أن يسكت ويستريح من هذا التكرار .

فدلَّ هذا الصنيع من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على أن شهادة الزور وقول الزور - أي : الكذب - هو من الكبائر ، ومن الأمور التي لها الأثر البالغ في إفساد المجتمع ؛ فإن كثيرًا من الناس بسبب شهادة الزور وقول الزور يخلطون الأنساب ؛ يدَّعون بأن فلانًا هو زوج فلان وهي حرام عليه ، فيحكم القاضي بشهادة الزور هذه فيواطئها ، وقد يأتي من وراء ذلك نسلٌ فيكون النسل من أولاد الزنا ، وهذا يُقال - أيضًا - في الأموال وفي الحقوق الأخرى ، كلُّ ذلك أثر من آثار شهادة الزور وقول الزور ، وكأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بجلوسه بعد أن كان متَّكئًا يُشير إلى الأضرار الاجتماعية التي تنتج من وراء انتشار قول الزور وشهادة الزور في مجتمعٍ ما ، ثم هذا الحديث ذَكَرَ ثلاثة أنواع من الإشراك بالله - عز وجل - ، بينما هناك أحاديث أخرى تضمُّ أنواعًا أخرى إلى هذه الأنواع الثلاثة المذكورة .

السائل : كبائر ؟

الشيخ : من الكبائر نعم .

فكيف ذلك ؟ فمثلًا يذكر في بعض الأحاديث - ولعل ذلك يأتي الليلة بعضها - يذكر السِّحر ، ويذكر الفرار من الزحف ، ونحو ذلك من الكبائر ؛ فهل هناك خلاف بين هذا الحديث الذي اقتصر على ذكر الثلاث من الكبائر ، وبين أحاديث أخرى ذكر فيها سبعة من الكبائر ، وربما صرَّحَ في بعضها بقوله : ( الكبائر سبع ) ؛ فهل هناك خلاف بين حديث يذكر ثلاثًا منها وبين حديث أو أحاديث أخرى يذكر أكثر منها ؟

الجواب : لا ، خلاف لأن العدد لا مفهوم له في اللغة ؛ لا سيَّما حينما يأتي نصٌّ آخر فيه عدد أكثر من العدد الأول ، فالعدد لا مفهوم له ، إذا قال العربي : عندي ثلاثة دراهم أو عندي ثلاثة دور ؛ هذا لا ينفي أن يكون عنده أكثر من ذلك ، ولكن ينفي أن يكون عنده أقلُّ من ذلك ، فحينما يقول الرسول - عليه السلام - - مثلًا - : ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذِّ بخمس وعشرين درجة ) هذا لا ينفي أن يكون التفضيل أكثر من خمس وعشرين درجة ، ولكننا نحن لا يجوز أن نتكلَّم بغير علم ، فإذا جاء الحديث بعدد الخمس وعشرين وقفنا عنده ، ولكننا إذا رأينا حديثًا آخر ذكر بدل خمس وعشرين سبع وعشرين ؛ لا نقول : هناك خلاف بين العددين بين الخمس والعشرين والسبع والعشرين ... .

مواضيع متعلقة