المقصود بأهل الذكر في قوله - تعالى - : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
المقصود بأهل الذكر في قوله - تعالى - : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) .
A-
A=
A+
الشيخ : إذًا لا ننسى أن الناس جميعًا طائفتان مُصرَّح بهما في القرآن ؛ حيث قال - عز وجل - : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، أهل الذكر هم أهل القرآن ؛ لأن الذكر قد ذُكِرَ في غير هذه الآية ، واتفق العلماء من أجل ذلك على أن المقصود بالذكر هنا وهناك إنما هو القرآن ، فالله - عز وجل - حينما قال : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) كان المقصود بهذا الذكر هو القرآن الكريم ، كذلك لما قال - عليه الصلاة والسلام - في الآية السابقة التي قسمت الناس إلى علماء وغير علماء لما قال : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) فالمقصود بالذكر في هذه الآية - أيضًا - هو عين المقصود في الآية السابقة ؛ ألا وهو القرآن .

فإذا سألنا أهل القرآن وأيضًا من البداهة في مكان أنه ليس المقصود بأهل القرآن هنا هم الذين يرتِّلون القرآن ويحفظون حروفه وأحكامه المتعلِّقة بعلم التجويد ، وقد يُطرِبون فيه طربًا غير مشروع ، لكنهم لا يفقَهون شيء من معاني ما يتلون ، ليس المقصود بأهل القرآن هؤلاء الذين يَحفظون حروفه دون معانيه ، وإنما المقصود بالقرآن إنما هم أهل العلم ؛ أي : أهل الفهم بكتاب الله - عز وجل - وبحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .

لا يمكن - إذا لم نقل : لا يجوز - لمسلم أن يتصوَّر عالمًا بالقرآن بتفسيره وبمعانيه وهو جاهل بالسنة ؛ ولذلك يجب أن نستحضر في بالنا وفي خاطرنا أننا حينما نُفسِّر هذه الآية : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ )) بأهل القرآن ، وأنه المقصود به أهل العلم بالقرآن والفهم لمعانيه ؛ يجب أن نستحضر أنهم - أيضًا - على علمٍ بالسنة ، وإلا فمَن كان جاهلًا بالسنة أو لا يُميِّز صحيحها من ضعيفها ، وضعيفها من موضوعها ؛ فهذا لا يمكنه أن يفْقَه القرآن بصورة باتَّة ، لا يمكن لإنسان أن يُفسِّر القرآن إلا اعتمادًا على سنة الرسول - عليه الصلاة والسلام - .

وهذا مما يدل عليه القرآن نفسه ؛ لأن الله - عز وجل - قد قال فيه مخاطبًا به نبيَّه : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) ، فبيان الرسول - عليه السلام - للقرآن هو سنَّته ، هذا البيان إذا لم يعرفه العالم فلن يستطيع أبدًا أن يُفسِّر القرآن تفسيرًا صحيحًا ؛ ولذلك فنحن نرى في هذا العصر وقبل هذا العصر كثيرًا من الناس لا يعرفون من السنة شيئًا يُذْكر .

واجب العلماء أن يفتوا غير العلماء ، واجب غير العلماء أن يسألوا أهل العلم بصريح هذه الآية ، فكلٌّ من القسمين عليه واجبه ، مَن ليس عالمًا (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ )) أهل العلم ، ومن كان من أهل العلم فعليه أن يُبلِّغ هذا العلم ، وإلا شَمَلَتْه اللَّعنة التي جاء ذكرها في القرآن ووعيد حديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - : ( مَن سُئِل عن علمٍ فكَتَمَه أُلجِمَ يوم القيامة بلجامٍ من النار ) ؛ ولذلك - أي : تحقيقًا لوجوب السؤال ممَّن ليس بعالم أن يسأل أهل العلم - قد قال - عليه السلام - في حديث معروف : ( ألا سألوا حين جهلوا ؛ فإنما شفاء العيِّ السؤال ) ، فإذا نحن سألنا مَن ليس عالمًا بالكتاب والسنة ، فلم نسأل عالمًا ، فإذا أفتانا هذا الذي ليس عالمًا بالكتاب والسنة ، أو أفتانا على خلاف الكتاب والسنة فلم يُقدِّم إلينا علمًا ؛ فلا يجوز لنا حينئذٍ أن نتَّبعَه ، وإلا نكون ضَلَلْنا معه كما سمعتم في الحديث السابق : ( إن الله - عز وجل - لا ينتزع العلم انتزاعًا من صدور العلماء ، ولكنَّه يقبض العلم بقبض العلماء ؛ حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جهَّالًا ، فسُئلوا ، فأفتوا بغير علم ؛ فضلُّوا وأضلُّوا ) ، فإذا كان هناك بعض الناس لا يهُمُّهم أن يضِلوا بسبب إفتائهم بالرأي المخالف للعلم الصحيح ؛ فينبغي على جماهير المسلمين الذين ليسوا من أهل العلم وواجبهم كما ذكرنا أن يسألوا ؛ فينبغي عليهم أن يتنبَّهوا ، وأن لا يضِلوا مع مَن ضَلَّ من هؤلاء الذين يُفتون بغير علم ، وسبيل ذلك هو أن نتأدَّب بأمر الله - عز وجل - في القرآن : (( هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) . وإن لم نفعل كما يأمرنا ربُّنا في هذه الآية ضَلَلْنا مع الضالين وكنَّا من أهل الجحيم .

نسأل الله - عز وجل - أن يحفظنا وإياكم من كلِّ ما يُضلِّلنا ويُخرِجُنا عن سواء السبيل ، ولعل في هذا القدر كفاية لبيان أن العلم النافع إنما هو : قال الله ، قال رسول الله ، قال الصحابة .

السائل : جزاك الله خير .

الشيخ : وإياك .

السائل : ويُلاحظ على الأسئلة التي جاءت أن الكثير منها قد طُرِحَ في لقاءات سابقة ؛ كسياقة المرأة للسيارة مثلًا ، وموضوع الخروج على الحُكَّام المعاصرين ، وموضوع ستر الوجه بالنسبة للمرأة ، وأمور متعلِّقة بالصلاة ؛ ولذلك فهذه الأمور يعني نُرجئها ؛ لأنها قد طُرحت في لقاءات أخرى ، وبالإمكان الحصول عليها من الأشرطة السابقة .

مواضيع متعلقة