من " شرح العقيدة الطحاوية " ، التوحيد وأقسامه . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
من " شرح العقيدة الطحاوية " ، التوحيد وأقسامه .
A-
A=
A+
السائل : " ثم التوحيد الذي دَعَتْ إليه رسل الله ونزلت به كتبه نوعان : توحيد في الإثبات والمعرفة ، وتوحيد في الطلب والقصد .

فالأول هو إثبات حقيقة ذات الرَّبِّ - تعالى - وصفاته وأفعاله وأسمائه ، ليس كمثله شيء في ذلك كله ، كما أخبر به عن نفسه ، وكما أخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - .

وقد أفصَحَ القرآن عن هذا النوع كل الإفصاح كما في أول سورة الحديد ، وطه ، وآخر الحشر ، وأول الم السجدة ، وأول آل عمران ، وسورة الإخلاص بكمالها ، وغير ذلك .

والثاني : وهو توحيد الطلب والقصد ؛ مثل ما تضمَّنته (( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )) ، (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ )) ، وأول سورة التنزيل الكتاب ، وآخرها ، وأول سورة يونس وأوسطها وآخرها ، وأول سورة الأعرف وآخرها ، وجملة سورة الأنعام ، وغالب سور القرآن المتضمِّنة لِنوعَي التوحيد " .

الشيخ : التوحيد الذي يجب أن يعتقدَه كلُّ مسلم هو كما ذكرنا بأنواعه الثلاثة ؛ توحيد الربوبية أن يعتقد المسلم بأن هذا الكون الواسع العظيم لا خالق له إلا الله - تبارك وتعالى - ، لكن هذا التوحيد وحده لا يُنجي صاحبه من الكفر والشرك المستلزم الخلود في النار ؛ حتى ينضمَّ إليه التوحيدان الآخران .

التوحيد الثاني : توحيد العبادة ، توحيد الألوهية ؛ أي : أنه يجب أن ينضمَّ إلى اعتقاد المسلم بأن الله الذي خلق الكون هذا هو وحده يجب أن يُعبد ليس معه في عبادته غيره ، فإذا انضمَّ إلى التوحيد الأول وهو توحيد الربوبية التوحيد الثاني وهو توحيد العبادة ؛ فلم يعبد مع الله - عز وجل - شيئًا آخر فقد وحَّده توحيد العبادة وتوحيد الألوهية .

ويبقى التوحيد الثالث : وهو توحيد الله - عز وجل - في أسمائه وفي صفاته ؛ فلا يعتقد بأن هناك خلق مِن خلق الله مهما كان عظيمًا ، مهما كان مقدَّسًا يشبه الله - عز وجل - في صفة من صفاته ، ويتفرَّع منه أنه لا يسمِّيه باسم من أسماء الله - عز وجل - ، لا يجوز أن يسمِّي خلقًا من خلق الله باسم من أسماء الله ؛ لأن أسماء الله في الوقت نفسه هي صفات لله - تبارك وتعالى - ؛ فالله - عز وجل - واحد في أسمائه وصفاته ؛ لأن كل اسم هو صفة لله - عز وجل - ، فكما لا يجوز للمسلم أن يعتقد بأن هناك خلقًا من خلق الله يشبه ربنا - عز وجل - في صفة من صفاته ، كذلك يجب أن لا نسمِّي خلقًا من خلق الله باسم من أسماء الله - تبارك وتعالى - .

ويتفرَّع من هذا أنه لا يجوز تعبيد إنسان إلى اسم غير اسم الله - عز وجل - ؛ فلا يجوز أن نقول : عبد الحسين ، ولا يجوز أن نقول : عبد النبي ؛ لأن هذا ينافي توحيد العبودية ، وينافي - أيضًا - توحيد الأسماء والصفات .

والجمع بين هذه الأنواع الثلاثة من التوحيد : توحيد الربوبية وتوحيد العبادة وتوحيد الصفات هو التوحيد الذي أُمِرَ به الرسول - عليه السلام - بل أُمِرَت الأمة في شخص الرسول - عليه السلام - أنه قال : (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )) ، فلا إله إلا الله يجب أن نفهمها على وجه يشمل الأنواع الثلاثة من التوحيد ؛ توحيد الربوبية ، توحيد العبادة ، توحيد الصفات ؛ فما هو واقع المسلمين اليوم ؟

مع الأسف الشديد أكثر المسلمين لا يفهمون من شهادة التوحيد سوى التوحيد الأول ؛ يعني لا خالق مع الله فقط ، أما لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله فهذا لا يفهمونه إلا مَن شاء الله منهم وقليلٌ ما هم ؛ فلا إله إلا الله ليس معناها كما صرَّح بذلك بعض المؤلفين في العصر الحاضر وكما يفسِّره واقع حياة المسلمين اليوم وقبل اليوم ؛ ليس معنى لا إله [ إلا الله ] لا خالق إلا الله ، وإنما معنى هذه الجملة الطَّيِّبة لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله ؛ فحينما تقول : لا ربَّ إلا الله لم تَزِدْ على اعتقاد المشركين الذي كانوا إذا سُئلوا : من خلق السماوات والأرض ؟ قالوا : الله ، فكون الله خالق أمر فطري فَطَر الله - عز وجل - عباده عليه ؛ حتى المشركين كانوا يعتقدون هذه العقيدة الحقَّة ؛ أي : أن خالق الكون هو واحد لا شريك له ، ولكن ما كفرُ المشركين إذًا مع تصريحهم بهذه العقيدة ؟ كفرُهم أنهم لم يخلصوا العبادة لله ، لم يوحِّدوا الله في عبادته ، بل عبدوا معه غيره - تبارك وتعالى - ، ولذلك كفروا بلا إله إلا الله ، وصرَّح بذلك في القرآن الكريم ربُّ العالمين : "" وإذا قيل "" ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) .

السائل : (( إِذَا قِيلَ لَهُمْ )) .

الشيخ : و (( إِذَا قِيلَ لَهُمْ )) ؟

السائل : (( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )) .

الشيخ : (( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) ؛ لماذا يستكبرون وهم يعتقدون أن خالق السماوات والأرضين هو الله ؟

لأن ليس معنى لا إله إلا الله ؛ لا خالق إلا الله ، وإنما معناها شيء زايد على ذلك ، وهو لا خالق إلا الله ولا معبود إلا الله ؛ هذا الخالق هو الذي يجب أن يُعبد وحده لا شريك له ، فـ (( إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) أي : يستكبرون عن عبادة الله وحده لا شريك له ، في الوقت أنهم كانوا لا يستكبرون أن يقولوا : الله هو الذي خلق السماوات والأرض ، من هنا نَتَجَ عند علماء التحقيق توحيدان ؛ توحيد الربوبية وهو ممَّا كان يعتقده المشركون ، لكن ذلك لا يُنجيهم من الشرك ، والتوحيد الثاني توحيد العبادة ، فكلُّ مَن أراد النجاة يوم القيامة من الخلود في النار لا بد أن يضمَّ إلى توحيد الربوبية يضم إلى ذلك توحيد العبادة ؛ أن يعتقد أن لا أحد يستحق العبادة مع الله مهما كانت هذه العبادة حقيرة فيما يبدو لبعض الناس فهي ليست بحقيرة ؛ لأن كل ما يقرِّب إلى الله - عز وجل - فهو أمر عظيم وعظيم جدًّا ؛ فلا فرقَ بين أن يذبح الإنسان - مثلًا - ناقة لقبر لولي أو يذبح نعجة أو يذبح دجاجة ؛ كل هذه الذبائح على اختلاف قيمها من ناحية الشرع كما أشار إلى ذلك الحديث الصحيح في البخاري حديث أبي هريرة : ( مَن أتى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرَّب بدنة ، ومَن أتى الجمعة في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرة ) وهكذا ذكر الكبش وذكر الدجاجة ؛ فهذه كلها ، وأخيرًا البيضة ؛ فهذه كلها طاعات وعبادات ، لكن بنِسَب متفاوتة ؛ فمن قرَّب دجاجة إلى غير الله - عز وجل - كمَن قرَّب أعظم عبادة كالبدنة ؛ لأنه يشرك في ذلك مع الله - عز وجل - في عبادته ؛ فلا يكون إذًا الموحِّد موحِّدًا حقًّا حتى يعتقد أنه لا يجوز عبادة غير الله - عز وجل - بأيِّ نوع من أنواع العبادات ؛ لأن هذه العبادات أمَرَ الله - عز وجل - كما قال : (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ )) أي : وحده (( مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )) ؛ فالمشركون ضلُّوا بسبب عدم خضوعهم لتوحيد العبادة ، فكما جاء في الآية السابقة : (( إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) .

سائل آخر : (( وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ )) ... .

مواضيع متعلقة