الترغيب في تشييع الميت وحضور دفنه . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الترغيب في تشييع الميت وحضور دفنه .
A-
A=
A+
الشيخ : الآن ندخل في درسنا الذي عنوانه :

" الترغيب في تشييع الميت وحضور دفنه "

رُوِيَ أحاديث في هذا الباب جلُّها ثابتة وصحيحة ، وبعضها قد تقدم معنا في عيادة المريض لذلك فسوف لا نقف عندها كثيرًا ، لأنُّو ربما ولا قليلًا .

الحديث الأول : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( حقُّ المسلم على المسلم ستَّة ) . قيل : وما هنَّ يا رسول الله ؟ قال : ( إذا لقيته فسلِّم عليه ، وإذا دعاك فأجِبْه ، وإذا استنصحك فانصَحْ له ، وإذا عطس فشمِّتْه ، وإذا مرض فعُدْه ، وإذا مات فاتَّبِعْه ) رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة .

هذا من الأحاديث التي تقدَّمت لعيادة المريض ، وهو صحيح بطبيعة الحال ، والآتي مثله ؛ قال : وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يقول : ( المسلم أخو المسلم ؛ لا يظلمه ولا يخذله ) ، ويقول يعني الرسول - عليه السلام - : ( والذي نفسي بيده ؛ ما توادَّ اثنان ) - هذا حديث يمكن نادر أن تسمعوه فتنبَّهوا له - ( والذي نفسي بيده ؛ ما توادَّ اثنان فيُفرَّق بينهما إلا بذنبٍ يُحدثه أحدهما ) ، وكان يقول : ( للمسلم على المسلم ستٌّ ؛ يشمِّته إذا عطس ، ويعوده إذا مرض ، وينصحه إذا غابَ أو شهد ، ويسلِّم عليه إذا لَقِيَه ، ويجيبه إذا دعاه ، ويتَّبعه إذا مات ) رواه أحمد بإسناد حسن .

الشطر الأخير من الحديث هو كالذي قبله وكما قلنا سبق الكلام عليه ، لكن قوله في طرفه الأول : ( المسلم أخو المسلم ) هذه الحقيقة قرَّرها ربنا - عز وجل - في القرآن الكريم ورسوله - عليه السلام - يؤكِّد هذه الأخوَّة الخاصة ، أخوَّة خاصة بين المسلم والمسلم ، أما الأخوَّة العامة هذه فهي حقيقة واقعة يعني الأخوَّة في الإنسانية ، ولكن يجب أن نتنبَّه وأن نتذكَّر جيِّدًا أنُّو هذه الأخوَّة الإنسانية العامة لا يترتَّب من ورائها أمورٌ هامَّة ، وإنما الذي يترتَّب من وراء مثل هذه الأمور الهامَّة هي الأخوَّة في الإسلام ، ثم هذه الأخوَّة يجب أن نحتفظ لها بقيمتها وقداستها إن صحَّ التعبير .

وأريد أن أقول بأنه ما دامت هذه الأخوة الأخوة الإسلامية أخوَّة خاصة ولها أحكام خاصة في الإسلام ؛ فلا ينبغي أن نميِّع قيمتها وحرمتها ونضيِّعها في استعمال الأخوَّة الإنسانية العامة ؛ فلا نقول - مثلًا - في الآخرين إنهم إخواننا كما يفعل بعض المشايخ وغيرهم من ... ، فنظل نحتفظ بهذه الأخوَّة الخاصة التي لا يُشاركنا فيها إلا من كان على ديننا وعلى إسلامنا ، فالرسول - عليه السلام - حينما يقول : ( المسلم أخو المسلم ) يقرر هذه الحقيقة ويوطِّد من ورائها مثل هذه الآداب الاجتماعية التي سمعتم بها في الحديث الأول وفي الأخير وفيما سبق فهو يقول : ( إذا لقيتَه فسلِّم عليه ) وعلى ذلك فقِسْ سائر الأحكام المذكورة هنا من ... وما شابه ذلك من الآداب ذكرت هنا وفي غيرها ، ولو جمعها المسلم لَخرجت في كتاب ، ولذلك هناك كتب ألَّفها علماء الحديث تُسمَّى بكتب الأدب أو الآداب ، وحسبكم بذلك كتاب " الأدب المفرد " للإمام البخاري ؛ فهو يجمع الآداب التي يجب على المسلمين أو تستحبُّ لهم على الأقلِّ أن يتعاشروا وأن يتعاملوا على أساسها ، هذه الأخوَّة الإسلامية الخاصَّة تستوجب أحكامًا خاصة وآدابًا خاصة ، فإذا ما أضعنا هذه الأخوَّة الخاصَّة وأقمنا مقامها أخوَّة عامَّة بزعم ماذا ؟ المسايرة ، وأن الإسلام لا يظلم الآخرين ، وهذا حقٌّ ؛ فالإسلام لا يظلم الآخرين ، ولكن حقوق المسلم مع أخيه المسلم قطعًا هي غير حقوق الذِّمِّي مع المسلم .

فأقول : استعمال هذه الأخوَّة العامة بديل الأخوَّة الخاصة فيها تمييع هذه الخصائص وهذه الخصال التي جعلَها الشارع الحكيم متعلقة فقط بالأخوَّة الإسلامية ، زِدْ على ذلك - كما يُقال - " ضغثًا على إبَّالة " حينما نأتي ببعض الأحكام الفقهية ، بل نجعلها أحاديث نبوية فنقرِّر بكلِّ صراحة كتابةً ومحاضرةً وإذاعةً و إلى آخره نقول مخطئين قال رسولنا - صلى الله عليه وآله وسلم - في بيان حقوق غير المسلمين حين يعيشون تحت نظام الإسلام والحكم الإسلامي قال - عليه السلام - : ( لهم ما لنا ، وعليهم ما علينا ) هذا حديث لا أصلَ له ، حديث يُقال أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال هذا لغير المسلمين أن الذين يعيشون تحت ... الإسلام وحكم الإسلام ( لهم ما لنا ، وعليهم ما علينا ) هذا لا أصل له في كتب الإسلام إطلاقًا .

ومن طبيعة الحال ما دام أن الكلام من الناحية الحديثية أولًا فأقول : لا أصل لهذا الحديث في كتب الإسلام وإلا فإذا استثنينا من كلامنا هذا التخصيص ففي كتب الإسلام في بعضها أعني أحاديث باطلة وموضوعة كثيرة ، خاصة في كتب الرقائق كتب المواعظ ... كثير من الأحاديث التي لا أصل لها ، بل وفي كثير من الكتب الفقهية ، خاصة منها الكتب المتأخرة تأليفًا .

فأقول : حديث ... الحق غير المسلمين ( لهم ما لنا ، وعليهم ما علينا ) أولًا لا أصل له هكذا في كتب السنة ، ولستُ أقول هذا ببحث خاص ... وتحقيق وإن هذا أمر سُبقنا إليه من ... ، وحسبنا على ذلك مثالًا الإمام الحنفي المحدث المشهور بالإمام جمال الدين الزيلعي صاحب الكتاب الذي يُعتبر أمًّا وأصلًا ومرجعًا في تخريج أحاديث المذهب الحنفي أعني كتابه " نص الراية لأحاديث الهداية " ، فـ " الهداية " كتاب من كتب الحنفية للفقيه المَرْغيناني المشهور هو أورد هذا الحديث ؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأهل الذِّمَّة : ( لهم ما لنا ، وعليهم ما علينا ) ؛ فقال الزيلعي : هذا حديث وله تعبير يعني هو لطيف وناعم ، ولكن أظن أن كثيرًا من الناس أو أكثر الناس - كما قال تعالى - : (( لا يعلمون )) ، ولا يفقهون هذا التعبير الناعم ، فهو يقول في هذا الحديث : " غريب " ، لا يقول : " لا أصل له " كما يقول الحافظ العسقلاني ومن قبله الحافظ العراقي شيخه ونحو ذلك تصريحًا ؛ لأنُّو أنا ما .... يعني مجال للمجاملة فيما يتعلَّق بنسبة حديث لا أصل له إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن هو باعتبار أنه عاش في هذه المدرسة كما يقولون اليوم مدرسة الأحناف ، ولكن الله - عز وجل - تفضَّل عليه بما لا ... أن يتفضل على مثله من الحنفية ؛ حيث كان إمامًا حافظًا نقَّادًا في علم الحديث ، ولذلك تمكَّن من تخريج هذا الكتاب الكبير من كتب الحنفية " الهداية " ، فلما جاء إلى الكلام على هذا الحديث قال : " حديث غريب " ، ونحن نعرف ... اصطلاحه هذا أنه لا يعني المصطلح العام عند علماء الحديث .

واليوم جاءني بعض الشباب في المكتبة الظاهرية يسألونني عن حديث أظن أوله : ( عُرضت عليَّ ذنوب أمتي ؛ فرأيتُ منها الرجل يحفظ القرآن ثمَّ ينساه ) ، فكان هذا الحديث مُشكلًا عليهم ، ويظهر عليهم أنُّو في عندهم عناية ... القرآن ، وخاصة تبيَّن أنُّو منتمين للزيدية من زبيد ، وهذا سيصرفهم طبعًا عن إيش ؟ متابعة القرآن كما قال - عليه السلام - : ( تعاهدوا هذا القرآن ؛ فوالذي نفسي بيده إنَّه أشدُّ تفلُّتًا من صدور الرجال من الإبل من عُقُلِها ) ، فهؤلاء سوف لا يستطيعون المتابعة التي قد يكونون يعني مواظبين متمسِّكين بها قبل هذا الوضع الجديد ؛ لذلك شعروا بحرجٍ كبير حينما وقفوا على هذا الحديث أنُّو من الذنوب التي عُرضت على الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن الرجل يحفظ القرآن ثم ينساه ، فسألوني - وعليكم السلام - أنُّو هذا الحديث رواه أبو داود ... يخرجه أبو داود ، المهم ... لهم الحديث ، سألت ماذا تقصدون بالحديث ؟ قالوا : نشوف إيش معنى ثمَّ نَسِيَه ؟ فمن باب ( الدين النصيحة ) قلت لهم : أن هذا الحديث ما يحتاج إلى مثل هذا التعب وهذا البحث لأنُّو حديث ضعيف لا يصحُّ إسناده ، وعلى كل حال قلت له : من أين أنت عرفت أن هذا الحديث في أبي داود ؟ قال : من " الترغيب " ، وأنا كما علمتم خاصة إخواننا القُدامى أكثر من ربع قرن من الزمان وأنا أعمل فيه تحقيقًا ... وتصحيحًا وتضعيفًا ونحو ذلك ، فسُرعان ما خرَّجت لهم هذا الحديث وإذا بهم يقرؤون بأن المنذري ينقل عن البخاري بأنه قال في هذا الحديث إنَّه استغرَبَه ، المنذري يحكي عن البخاري إنه استغربَه ؛ يعني قال إنه غريب ، فقال : إيش معنى غريب ؟ - الشاهد هنا بقى - قلنا : يعني الحديث يتفرَّد به رجل أو طريق ضعيف لا يصحُّ ، هذا معنى كلمة غريب في الاصطلاح العام ، لكن له اصطلاحات أخرى ؛ منها وهي تاتي في المرتبة الثانية : غريب يعني فرد ، قلنا : هذا الفرد قد يكون ثقة وقد يكون ضعيف ، لكن في الغالب ما يقولون عن الحديث غريب لا يُطلقون ذلك إلا ويكون إيه ؟ الحديث ضعيفًا .

هذا الاصطلاح لم يستعمله الزيلعي في كتابه ، وإنما تعارفَ واصطلحَ هو على اصطلاح خاص ، فالحديث الذي نجده في كتاب " الفقيه " الذي هو في صدد تخريجه لا أصل له ما يقول : لا أصل له ؛ يقول : حديث غريب ، ولكن من كان له عناية بهذا العلم سرعان ما يفهم من ... هذا الاصطلاح الخاص ، لماذا ؟ لأنه بعد أن يقول هذا حديث غريب ، يقول : وإنما جاء في كتاب كذا وكذا وكذا بلفظ كذا وكذا ، فيؤكِّد أنُّو معنى قوله غريب لا أصل له ، وهذا الذي فعله الإمام ... الآن ؛ قال : هذا الحديث رواه الترمذي ولعله ذكر غيره - أيضًا - والعهد منِّي بعيد ، رواه الترمذي ولعله عن سلمان الفارسي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا أرسل جيشًا أمَّر عليهم أميرًا ، ... قال له : ( إذا لقيت المشركين ) - هذا معنى الحديث أو لفظه - ( إذا لقيت المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث : إلى الإسلام ؛ فإن أسلموا ) - وهنا انتبهوا - ( فإن أسلموا ؛ فلهم ما لنا وعليهم ما علينا ، وإن أبوا فالجزية ، وإن أبوا فالقتال ) .

الشاهد أن هذا الحديث الذي يستعمله كبار الكُتَّاب العصريين اليوم والموجِّهين و وإلى آخره في أهل الكتاب أهل الذِّمَّة ليس له أصل في السنة إطلاقًا ، بل الذي له أصل نقيضه تمامًا ؛ أي : أهل الذِّمَّة إذا أسلموا حينئذٍ لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، فحينما يأتي إنسان ويلقي محاضرة أو يكتب مقالة ويعمِّم مثل هذا الحديث الذي لا أصل له وهو ... هذا التعميم ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا ) ... بقى ، ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا ) والحقيقة أن الأمر ليس كذلك ، وها أنتم الآن بين يدي مثل هذا الحديث يقول : ( للمسلم على المسلم ستٌّ ) لكن ليس لمن يسمُّونه اليوم المواطن واسمه الشَّرعي بالذِّمِّي ، ليس لهذا الذِّمِّي : ( للمسلم على المسلم ستُّ خصال ) أو أكثر من ذلك ، لهذا يجب أن نحافظ على هذه الاستعمالات الشرعية ونعرف أنها استعمالات خاصة بنا - نحن المسلمين - ؛ فهو - عليه السلام - يقول : ( المسلم أخو المسلم ) ، ثم يذكر بعض لوازم هذه الأخوَّة فيقول : ( لا يظلمه ) وهذا واضح ، هذا الظلم لا يظلمه ... ؛ لأن الظُّلم محرَّم في الإسلام تحريمًا باتًّا قاطعًا ، حتى جاء في الحديث القدسي : ( يا عبادي ، إني حرَّمت الظُّلم على نفسي ، وجعلتُه بينَكم محرَّمًا ؛ فلا تظالموا ) ، ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ) ، لكن ليس هذا فقط بمعنى أن يتعدَّى هو عليه مباشرةً ؛ بل ( ولا يخذله ) - أيضًا - ؛ أي : ينصره حينما يريد أحدٌ أن يعتديَ عليه سواء كان مسلم أو غير مسلم ، وهو ليس فقط لا يخذله هو منه إليه مباشرةً يصبُّ ظلمَه هذا المسلم على أخيه المسلم ؛ لا ، ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ) لكن ليس هذا فقط بل ( ولا يخذله ) ؛ أي : ينصره حينما يجده مظلومًا ؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الذي خرَّجه الشيخان ... عن أنس وغيره : ( انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا ) . قالوا : يا رسول الله ، هذا ننصره مظلومًا ؛ فكيف ننصره ظالمًا ؟ قال : ( أن تمنعَه من الظُّلم ؛ فذاك نصرك إيَّاه ) .

ويقول بعض العلماء : إن هذا الحديث كان شطره الأول معروفًا في الجاهلية ، وذلك من جاهليَّتهم ( انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا ) ؛ فجاء رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بشريعة السماء العادلة فرفع هذه الجاهلية من هذه الجملة بأن قيَّدها ؛ قال : ( انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا ) . قالوا : هذا ننصره مظلومًا ؛ فكيف ننصره ظالمًا ؟ قال : ( أن تمنعه من الظُّلم ) ؛ إذًا فمن حقوق المسلم على المسلم أنه ليس لا يظلمه فقط ، بل ويدفع الظلم عنه مما إذا وقع عليه ؛ لكن ماذا نقول ؟ إننا معشر المسلمين جميعًا مظلومين فليس فينا من يستطيع أن يرفع الظُّلم عنَّا .

نسأل الله - عز وجل - أن يعيدنا إلى ديننا فهمًا صحيحًا وتطبيقًا صحيحًا ، وإلَّا لو كنَّا نحن هكذا نفهم الإسلام فهمًا صحيحًا ونطبِّقه تطبيقًا صحيحًا لَاستطعنا أن ننصر فردًا ليس فقط جماعة وليس فقط أمة ، لكن الذي لا يستطيع أن ينصر فردًا لا يستطيع أن ينصر جمعًا لا يستطيع أن ينصر جماعة لا يستطيع أن ينصر أمة ، كلَّا ثم كلَّا ثم كلَّا ، إذًا ما هو العلاج ؟

نحن نقول دائمًا العلاج (( إن تنصروا الله ينصركم )) لا نأتي بشيء جديد ، نتجاوب مع العواطف الجامحة التي لا حدود لها ؛ انصروا الله (( ينصركم ويثبت أقدامكم )) ، (( إلَّا تنصروه )) فهو لا ينصركم أبدًا ،

هذه سنَّة الله - عز وجل - في خلقه في عباده المؤمنين (( ولن تجد لسنة الله تبديلًا )) .

( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ) ، لا يقول الحديث إذا لاحظتم عن ابن عمر أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ، ويقول ) أي : وكان يقول - أيضًا - : ( والذي نفسي بيده ) هذا حلف وقسم من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالله الذي نفس محمد بيده نحن هنا يجب أن نأخذ حكمًا شرعيًّا من هذا الحديث وأمثاله عشرات بل مئات ؛ ما هو هذا الحكم ؟ يتورَّع منه كثير من الناس ، يُدعى إلى أن يحلف بالله - عز وجل - في قضيَّة ما وهو يتظاهر بأنه صادق فيما يقول ؛ فحينما يُدعى إلى الحلف يقول : أنا بحلف ؟! والله كذا وكذا لو ... ما بحلف بالله ؛ ليه يا أخي ؟ ليش ما تحلف بالله ؟ من الجهل الذي يطال المسلمين أن الحلف بالله ما هو مشروع ، بينما هذا الرسول ما حدا حلَّفه ! في مئات الأحاديث ( والذي نفس محمد بيده ؛ لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ) إلى آخره كثير من الأحاديث وهذا منها ، هذا معناه أن الحلف بالله لتأكيد أمر ما هذه عبادة وسنة مستحبَّة ، لأن غرض المتكلم الحالف هو تركيز هذا الكلام في قلوب المخاطبين وتأكيده في نفوسهم ، ولذلك تتقدمه من النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا ... ؛ فلا يتورَّعنَّ أحدٌ عن الحلف بالله صادقًا ؛ لأن الحلف بالله صادقًا هو ذكرٌ لله - عز وجل - ، وهو تعظيم لله - عز وجل - أيضًا يغفل عنه جهلة الناس ، كما أن العكس ؛ أي : الحلف بغير الله - عز وجل - هو تعظيم لغير الله - عز وجل - من أجل ذلك جاء الإسلام لينهى عن الحلف بغير الله ؛ لماذا ؟ لأن كل من يحلف بشيء فهو في قرارة قلبه لا يحلف به إلا وله - هذا المحلوف به - في نفسه منزلة وعظمة وقداسة واحترام ، ولا شك أن أعظم شيء في قلب المؤمن هو الله - تبارك وتعالى - ، فكما أن النبي - عليه السلام - يقول : ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) فأنا أقول - اقتباسًا ولا حرج - : من حلف بالله وحده فقد وحَّد .

لذلك ما في حرج أن يحلف الإنسان بالله - عز وجل - صادقًا ، وهذا هو قدوتنا نبيُّنا - عليه الصلاة والسلام - يحلف بالله في مئات الأحاديث وهذا منها ؛ يقول - عليه السلام - يؤكِّد ما يقول : ( والذي نفس محمَّد بيده ما توادَّ اثنان فيُفرَّق بينهما إلا بذنبٍ يحدثه أحدهما ) ، لا شك أن هذا التوادد المذكور بهذا الحديث والذي يُخبر فيه الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - صادقًا أن هذا التَّوادد والتَّحابب إذا ما انفرط عقدُه يكون بسبب أن أحد المتواددين المتحابَّين قد أتى ذنبًا ، هذا التوادد وهذا التحابب إنما هو تحابب في الله ، والحب في الله هذا الذي عزَّ وجوده في هذا الزمان كما عزَّ التمسُّك ... بصورة عامة ، فالحب في الله - عز وجل - قد كان مضى عندنا فصل في هذا الكتاب يذكر فيه الرسول - عليه الصلاة والسلام - أنواعًا من الأحاديث والمواعظ والترغيب على التحابب في الله - عز وجل - بعضها أحاديث قدسية ، كما في بعضها - مثلًا - : ( حقَّت محبَّتي للمتحابِّين فيَّ ) ؛ فهذا التحابب في الله - عز وجل - إذا انفرط وزال من بين اثنين فهذا يكون بسبب أن أحدهما يكون قد ارتكب معصيةً استحقَّ هذه العقوبة عدلًا من الله - عز وجل - عليه فلم يبقَ عنده أخٌ محبٌّ له ينصحه .

نحن نتوهَّم أن الحبَّ في الله - عز وجل - هو أشبه ما يكون بالحبِّ الشعري العذري الذي يمكن أو يحسن قرنُه مع العنقاء الذي له اسم وليس له حقيقة ... .

مواضيع متعلقة