سافرت إلى منطقة قريبة من بلدي ، ونزلت عند قريبٍ لي ؛ مع أنَّ مدَّة جلوسي قد تكون أيَّامًا ؛ فهل أجمع وأقصر ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
سافرت إلى منطقة قريبة من بلدي ، ونزلت عند قريبٍ لي ؛ مع أنَّ مدَّة جلوسي قد تكون أيَّامًا ؛ فهل أجمع وأقصر ؟
A-
A=
A+
السائل : طيب ؛ في ... سافرت في منطقة ما هي بيتي من العقبة أسكن فندق أو أي مكان ثاني أو عند رحمي لي شخص قريب ، والمدة الزمنية تختلف قد تكون أسبوع أو أيام ؛ هل أجمع وأقصر أو ؟

الشيخ : هذه تنظر إلى حالتك في وقت نزولك في الفندق أو عند صاحب لك ، إن كنت لا تزال في حالة السفر لم تنوِ الإقامة للراحة والاستجمام ونحو ذلك ؛ فأنت كما قال - تعالى - : (( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ )) ، المهم أن تلاحظ وضعَك فإذا كنت على سفر فأنت تقصر ، وإن كنت استقرَرْت وأجمَعْت الإقامة في المكان الذي فيه نزلت فتصلِّي تمامًا .

السائل : ما في شي عدد من الأيام أسبوع ؟

الشيخ : لا ، ما في .

السائل : لأنُّو بدي أقيم ثلاثة أيام أو أربعة أيام .

الشيخ : أنا عارف هذا .

السائل : فقط للرَّاحة والاستجمام يعني ما هي ؟

الشيخ : لا يوجد تحديد للأيام ، وإنما الأمر كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( إنما الأعمال بالنيات ) ، نويْتَ الإقامة لا تنظر إلى الأيام ؛ لأن الإنسان إنما ينوي الإقامة للراحة ، أما الذي يكون على عمل وله أعمال يُتابعها فهو مسافر مهما كثرت الأيام ، والعكس بالعكس تمامًا ؛ لأن الحقيقة أن مسألة السفر سواءً من حيث قطع المسافة من بلد إلى آخر ، ومن حيث الأيام التي يُقيمها في البلد الآخر مسألة فيها خلاف كبير جدًّا بين العلماء ، وليس هناك نصٌّ يرفع هذا الخلاف إلا الرُّجوع للعُرْف الذي ربطَ الله - تبارك وتعالى - به أحكامًا كثيرة ، ومنها الآية التي ذكرتُها آنفًا ؛ وهي قوله - تعالى - : (( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )) ، وهنا في الآية لفظان : أحدهما - ما نحن في صدده - السفر ، والآخر المرض ، وقد ربط الله - عز وجل - في كلٍّ من اللفظين حكم الصيام أو الإفطار ؛ فقال : (( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )) فيفطر ويقضي أيامًا أُخَر ، هذا معنى الآية .

لكن من معنى الآية (( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )) وجوبًا لقضائها ، لكن لا يُفطر وجوبًا ؛ يعني إذا كان مسافرًا لا يُقال يجب عليه أن يفطر ، وإنما هذا يعود إليه كما جاء في حديث حمزة الأسلمي في " صحيح مسلم " أنَّه سأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقال له : يا رسول الله ، أنا رجل كثير الأسفار ، ويُدركني هذا الشهر شهر رمضان ؛ أَأَصوم أم أفطر ؟ فقال : ( إن شئت فصُمْ ، وإن شئت فأفطِرْ ) . فهذا المسافر إذا آثَرَ الإفطار (( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )) ، أما إذا لم يجد حرجًا في الصيام فليس عليه شيء إنما يصوم كالمقيم .

الأمر الآخر هو المرض ، (( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا )) ، هل هذا المريض الذي عَرَضَ له المرض في شهر الصيام لا يجوز له أن يُفطر حتَّى يذهب إلى الطبيب ويأخذ منه " راشيتة " بأنه مريض ؟ الجواب : لا ، كيف إذًا ؟ هو المكلَّف يحكم بنفسه على نفسه ، فهو أدرى بنفسه من غيره ؛ هل هو عليل أم مريض ؟ وعلى ذلك يمشي .

قصدي أن هذين اللفظين في الآية الكريمة أطلَقَهما الله - تبارك وتعالى - وما قيَّد لا في الكتاب ولا في السنة ، ولذلك فمَن كان مريضًا كيف نعرف أنَّه مريض ؟ مش ضروري أنت تعرف أنُّو زيد مريض ، المهم هو يعرف ، هل الإنسان يجهل نفسه ؟ الجواب : لا ؛ إذًا إذا رأى نفسه مريضًا أفطر ، ولو قال له الطبيب : أنت مريض وهو لا يشعر بهذا المرض إذًا لا يتبنَّى رأي الطبيب ، وإنما يحكم بنفسه على نفسه كما قال ربُّنا - عز وجل - (( بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ )) .

إذًا هذا الإطلاق يعني توكيل الأمر إلى المكلَّفين ، كذلك يُقال بالنسبة للمسافرين ، ولا بدَّ أن أذكُرَ لكم مثلًا طريفًا بالنسبة للمريض في رمضان : =

-- وعليكم السلام --

= لا بد أنكم تسمعون بمحمَّد بن سيرين ، هذا من كبار علماء التابعين ومن المُكثرين من الرواية عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - بخاصَّة ، هذا الرجل الفاضل رُئِي في رمضان مُفطرًا ، فاستغرب الرَّاؤون له مفطرًا ، فأشار إليهم ، يعني إصبعه موجوعة ، فاعتبر نفسه مريضًا وأفطر !!

إذًا الإنسان هو الذي يحكم بنفسه على نفسه .

لإتمام البحث بعض البحث السابق قد يخرج رجلان من بلد إلى بلد آخر وهما مسافران ، لكن حينما يطبَّان البلد الآخر أحدهما مسافرًا يظل مسافرًا ، والآخر يُعتبر مقيمًا مثلك أنت ، الذي معك لا يزال مسافرًا ؛ لأنه لم ينزل في بيت آخر له ، أما أنتَ نزلت في بيتك الآخر ؛ فأنت مقيم وذاك مسافر ، وكلاكما خرج من بلد ونزل في بلد ، بل قد يخرجان من بلد أحدهما مسافر والآخر ليس مسافرًا ؛ كيف ؟ هو لم ينوِ السفر كما نواه الآخر ، وقد ضرب لهذا النوع الثاني شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مثلًا رائعًا جدًّا :

تسمعون ببلدة حلب في سوريا ، بين دمشق وحلب نحو أربع مئة كيلومتر ، فتصوَّر شيخُ الإسلام ابن تيمية رجلًا خرج من دمشق ليس مسافرًا أوَّلًا ، يعني هو ما نوى السفر ، وإنما مُصطادًا ليصطاد ، خرج من دمشق إلى الغوطة إلى قرية قريبة من دمشق - مثلًا - عندنا اسمها " جوبر " ، ما وجد صيدًا مشى من " جوبر " إلى " حرستا " ، وهكذا تابع الطريق من " حرستا " إلى " دوما " إلى إلى إلى ، بيقول شيخ الإسلام : وصل إلى حلب .

السائل : أربع مئة كيلو .

الشيخ : آ ؟

السائل : وصل أربع مئة كيلو .

الشيخ : ... .

السائل : أربع مئة كيلو .

الشيخ : كيف ؟

السائل : أربع مئة كيلو مشى .

الشيخ : أربع مئة نعم ، يعني دمشق كما تعلمون عاصمة سوريا ، حلب في الشمال ؛ يعني بينها وبين حدود تركية مسافات قريبة جدًّا ، المهم هذا الرجل قطع أربع مئة كيلومتر وهو ليس مسافرًا ؛ لماذا ؟ أوَّلًا لم ينوِ عند خروجه السفر ، صحيح هو قطع مسافة سفر ، لكن ما قطعها وهو مسافر ، وإنما هو مصطاد ، وهكذا المسائل فيها تنوُّع وفيها دقَّة ، ويعود الأمر إلى قوله - تعالى - : (( بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ )) .

مواضيع متعلقة