من شرح " العقيدة الطحاوية " قوله : " الرؤية حقٌّ لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفيَّة " ، مع بيان تعطيل المعتزلة للأسماء والصفات والرَّدِّ عليهم . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
من شرح " العقيدة الطحاوية " قوله : " الرؤية حقٌّ لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفيَّة " ، مع بيان تعطيل المعتزلة للأسماء والصفات والرَّدِّ عليهم .
A-
A=
A+
الشيخ : ... الثاني ، فهذا أخذهم بقوله - تبارك وتعالى - .

و " الرؤية حقٌّ لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفيَّة " ، وجاء الدليل على ذلك في الكتاب والسنة ، أما الكتاب فهذه الآية الصريحة : (( وجوهٌ يومئذٍ )) يوم القيامة يوم الجنة ، (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )) ، ومع صراحة هذه الآية فقد سلَّطَ عليها المعتزلة معاولَ الهدم والتأويل ؛ فقالوا : إنَّ الآية لا تدل على ما ذهب إليه أهل الحديث وغيرهم من أنَّ المؤمنين يرون الله ذاته - تبارك وتعالى - ؛ وإنما مراد الآية في زعم المعتزلة ناظرة إلى نعمة ربِّها ؛ (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا )) ؛ أي : إلى نعمة ربِّها (( نَاظِرَةٌ )) .

وهذا كما ترون على النهج الذي سلكوه في كلِّ آيات الصفات تقريبًا ؛ فهم يقولون - مثلًا - : (( وَجَاءَ رَبُّكَ )) ؛ أي : آيات ربك ، أو ملائكة ربك أو ، أمر ربك ؛ إلى نحو ذلك من الألفاظ التي يقدِّرونها لكي يفرُّوا من دلالة هذه النُّصوص على خلاف ما ذهبوا إليه من إنكار الصفات كالمجيء والنزول ، وكذلك بالإنكار رؤية المؤمنين لربِّهم يوم القيامة ، فتأوَّلوا قولَه - تبارك وتعالى - : (( إِلَى رَبِّهَا )) ؛ أي : إلى نعمة ربِّها ونعيم ربِّها (( نَاظِرَةٌ )) .

وهذا التأويل باطل بلا شك بما عُلِمَ في بحث موضوع الصفات وآيات الصفات وأحاديث الصفات ؛ وهو أنَّ الأصل في كلِّ كلام عربي أن يُؤخَذَ على حقيقته وعلى ظاهره لا على تأويله ومجازه ، وإنما يُصار إلى التأويل وإلى المجاز حينما تتعذَّر الحقيقة ولا يمكن الأخذُ بها ، ولكن المعتزلة حينما جمدت أفكارهم على تشبيه الخالق بالمخلوق ابتداءً وعلى تنزيهه انتهاءً ؛ وجدوا أنَّ مثل هذه الآية التي تثبت رؤية المؤمنين لربهم - عز وجل - يوم القيامة في الجنة تُفيد بزعمهم إما الإحاطة بالله - عز وجل - وإدراكه وإما تحديده بجهة ، وهم يقرِّرون بأنَّ الله ليس في جهة ؛ ولذلك يذهبون إلى التعطيل المطلق فيقولون : الله في كل مكان !! كل هذه الانحرافات والتأويلات ما كان منهم إلا لإهمالهم تطبيق قاعدة من قواعد اللغة العربية هي : " أن الأصل في كل عبارة الحقيقة ، ولا تُؤوَّل إلا للضرورة " ؛ وهنا بلا شك ليس ضرورة ؛ لأن رؤية الله ليس من الضروري أن يكون كرؤيتنا لبعضنا البعض ، فرؤيتنا لربِّنا رؤية ليس فيها الإحاطة ، وليس فيها الإدراك ، وليس فيها الحصر لله - عز وجل - في مكان إلى آخر هذه السُّلوب التي يجب علينا أن لا نثبِتَها لعدم ورودها في الكتاب ولا في السنة ؛ فإذ الأمر كذلك فلماذا نحن ننكر رؤية الله بعد ثبوتها وبعد تنزيهنا لربِّنا من كلِّ ما يمسُّ جلاله وعظمته ؟!

السائل : أستاذ ، في سؤال .

الشيخ : تفضل .

مواضيع متعلقة