بيان أن الشارع الحكيم لا يسنُّ تشاريع تكون سببًا لترك الناس عن الاهتمام بالجماعة الأولى ، وشرح حديث النعمان بن بشير : ( ألا وإن في الجسد مُضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ؛ ألا وهي القلب ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان أن الشارع الحكيم لا يسنُّ تشاريع تكون سببًا لترك الناس عن الاهتمام بالجماعة الأولى ، وشرح حديث النعمان بن بشير : ( ألا وإن في الجسد مُضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ؛ ألا وهي القلب ) .
A-
A=
A+
الشيخ : إذ الأمر كذلك فمن البدهي الواضح البيِّن أن لا يَسُنَّ الشارع الحكيم تشاريع تكون سببًا لصرف الناس عن الاهتمام بصلاة الجماعة الأولى ، ومثل هذه التشاريع أن يقال بأن كل الجماعات التي تُعقد بعد الجماعة الأولى فهي مشروعة ولها فضيلة سبع وعشرين درجة ؛ لأن أيَّ شعب يتبنَّى مثل هذا الحكم ؛ أي : مشروعية كل الجماعات التي تأتي بعد الجماعة الأولى ؛ فنتيجة مثل هذا التشريع لو كان أن يَنصرف الناس عن الجماعة الأولى كما هو واقع المسلمين اليوم تمامًا ؛ لأنهم يندفع كل إنسان كما هو ثابت في علم النفس ، كل إنسان مؤمن أو كافر صالح أو طالح ينطلق في حياته في حدود عقيدته ؛ فإن كانت عقيدته صالحة فسيكون انطلاقه صالحًا ، والعكس بالعكس كما يُلمِحُ إلى ذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - في حديث النعمان بن بشير الذي أوَّله : ( إن الحلال بيِّن والحرام بيِّن ) إلى آخره ، قال في آخره : ( ألا وإن في الجسد مُضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ؛ ألا وهي القلب ) ، فالقلب هو بلا شك = -- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته -- = مجمع كل الأفكار كل الآراء كل العقائد صالحة أو طالحة ، فهذا القلب بما فيه من هذه الأفكار الصالحة أو الطالحة هو الذي يدفع الإنسان إلى العمل في حياته الدنيوية هذه .

السائل : أظن البيت ما رح يسعنا في الجماعة ؛ فَمَن أحبَّ أن يذهب إلى الجماعة ويصلي العشاء ... .

الشيخ : طيب لا بأس ، لا توصِّ حريص ، نحن في هذا الصدد ما سمعت أول البحث ؟

السائل : لا ، عفوًا في خارج البلاد في جرى نقاش طويل حول هالموضوع هادا نرجو أنُّو ... توصِّل لهم الشريط ... .

الشيخ : إن شاء الله .

قلنا آنفًا : إن أيَّ شخص إنما ينطلق في حياته وفي مَسعاه في حدود ما استقَرَّ في قلبه من أفكار وعقائد وآراء ؛ فإن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر ، واستشهدت على ذلك بحديث النعمان بن بشير الذي فيه : ( ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ؛ ألا وهي القلب ) ، وهذه حقيقة يشهد لها واقع حياة الناس حتى المسلمين على اختلاف عصورهم ومذاهبهم ، فنحن نعلم - مثلًا - أن كثيرًا من الناس - أعني المسلمين - يتعاطون أسبابًا لا توَصِّلُهم إلى مسبَّباتهم التي يرمون إليها ، وأوضح مثال على ذلك كالذي هو مريض أو عنده مريض يأتي قبرًا قد يكون صالحًا في نفسه ، وقد يكون ممَّن زُعِمَ أنه صالح ، فيستغيث به من دون الله - تبارك وتعالى - ، ويطلب منه أن يُعافِيَه ؛ أو يُعافِيَ ولده ؛ فهل يحصل على الشفاء ؟ الجواب : لا ، لماذا ؟ لأنه لم يسلك سبيل الشفاء .

وسبيل الشفاء نوعان : إما سبيل مشروع ، ونستطيع أن نقول بعبارة أخرى : سبب شرعي ، ومن ذلك أن يتوجَّهَ إلى الله - تبارك وتعالى - بقلبه مخلصًا متضرِّعًا لديه أن يشفِيَه الله وأن يعافيَه أو يشفِيَ له مريضه ، فهذا هو السبب الشرعي ، فيستجيب الله دعاءه فيعافيه ، أما السبب الثاني ؛ فهو السبب الكوني ، ويصحُّ أن نُسمِّيَه بالسبب الطبيعي ؛ وذلك أن يأتي الإنسان الطبيب المختص لمعالجة مرضه أو لمعالجة مريضه .

فلماذا يذهب هذا الإنسان فيطلب العلاج من الميت الذي بنصِّ القرآن لا يضرُّ ولا ينفع ؟ لأنه قام في نفسه أنه يضرُّ وينفع ، فيذهب إلى مَن لا يضرُّ ولا ينفع ويطلب منه النَّفع والضُّرَّ ؛ فهو إذًا يسعى سعيًا في حدود ما وَقَرَ في قلبه من عقيدة منحرفة باطلة ، ويكون من آثار ذلك في المجتمع أن يزداد المريض مرضًا ؛ لأنه لم يتعاطَ لا السبب الشرعي ولا السبب الطبيعي لشفائه أو شفاء مرضه .

كنت مرَّة في قرية ما بين إدلب واللاذقية ، فحضرنا صلاة الجمعة ، ثم دعانا خطيب القرية إلى بيته ، فاجتمعنا ، وبالطبع نحن نجتمع لتبليغ الناس دعوةَ الله كتاب الله وسنة نبيِّه - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فجرى الحديث طويلًا بيننا وبينه ، وكان من أهم الأحاديث التي جرت هو موضوع الاستغاثة بغير الله ، وضلال كثير من عامة المسلمين بل خاصَّتهم في هذا المجال حيث أنهم يستجيزون الاستغاثة بغير الله في الشدائد ، فكان موقف هذا الخطيب مخيِّبًا للأمل فيه ، كنا نظنُّ أنه سَيُوافقنا على أن الاستغاثة بغير الله شرك مخالف لصريح القرآن والسنة ، وإذا به يصرِّح بأنه أمر جائز ، ويعلِّل ذلك بتعليل هو حجة عليه ، يقول : إن هذا الذي يستغيث بغير الله يعتقد أن المُستغاث به من دون الله هو لا يضرُّ ولا ينفع ، قلنا له : فإذا كان يعتقد هذه العقيدة فلماذا يستغيث به ؟ إذا كان يعتقد أنه لا ينفع ولا يضرُّ ؛ فما معنى الاستغاثة به وهو يعتقد أنه لا ينفع ولا يضرُّ ؟ قلت له : أرأيتَ إن قال في دعائه : يا فلان ، يا " باز " مثلًا ، فيه عندكم " باز " مثل ما عندنا ولَّا ما عندكم ؟ عندكم ، إذا قال ، يا باز ، يا مَن لا يضرُّ ولا ينفع أغِثْني ؛ هل يجوز ؟ قال : يجوز . يا باز ، يا مَن لا ينفع ولا يضرُّ ، أغِثْني ؛ هل يجوز ؟ قال : يجوز . قلنا : إذًا إيش الفرق بين هؤلاء وبين الذين يُنادون الحجارة هل تضرُّ الحجارة وتنفع ؟ قال : لا . أي فرق إذًا بين إنسان يدعو ميِّتًا لا يضرُّ ولا ينفع ، وبين إنسان آخر ينادي حجرًا لا يضرُّ ولا ينفع ؟

الشاهد : كيف يأتي هؤلاء أعمالًا يترفَّع عنها الناس غير المسلمين أن يفعلوها وهم في الواقع هل تجدون رجلًا كافرًا لا يؤمن بالله وبرسوله ينادي جدارًا اليوم أن يعافيه ؟ أن يرزقه أن أن إلى آخره ؟ لا ، هل تجدون أحدًا مِنهم ينادي ميت وقد صار في التراب رميمًا يطلب منه الشفاء والعافية والرزق ؟ لا ، مع أن شيء من هذا يوجد بالمسلمين اليوم .

من أين جاء هذا ؟ ممَّا وقر في القلب ، فالقلب ينضح بما فيه ؛ إن كان ما فيه عقيدة صالحة كان المنضوح منه صالحًا ، والعكس بالعكس .

مواضيع متعلقة