بيان سبب وقوعهم في هذا المنحدر ؛ وهو تقديم القياس على الحديث . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان سبب وقوعهم في هذا المنحدر ؛ وهو تقديم القياس على الحديث .
A-
A=
A+
الشيخ : ومنشأ الخطأ في تقديمهم إيَّاها على السنة في نظري إنما هو نظرَتُهم إلى السنة أنها في مرتبة دون المرتبة التي أنزَلَها الله - تبارك وتعالى - فيها من جهة ، وفي شكِّهم في ثبوتها من جهة أخرى ، وإلا كيف جازَ لهم تقديم القياس عليها علمًا بأن القياس رأي على الرأي والاجتهاد ، وهو معرَّض للخطأ كما هو معلوم ؛ ولذلك لا يُضطرُّ إليه عند الضرورة كما تقدَّم في كلمة الشافعي : " لا يحلُّ القياس والخبر موجود " ؟! وكيف جاز لهم تقديم عمل أهل بعض البلاد عليها ؛ وهم يعلمون أنهم مأمورون بالتحاكم إليها عند التنازع كما سلف ، وما أحسن قول الإمام السبكي في صدد المتمذهب بمذهب يجد حديثًا لا يأخذ به مذهبُه ، ولا عَلِمَ قائلًا به من غير مذهبه ، قال : " والأولى عندي اتِّباع الحديث ، وَلْيفرِضِ الإنسان نفسه بين يدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد سمع ذلك منه ، أَيَسَعُه التأخُّر عن العمل به ؟! لا والله ، وكلُّ أحد مكلَّف بحدِّ فهمه " .

قلت : وهذا يُؤيِّد ما ذكرنا من أن الشَّكَّ في ثبوت السنة هو ممَّا رماهم في ذاك الخطأ ، وإلا فلو كانوا على علمٍ بها ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قد قالها ؛ لم يتفوَّهوا بتلك القواعد فضلًا عن أن يطبِّقوها وأن يخالفوا بها مئات الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا مستند لهم في ذلك إلا الرأي والقياس ، أو اتباع عمل طائفة من الناس كما ذكرنا ، وإنما العمل الصحيح ما وافق السنة ، والزيادة على ذلك زيادة في الدين ، والنقص منه نقص في الدين ، قال ابن القيم : " فالأول القياس ، والثاني التخصيص الباطل ، وكلاهما ليس من الدين ، ومن لم يقِفْ مع النصوص ؛ فإنه تارةً يزيد في النَّصِّ ما ليس منه ويقول : هذا قياس ، ومرَّةً ينقص منه بعض ما يقتضيه ويخرجه عن حكمه ويقول : هذا تخصيص ، ومرَّةً يترك النَّصَّ جملةً ويقول : ليس العمل عليه ، أو يقول : هذا خلاف القياس ، أو هذا خلاف الأصول .

قال : ونحن نرى أن كلَّما اشتد توغُّل الرجل في القياس اشتدَّت مخالفته للسنن ، ولا نرى خلاف السنن والآثار إلا عند أصحاب الرأي والقياس ، فلله كم من سنَّةٍ صحيحة صريحة قد عُطِّلت به ؟ وكم من أثر درس حكمه بسببه ؟ فالسنن والآثار عند الآرائيين والقياسيين خاوية على عروشها ، معطَّلة أحكامُها ، معزولة عن سلطانها وولايتها ، لها الاسم ولغيرها الحكم ، لها السكة والخطبة ، ولغيرها الأمر والنهي ... " .

مواضيع متعلقة