ذكر بعض الأدلة من القرآن على وجوب الأخذ بخبر الواحد خاصَّة في العقائد . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ذكر بعض الأدلة من القرآن على وجوب الأخذ بخبر الواحد خاصَّة في العقائد .
A-
A=
A+
الشيخ : ... وبيان وجه دلالتها على وجوب الأخذ بخبر الواحد في العقيدة :

الأول : قوله - تعالى - : (( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )) ، فقد حذَّرَ الله - تبارك وتعالى - المؤمنين على أن ينفرَ طائفة منهم إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليتعلَّموا منه دينهم ويتفقَّهوا فيه ، ولا شك أن ذلك ليس خاصًّا بما يُسمَّى بالفروع والأحكام ، بل هو أعم ، بل المقطوع به أن يبدأ المعلِّم والمتعلِّم بما هو الأهم فالأهم تعليمًا وتعلُّمًا .

ومما لا ريب فيه أن العقائد أهمُّ من الأحكام ، ومن أجل ذلك زَعَمَ الزاعمون أن العقائد لا تثبت بحديث الآحاد ، فيُبطِل ذلك عليهم هذه الآية الكريمة ؛ فإن الله كما حضَّ فيها الطائفة على التعلُّم والتفقُّه عقيدةً وأحكامًا حضَّهم على أن ينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما تعلَّموه من العقائد والأحكام ، والطائفة في لغة العرب تقع على الواحد فما فوقه ، فلولا أن الحجة تقوم بحديث الآحاد عقيدةً وحكمًا لَمَا حضَّ الله الطائفة على التبليغ معلِّلًا ذلك بقوله - تعالى - : (( لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )) الصَّريح في أن العلم يحصل بإنذار الطائفة ؛ فإنه كقوله - تعالى - في آياته الشرعية والكونية : (( لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) ، "" لعلهم يعقلون "" ، (( لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ )) ، فالآية نصٌّ في أن خبر الآحاد حجة في التبليغ عقيدةً وأحكامًا .

الثاني : قوله - تعالى - : (( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )) ، أي : لا تتَّبعه ولا تعمل به ، ومن المعلوم أن المسلمين لم يزالوا من عهد الصحابة يَقفُونَ أخبار الآحاد ويعملون بها ، ويُثبتون بها الأمور الغيبية والحقائق الاعتقادية ؛ مثل بدء الخلق ، وأشراط الساعة ، بل ويُثبتون بها لله - تعالى - الصفات ، فلو كانت لا تُفيد علمًا ولا تُثبت عقيدةً لَكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قَفَوا ما ليس لهم به علم كما قال ابن القيم - رحمه الله - في كتابه " مختصر الصواعق " .

الثالث : قوله - تعالى - : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا )) ، وفي القراءة الأخرى : (( فتثبَّتوا )) ؛ فإنها تدل على أن العدل إذا جاء بخبرٍ ما ؛ فالحجة قائمة ، وأنه لا يجب التثبُّت ؛ ولذلك قال ابن القيم : " وهذا يدل على الجزم بقبول خبر الواحد أنه لا يحتاج إلى التثبُّت ، ولو كان خبره لا يُفيد العلم لَأَمَرَ بالتثبُّت حتى يحصل ذلك . ومما يدل عليه - أيضًا - أن السلف الصالح وأئمة الإسلام لم يزالوا يقولون : قال رسول الله كذا ، وفعل كذا ، وأمر بكذا ، ونهى عن كذا ؛ وهذا معلوم في كلامهم بالضرورة ، وفي " صحيح البخاري " قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في عدَّة مواضع : وكثير من أحاديث الصحابة يقول فيها أحدهم : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وإنما سمعه من صحابيٍّ غيره ، وهذه شهادة من القائل وجزمٌ على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بما نسبَ إليه من قول أو فعل ، فلو كان خبر الواحد لا يُفيد العلم لَكان شاهدًا على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بغير علم " انتهى .

والسنة العملية التي جرى عليها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه وبعد وفاته تدل - أيضًا - دلالةً قاطعةً على عدم التفريق بين حديث الآحاد في العقيدة والأحكام ، وأنه حجة قائمة في كل ذلك ، وأنا ذاكر الآن - بإذن الله - بعضَ ما وقفت عليه من الأحاديث الصحيحة في ذلك ، قال الإمام البخاري في " صحيحه " : باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام ، وقول الله - تعالى - : (( فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )) ، ويسمَّى الرجل طائفةً بقوله - تعالى - : (( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا )) ، فلو اقتَتَل رجلان دخلا في معنى الآية ، وقوله - تعالى - : (( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا )) ، وكيف بعثَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمراءَه واحدًا بعد واحد ، فإن انتهى أحد منهم رُدَّ إلى السنة .

مواضيع متعلقة