شرح وتخريج حديث إسلام عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح وتخريج حديث إسلام عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - .
A-
A=
A+
عيد عباسي : لقد روى قصته الإمام أحمد في " مسنده " من تسع طرق ، ومسلم والنسائي وابن ماجه ، ومحمد بن سعد صاحب " الطبقات " من ستِّ طرق ، وغيرهم ، وإسناد رواية أحمد الأولى حسن ، والثانية صحيح ، والرابعة حسن ، وبعضها ضعيف ، لكنه يتقوَّى بغيره ، و ... نفصِّل فيها تفصيلًا ، وأما رواية مسلم ففي إسنادها بعض الضعف ، ولكنه - أيضًا - يتقوَّى بما سبق من الروايات ، كذلك إسناد النسائي وابن ماجه . وأما رواية ابن سعد فروايته الأولى فصحيحة ، والثانية حسنة ، والثالثة فضعيفة ، والخامسة حسنة ، والسادسة فيها ضعف شديد ، والحديث بمجموع طرقه صحيح - إن شاء الله - . وقد رأيتُ من المفيد أن أجمع هذه الطرق وأسوقها في سياق واحد ، فاعتمدت رواية الإمام أحمد الرابعة الجيدة الإسناد ؛ حيث أنها أجمع الروايات وأتمُّها ، ثم ضمَمْتُ إليها الزيادات من الروايات الأخرى مشيرًا إليها أثناء الكتابة .

وهذا هو الحديث ، يقول : كان عمرو بن عبسة يقول : " لقد رأيتُني وإني لَرُبعُ الإسلام " ، قال أبو أمامة صحابي مشهور أبو أمامة الباهلي هو يروي الحديث عنه في بعض الطرق ، يقول له : يا عمرو بن عبسة ، صاحب العقل عقل الصدق ، رجل من بني سليم ، بأيِّ شيء تدَّعي أنك ربعُ الإسلام ؟ قال : إني كنت رغبتُ عن آلهة قومي في الجاهلية ، وأرى الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء ؛ يعبدون الأوثان ، ولا أرى الأوثان شيئًا ، ثم سمعت عن رجل يخبر أخبارًا بمكة ، ويحدِّث أحاديث ، فركبت راحلتي حتى قدمت مكة ، فسألت عنه وهو نازل بعكاظ ؛ فإذا أنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخفٍ ، وإذا قومه عليه جُرَآء أشداء ، فتلقَّفت له ، فدخلت عليه فسلَّمت فقلت : ما أنت ؟ فقال : ( أنا نبيُّ الله ) . فقلت : وما نبيُّ الله ؟ قال رسول الله : ( أرسَلَني الله ) . قال : قلت : آلله أرسلك - يستحلفه - ؟ قال : ( نعم ) . فقلت : فبأيِّ شيء ؟ وبماذا أرسلك ؟ قال : ( بأن يُوحَّد الله ولا يُشرك به شيء ، وكسر الأوثان ، وصلة الرحم ، وتُحقن الدماء ، وتُؤمَّن السبل ) . طبعًا هذه بعض تعاليم الإسلام ، وهي كلها خير ، ومما يطمح إليها البشر في كل زمان ومكان .

فقلت له : نعم ما أرسلك به ، وأشهدك أني قد آمنت بك وصدَّقتك يا رسول الله . هكذا نطَّلع أن بعض الناس الذي في نفوسهم صفاء وإخلاص ما أن يروا شيئًا بسيطًا من الحقِّ حتى يسيروا معه ويوالوه ويناصروه ، بينما الذين في قلوبهم زيغٌ أو شبهات تراهم لو أتيتهم بآيات كثيرة يتطلَّبون الزيادة ، ولا يقبلون ، وذلك أن الأمر أمر النفس إن كانت مخلصةً صالحةً أو لا .

ثم يقول : قلت : يا رسول الله ، مَن أسلَمَ معك على هذا الأمر ؟ قال : ( حرٌّ وعبدٌ ) ، وفي رواية قال : ( معي رجلان أبو بكر وبلال ) ، هكذا - أيضًا - الداعية المخلص صادق مع نفسه ومع الناس ، لا يريد أن يدجِّل على الناس أو أن يصحبهم بأيِّ طريق بناءً على القاعدة المشهورة : " الغاية تبرِّر الواسطة " ؛ لا ، وإنما هو صريح ، معه رجلان يقول : معي رجلان ، ليس معه أحد يقول : ليس معي أحد ، كثير كثير ، هكذا الإخلاص والصدق أساس من أسس الدعوة ، وهذا ما يجب أن يكون عليه الدعاة ، بعكس ما نرى عليه طائفةً ممَّن يدَّعي العمل للإسلام ؛ تراهم يُبيحون لأنفسهم أنواعًا من الكذب بحجة أن ذلك من مصلحة الدعوة ، وهيهات دعوة الحق والصدق أن يُلجأ إلى نصرتها بواسطة الكذب والتضليل .

قلت : ما الإسلام ؟ قال : ( طيب الكلام ، وإطعام الطعام ) . قلت : ما الإيمان ؟ قال : ( الصبر والسماحة ) . قلت : أيُّ الإسلام أفضل ؟ قال : مَن سَلِمَ المسلمون من لسانه ويديه ) . كما سيأتي أيُّ الإسلام أفضل ؟ أي : أيُّ المسلمين أفضل ، أو أيُّ صفات الإسلام أفضل ؟

قال : قلت : أيُّ الإيمان أفضل ؟ قال : ( خلق حسن ) . قال : قلت : أيُّ الصلاة أفضل ؟ قال : ( طول القنوت ) . - المراد بالقنوت هنا القيام في صلاة الليل مثلًا ؛ حيث يطيل القيام كما ورد على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ من طوال السور ويطيل فيها ، وإذا مَرَّ به تسبيح سبَّح ، وإذا مرَّ به ذكر للنار استعاذ منها ، أو ذكر لجنة رغب إليها ، أو شيء ممَّا فيها رغبة أو رهبة طلب ذلك من ربِّه - عز وجل - .

قال : قلت : أيُّ الهجرة أفضل ؟ قال : ( أن تهجر ما كَرِهَ ربُّك - عز وجل - ) . قال : فأيُّ الجهاد أفضل ؟ قال : ( مَن عُقِرَ جواده وأُهرِيقَ دمه ) . جواده هَلَكَ ، وهو - أيضًا - قُتِل في ساحة المعركة في محاربة أعداء الله - عز وجل - .

قلت : إني متَّبعك أفأمكث أو تأمرني أن أمكث معك أم ألحَقُ بقومي أم ما ترى ؟ فقال : ( قد ترى كراهة الناس لما جئت به ، قال : إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا ، ألا ترى حالي وحال الناس ؟ ولكن ارجع إلى أهلك ، فامكث في أهلك حتى يمكِّن الله - عز وجل - لرسوله ، فإذا سمعت بي قد ظهرت فالحق بي ) ، وفي رواية : ( فإذا سمعتم بي قد خرجتُ مخرجي فَأْتِني ، قال : فيوشك الله - تعالى - أن يَفِيَ بِمَن ترى ويحيي الإسلام ) . قال : فرجعتُ لأهلي وقد أسلمت ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهاجرًا إلى المدينة . طبعًا هنا طيّ للكلام ؛ أي : فترة طويلة من الزمن ، هو يحدث عمَّا جرى معه ، فهذه السنين الطويلة التي مَضَتْ والرسول - عليه الصلاة والسلام - في مكة يُكابد فيها مَا يكابد لا يعرف خبرها ؛ ولذلك انتقل إلى ما جرى معه بعد هذه المدة الطويلة حين سمع بهجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة .

قال : فرجعت إلى أهلي وقد أسلمت خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهاجرًا إلى المدينة ، فجعلت أتخبَّر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة ، حتى جاء ركبه . و في رواية : حتى قدم عليَّ نفر من أهل يثرب ، فقلت : ما فعل هذا الرجل المكي الذي أتاكم ؟ - لا يريد أن يُظهر أنه من أتباعه أو أنه مسلم خشيةَ أن يكتموا عنه ، هكذا يكنِّيه - ، ما فعل هذا الرجل المكِّيُّ الذي أتاكم ؟ قالوا : أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك ، وحِيلَ بينهم وبينه ، وتركنا الناس إليه سراعًا - يعني الناس في المدينة يقبلوا على دينه بسرعة - . قال عمرو بن عبسة : فركبتُ راحلتي حتى قدمت عليه المدينة ، فدخلت عليه ، فقلت : يا رسول الله ، أتعرفني ؟ قال : ( نعم ، ألسْتَ أنت السُّلمي الذي أتيتَني مكة فسألتني عن كذا وكذا ؟! فقلت لك : كذا وكذا ) قال : قلت : بلى ، فاغتنمتُ ذلك المجلس ، وعلمتُ أن لا يكون ذلك الدهر أفرغ قلبًا لي منه في ذلك المجلس . كما يُقال يعني هنا الجو واتاه .

سائل آخر : ... .

عيد عباسي : إي نعم ، وينتهز المسلمُ الفرص في استعمالها للخير .

فقلت : يا رسول الله ، جَعَلَني الله فداءك ، علِّمني مما علَّمك الله - عز وجل - وأجهل ، لا يضرُّك وينفعني الله - عز وجل - به . سؤاله إذًا يتصف سيسأل عن أمور فيها تتصف بهذه الصفات ، هي لا تضرُّه إذا أخبر بها ، وينفع الله - عز وجل - بها السَّائل ، ويتعلم مما علَّمه الله .

قال : هل من الساعات ساعة أفضل أو أقرب من الأخرى ؟ وهل من ساعة يُتَّقى فيها ؟ فقال : ( لقد سألتَني عن شيء ما سَأَلَني عنه أحدٌ قبلك ، نعم جوف الليل الآخر أفضل ، إن الله - عز وجل - يتجلَّى في جوف الليل ، فيغفر إلا ما كان من الشرك والبغي ) . هذا الحديث وَرَدَ بروايات أخرى - أيضًا - ، وجَمَعَها شيخ الإسلام ابن تيمية وتحدَّث عنها بفقه واسع في كتابه المشهور في حديث النزول .

فقال : ( فيغفر إلا ما كان من الشرك والبغي ، فصلِّ ما بدا لك ؛ فإنها مشهودة محضورة متقبَّلة ، مكتوبة حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا الركعتين ) . أي : ركعتي السنة ثم الفريضة ، قال وفي رواية : ( وإذا صليت الصبح فأقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس ، وما دامت كأنها جَحَفَت حتى تتنتشر ، فإذا طلعت فلا تصلِّ حتى ترتفع ) ، مِن جَحَفَ التُّرس ، ( فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار ، فإذا طلعت قيد رمح أو رمحين فصلِّ ؛ فإن الصلاة مشهودة محضورة متقبَّلة مكتوبة حتى يستقلَّ الرمح بالظِّلِّ ، ثم صلِّ ما بدا لك حتى يقوم العمود على ظلِّه - هذا وقت الزوال - ثم انتَهِ حتى تزول الشمس حتى يعتدل النهار ، فإذا اعتدل النهار فاقتصر حتى يستوي العمود على ظلِّه ، ثم اقصُرْ عن الصلاة حتى تزول الشمس ؛ فإنها حينئذٍ تُسجر جهنم ، فإذا كان كذلك فأمسك عن الصلاة حتى تميل ، فإذا فاءَ الظِّلُّ الفيء فصلِّ ، أو صلِّ ما بدا لك حتى تصلي العصر ، ثم انتَهِ حتى تغرب الشمس ؛ فإنها تغرب بين قرني شيطان ، وتطلع بين قرني شيطان ؛ فإن الصلاة مشهودة محضورة مكتوبة حتى ، وحينئذٍ تغرب بين قرني شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفار ، فإذا رأيتَها غربت حمراء ؛ فإنها جَحَفَة فأقصِرْ ) .

قلت : يا نبيَّ الله ، أخبرني عن الوضوء ؟ قال : ( ما منكم من أحد يقرِّب وضوءه - الوَضوء هو الماء الذي يتوضَّأ به ، والوُضوء هو فعل الوضوء - ؛ فإن العبد إذا توضَّأ فغسل يديه خرَّت خطاياه من بين يديه ، ثم يتمضمض ويمجُّ ويستنشق وينتفخ إلا خرجت خطاياه من فمه وخياشيمه مع الماء حين ينتفخ ، ثم يغسل وجهه كما أمَرَه الله - تعالى - إلا خرجت خطاياه من أطراف لحيته مع الماء ، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرجت خطايا يديه من أطراف أنامله مع الماء ، ثم يمسح رأسه إلا خرجت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمَرَه الله - عز وجل - إلا خرجت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء ، ثم يقوم إلى الصلاة وكان هو وقلبه ووجهه أو كلُّه نحو الوجه إلى الله - عز وجل - فيحمد الله - عز وجل - ويُثني عليه ويمجِّده بالذي له هو أهلٌ ، ويفرِّغ قلبه لله ، ثم يركع ركعتين ؛ إلا خرج من ذنبه كهيئته يوم ولدته أمه من الخطايا ) .

تحدَّث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لما سمع أبو أمامة هذه الفضائل لصلاة الركعتين بهذه الكيفية قال : يا عمرو بن عبسة ، انظر ما تقول ؛ أَسَمِعْتَ هذا من رسول - صلى الله عليه وسلم - ؟ أَيُعطى هذا الرجل كله في مقامه ؟ أيعطى هذا الرجل كله في مقامه ؟ قال : فقال عمرو بن عبسة : يا أبا أمامة ، لقد كبرت سنِّي ، ورَقَّ عظمي ، واقترب أجلي ، وما بي حاجة أن أكذب على الله - عز وجل - ولا على رسوله ، لو لم أسمعه من الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة أو مرَّتين أو ثلاثًا ، لقد سمعته سبع مرات أو ثمانية أو عشرًا أو عشرين أو أكثر من ذلك ما حدَّثت به . يعني لو لم أسمع بهذه الأعداد الكثيرة ما حدَّثت به ، إلى هنا ينتهي الخبر الذي نقلته من " مسند الإمام أحمد " .

مواضيع متعلقة