باب : - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
باب :
A-
A=
A+
الشيخ : الباب الذي بعده . " باب السرف في المال " أي ما حكم السرف في المال بيذكر الآن حديثًا بإسناده الصحيح عن أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ يَرضى لَكُم ثَلاثًا ، ويَسخَطُ لَكم ثَلاثًا ، يَرضَى لَكم أَن تَعبُدوه وَلَا تُشرِكُوا بِه شَيئًا ، وأَن تَعتَصمُوا بِحبل اللَّهِ جَمِيعًا وأَن تُناصِحُوا مَن ولَّاهُ اللَّهُ أَمرَكُم ، ويَكرهُ لَكُم : قِيلَ وقَالَ ، وكَثرةَ السُؤال ، وإِضاعَةَ المَالِ ) .

في هذا الحديث خصال يرضاها الله - عز وجل - منا وأخرى يكرهها منا يقول - عليه الصلاة والسلام - : ( إن الله يرضى لكم ثلاثًا ، ويسخط لكم ثلاثًا ؛ يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا ) . ليس المقصود هنا في هذا الحديث من لفظة الرضا مجرد أن الله - عز وجل - يحب ذلك من عبده المؤمن لأن الله - عز وجل - يحبُّ من عبده المؤمن كل خصال الخير ، وكل أعمال الخير ، يحبُّ مثلًا أن يتصدق الإنسان بأكبر كمية من المال فوق الزكاة التي أمره الله بها يحب منه ويرضى له أن يصلي في الليل والناس نيام فوق صلاته الصلوات الخمس فهنا يرضى لفظة يرضى رضاء آمرًا به وأول الأمر أول ما يؤمر به الإنسان كما قال ربنا - عز وجل - في القرآن : (( يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ )) . فأول شيء يؤمر به الإنسان هو عبادة الله - عز وجل - وتوحيده فحينما قال هنا يرضى لكم لا يعني إنه فعلته منيح يرضى منكم وما فعلته ما عليك شيء لأنه هذا رضا بأمر مأمور به .فقال - عليه السلام - : ( إن الله يرضى لكم ثلاثًا ، ويسخط لكم ثلاثًا ، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا ) . يجب أن تلاحظوا مثل هذا التعبير النبوي الذي يتكرَّر في كثير من الأحاديث الصحيحة أن تعبدوا الله ولم يسكت ما قال - عليه السلام - يرضى لكم أن تعبدوا الله ، وإنما عطف على هذه الجملة جملة أخرى فقال : ( ولا تشركوا به شيئًا ) هذه الجملة المعطوفة على الأولى ليست عبثًا بل هي تمام التوحيد ؛ لأن الله - عز وجل - حينما قال لنبيِّه - عليه السلام - مخاطبًا في شخصه أمَّته (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )) لم يقل فاعلم أن الله موجود لا (( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )) في نفي وفي إثبات فإذا واحد عبد الله عبد الله ولكن ربما يعبد مع الله غيره فهذا ما حقق لا إله إلا الله كذلك لم يحقق قول الرسول - عليه السلام - فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا فالذي يعبد الله ويعبد معه غيره حقق الجملة الأولى فاعبدوا الله وما حقق الجملة الأخرى ( ولا تشركوا به شيئًا ) هذا هو التوحيد وهذه الحقيقة مع الأسف الشديد يغفل عنها كثير من علماء المسلمين فهما وأكثر المسلمين عملًا هذه المصيبة الكبرى ذلك لأنهم لا يفهمون من الكلمة الطيبة كلمة التوحيد لا إله إلا الله إلا عبادة الله ليس هذا فقط ، وإنما إلا عبادة الله وحده لا شريك له فمن عبد الله وعبد معه غيره فما وحده لذلك علماء المسلمين المحققين وأظن ذكرت لكم هذا أكثر من مرة بيجعلوا التوحيد ثلاثة أقسام : توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الصفات فكما يجب أن نعتقد أن الله - عز وجل - واحد في ذاته يعني ما في معه خالق ثاني وهذا يشترك فيه كل العالم لا فرق بين مسلم وبين كافر بين مسلم بين يهودي بين نصراني بين بوذي بين كفشيوسي إلى آخره كلهم يعتقدون أن هذا الكون له خالق وهذا أمر بدهي فطري كما قال - تعالى - : (( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ )) ، هذا مستحيل هذا اسمه توحيد الربوبية يشترك فيه كل المؤمنون بأن لهذا الكون خالقا فهل لذلك يصبح هذا الموحد توحيد الربوبية مسلما ؟ الجواب لا لا بد أن يضم إلى توحيد الربوبية توحيد الألوهية وبعبارة أخرى توحيد العبادة أي كما أننا نعتقد أن الله - عز وجل - واحد في ذاته لا شريك معه يخلق معه كذلك يجب أن نعتقد مع هذا التوحيد أن الله - عز وجل - يجب أن يوحد وحده أن يعبد وحده ولا يعبد معه سواه فالمشركون الذين بعث إليهم الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - التوحيد الأول كانوا يؤمنون به كانوا يعتقدون أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض وهناك آيات كثيرة جدًّا في القرآن الكريم تصرح أن المشركين إذا قيل لهم من خلق السماوات والأرض قالوا الله فهم يؤمنون بهذا لكان إلى ماذا دعاهم الرسول - عليه السلام - فاستعصوا عليه في الدعوة فقاتلهم - عليه الصلاة والسلام - دعاهم إلى أن يوحدوا هذا الذي يعتقدون أنه خلقهم وخلق الدنيا كلها أن يعبدوه وحده لا شريك له فأنكروا ذلك عليه وقالوا : (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) ما هي الآلهة التي كان يتخذها المشركون يعبدونها من دون الله - تبارك وتعالى - هل هي تخلق مع الله في اعتقادهم الجواب لا كما في القرآن الكريم وفي التفسير الصحيح بالنسبة لنوح - عليه السلام - لما وعظ قومه وأنذرهم وكفر جمهورهم به فتناصحوا بينهم زعموا فقال بعضهم لبعض لا تذروا آلهتكم (( وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا )) شو هذول الأشخاص كانوا أرباب يعتقدون أنهم يخلقون مع الله الجواب لا الجواب كما قال ابن عباس : " هؤلاء خمسة صالحين كانوا في قومهم " ناس صالحين فلما ماتوا القصة طويلة ما لنا فيها الوقت انتهى إنما " غلو فيهم فعبدوهم من دون الله - عز وجل - " صاروا يسجدوا لهم صاروا ينذروا لهم ويذبحوا لهم كما يفعل كثير من المسلمين اليوم مع الأسف الشديد فاتخذوهم آلهة وسموهم هن عم يقولوا بلسانهم لا تذرنَّ آلهتكم إذن كل شخص ولو كان مخلوقًا يخضع له ويعبد ولو كان يعبد من جهة أخرى ربه زعم لكن ما دام عبد مع الله غيره فقد أشرك معه في الربوبية لا وإنما في الألوهية أو في العبادة لذلك فهذا النوع الثاني من التوحيد الأول توحيد الربوبية الثاني توحيد الألوهية ويسمى توحيد أيضًا العبادة لأنه الذي آمن بالتوحيد الأول عبد الله - عز وجل - وحده لم يشرك به شيئًا هل يكفي هذا أيضًا هل هو مسلم بمجرد ما يجمع في نفسه وفي شخصه الاعتقاد بأن الخالق واحد وهو الله والاعتقاد بأنه لا يستحق العبادة إلا الله صار بذلك مسلما ؟

الجواب هذا لا يكفي - أيضًا - لا بد من توحيد ثالث اسم هذا التوحيد في اصطلاح العلماء توحيد الصفات توحيد الصفات معناه إذا اعتقدت أن الله خالق وعبدته وحده ما بتشرك معه غيره فيجب أن تعتقد أيضًا إنه كما هو واحد في ذاته فهو واحد في صفاته كلها فكما أنه - تبارك وتعالى - لا يشبهه أحدا في شخصه في ذاته من مخلوقاته كذلك لا يشبه أحدًا من مخلوقاته في صفاته ولا أحد من مخلوقاته يشبه في صفة من صفاته صفة من صفات الله - عز وجل - فالمسلم الذي يجمع في قرارة نفسه هذا الفهم للتوحيد بأنواعه الثلاثة والإيمان به إيمانا جازما فهو الموحد وهو الذي ينجو من الخلود في النار مهما كانت سيئاته كثيرة والعكس بالعكس الذي لا يعتقد التوحيد بأنواعه الثلاثة في نفسه مهما كان صالحًا فهو مشرك والله - عز وجل - يقول في صريح القرآن الكريم : (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا )) إذا عرفنا ذلك يتبيَّن لنا السر في قول الرسول - عليه السلام - : ( يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا ) ففي شيء إثبات وفي شيء نفي لا بد من الجمع بين الإثبات وبين النفي أن تعبد الله ولا تعبد غير الله فهناك كثيرين يعبدون الله يمكن يكونوا يعني يقومون الليل والناس نيام ويصومون النهار والناس مفطرون وإلى آخره ولكن هو في نفسه مشرك كيف ذلك وهو يقول في الصلاة : (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) سوى إنه بينذر نذر للست زينب مثلًا بينذر نذر للشَّيخ عبدالقادر مين مين إلى آخره مجرد ما ينذر النذر لغير الله عبده مجرد ما ينذر هالنذر لغير الله عبد هذا المنذور له دون الله وحين ذلك أشرك مع الله ولم يحقِّق هذا الحديث ( أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا ) ؛ ولذلك أخيرًا أقول : جاء في " الصحيحين " من حديث معاذ بن جبل أنه - عليه الصلاة والسلام - لما أرسل معاذا إلى اليمن قال له : ( ادعهم أوَّل ما تدعوهم إليه أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا ) لأنه هو ذاهب إلى بلاد بعضهم كانوا مشركين وبعضهم كانوا نصارى بلاد اليمن يومئذ كان فيها نصارى من الحبشة فقال - عليه السلام - لمعاذ : ( ليكُنْ أوَّل ما تدعوهم إليه أن اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا ) ، هذا هو التوحيد وهذا هو الذي ينجي العبد يوم القيامة من الخلود في النار وإلا فمهما كان رجلًا صالحًا ولم يكن موحدًا بأنواعه الثلاثة فسوف يكون من الخاسرين نسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا من الموحدين ومن القائمين بحقيقة هذه الكلمة الطَّيِّبة لا إله إلا الله . والسلام عليكم ورحمة الله .

مواضيع متعلقة