باب : - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
باب :
A-
A=
A+
الشيخ : في رواية أخرى بفتح السين السَّرب ، ومن حيث اللغة أيضًا يقال : سَرَب ، فالرواية الأولى وهي الأشهر عندنا هذه النفس : ( مَن أصبح آمنًا في سربه ) أي في نفسه ، وكأنه يعني - عليه الصلاة والسلام - الأمن في السرب : هو الاطمئنان النفسي لأنه ذكر بعد الخصلة الأولى هذه الخصلة الثانية : ( معافًى في بدنه ) فمن أصبح آمنا في سربه أي في نفسه ، أما بفتح السين كما ذكرنا في الرواية الأخرى فالمقصود : الطريق والمسلك فالمعنى يختلف بعض الاختلاف ولكن في النهاية يلتقي أحدهما مع الآخر . ( مَن أصبح آمنًا في سِربه ) أي : في نفسه أو ( مَن أصبح آمنًا في سَربه ) يعني في منطلقه في حياته في طريقه في هذه الدنيا التي جعلها الله - تبارك وتعالى - سببا ووسيلة ليسعد المسلم بها في الحياة الآخرى ، فسواء كانت الرواية : ( مَن أصبح آمنًا في سِربه ) أي : في نفسه أو ( مَن أصبح آمنًا في سَربه ) أي : في طريقه ومنطلقه في حياته ، فالمؤدّى واحد .ثم الخصلة الثانية : ( معافًى في جسده ) ثم قال أخيرا : ( وعنده طعام يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا ) أي : جُمعت له الدنيا وجمعت له بحذافيرها وغرض الحديث هو تربية المسلم على أن يقنع بالقليل بما آتاه الله - تبارك وتعالى - من الرّزق ، وأن الرزق في سعته أمر ليس له حدود ينتهي إليه الإنسان ، بل الأمر كما أوضحه الرسول - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح ، حين قال : ( لو كان لابن آدم واديان من ذهب لَابتغى إليهما ثالثًا ، ولو كان له ثلاثة لَابتغى لهما رابعًا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على مَن تاب ) ؛ لذلك الحديث في حضِّ للمسلم على أن يقنع بما آتاه الله - تبارك وتعالى - من الرزق ولو كان قوت يومه فقط ، وقد مضى في بعض الأحاديث أن من كان عنده رزق يوم وليلة غداء وعشاء يوم وليلة لم يجز له إسلاميًّا أن يسأل الناس أي أن " يشحد " منهم ، لأن هذا الرزق يكفيه ، وكل يوم يأتيه من رزقه من الله - تبارك وتعالى - ، ولذلك فهذا الحديث كأنه يلتقي بسبب وثيق بالآية المعروفة التي خاطب فيها الله - تبارك وتعالى - في شخص النبي - عليه السلام - أمته حين قال : (( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ )) ؛ لذلك المسلم إن قتّر عليه في الرزق تذكر هذا الحديث : ( مَن أصبح آمنًا في سربه ، معافًى في بدنه ، وعنده قوت يومه ؛ فكأنما حيزَتْ إليه الدنيا ) ومن أصبح موسَّعًا عليه في الرزق تذكر الحديث السابق في الدرس الأخير ألا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - لعمرو بن العاص : ( نعمَّا - أو نِعْمَ - المال الصالح للرجل الصالح ) . ثم إذا أصبح مبتلى في جسده ، هو الرسول - عليه السلام - في هذا الحديث يذكر أقلَّ ما ينبغي أن تستقيم عليه حياة المسلم العادي الذي قد لا يجد لنفسه من الصبر الذي يحمله على الرضا بقضاء الله وقدره ولكن الله - عز وجل - يبتلي عباده بما يشاء ، فقد يصبح الإنسان ولا قوت عنده ، وقد يصبح الإنسان ولا صحة له ، قد يصبح الإنسان وليس عنده أمان واطمئنان في منزله في بيته في عقر داره ، فماذا يفعل ؟ حين ذاك يجب عليه أن يتضرَّع بالصبر وفي ذلك أحاديث كثيرة ، وآيات معروفة شهيرة من ذلك قول الله - تبارك وتعالى - : (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )) ، ومن ذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( عجب أمر المؤمن كله ، إن أصابته سرَّاء حمد الله وشكره ، فكان خيرًا له ، وإن أصابته ضرَّاء صبر ، فكان خير له ، فأمر المؤمن كله خير ، وليس ذلك إلا للمؤمن ) .

إذًا هذا الحديث الذي نحن في صدد التعليق عليه يبيِّن لنا أقل ما يمكن أن يطمئن إليه الإنسان في حياته المطمئنة العادية : ( أن يصبح آمنًا في سربه معافًى في بدنه ، عنده قوت يومه ) ، لكن هذا لا يعني أن المسلم لا يُبتلى وأن المسلم قد يمرض فيكون معافى في جسده ، هذا من الدنيا أن يصبح معافًى في بدنه هذ من الدنيا كذلك أن يصبح آمنًا مطمئنًّا في سربه وعنده قوت يومه كل هذا من أمور الدنيا التي ينبغي على المسلم أن يقنع لذلك وأن يتَّخذها نهجًا له في حياته لا يمد بصره إلى أكثر من ذلك ، ولكن الله - عز وجل - كما قلنا آنفًا يبتلي عباده بما يشاء ومن ذلك الابتلاء في البدن ، والابتلاء بالجوع كما ذكرنا في الآية السابقة ، وكما قال - عليه الصلاة والسلام - كأنه يواسي من قد يُبتلى في جسده أو في بدنه أو في حياته من المسلمين بشيء من الضنك والشدة يقول - عليه الصلاة والسلام - مواسيًا لهؤلاء : ( نحن - معاشر الأنبياء - أشد ابتلاءً ؛ الأمثل فالأمثل ، المؤمن يُبتلى على قدر دينه ) ؛ ولذلك فإن أصيب أحدنا فإن أصيب أحدنا نساءً أو رجالًا بشيء منَّا لا يعجبه سواء في جسده أو في صحته أو في ماله ، فينبغي ألا يضجر وينبغي أن يرضى ويصبر على القدر حتى يوفيه الله - عز وجل - أجره يوم القيامة بلا حساب ، نسأل الله أن يجعلنا من هؤلاء .

مواضيع متعلقة