باب : - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
باب :
A-
A=
A+
الشيخ : أعود إلى درسنا النظامي وقد كان وصل بنا في الدرس الماضي إلى الباب الواحد والثلاثين بعد المئة وهو قول المصنّف - رحمه الله - تعالى : " باب التحاب بين الناس " : يروي بإسناده الحسن عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : ( والذي نفسي بيده ، لا تدخلوا الجنة حتى تسلموا ، ولا تسلموا حتى تحابُّوا ، أفشوا السلام تحابوا ، وإياكم والبغضة ، فإنها هي الحالقة ، لا أقول لكم : تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين ) . في هذا الحديث وصايا كريمة من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وتأديب لهم بشيء غير قليل من الآداب الشرعية أول ذلك أمر الرسول - عليه الصلاة والسلام - بإفشاء السلام . أمر - عليه الصلاة والسلام - المسلمين أن يفشو السلام بينهم وجعل ذلك سببًا لتحقيق المحبة بين المسلمين ، لقد قال في هذا الحديث وهو يحلف بمن لا يُحلف إلا به : ( والذي نفسي بيده ) ففي هذا أدب وما أكثر ما حلف الرسول - عليه الصلاة والسلام - بربه من الأحاديث الصحيحية ، ففي ذلك تعليم عملي من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - للمسلمين أنهم إذا أرادوا أن يحلفوا بشيء فلا ينبغي أن يحلفوا إلا بربهم - تبارك وتعالى - لأنه أكبر شيء وأعظم شيء لدى المسلم .فقال : ( والذي نفسي بيده ) وهكذا يجب على المسلم أن لا يحلف إلا بربّه وقد أكّد هذا الرسول - عليه السلام - بأحاديث كثيرة ، حينما قال مثلًا : ( لا تحلفوا بآبائكم من كان منكم حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت ) .لا تحلفوا بآبائكم قد كانوا في الجاهلية الأولى وعاد إلى تلك الجاهلية الكثير ممن يعيش اليوم في الجاهلية الأخرى فتجد الكثير من المسلمين اليوم يحلفون بآبائهم يحلفون بأبنائهم يحلفون بشرفهم إلخ ما هناك من أيمان باطلة لا تجوز في الإسلام ، لأن الرسول - عليه السلام - ما كان يحلف إلا بالله ولأن ... فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت .كثير من الناس حينما يُنهون عن أن يحلفوا بغير الله - عز وجل - يقول لك : يا أخي أحسن ما نحلف بالله ونجعله عرضة لأيماننا نحلف بغيره - تبارك وتعالى - ، طبعًا هذا كلام إنسان ليس عنده من الفقه الإسلامي شيء مطلقًا فهو يتكلم بجهله ليبرر خطأه بحلفه بغير ربّه - تبارك وتعالى - .ولو فقه هذا الإنسان لتذكر قول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وقد روي مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح رفعه ، قال ابن مسعود : " لأن أحلف بغير الله صادقًا أحبُّ إليَّ من أن أحلف بغير الله كاذبًا " ، فلا يجوز أن يحلف الإنسان بغير الله مطلقًا فالحلف له هذان الطريقان إما أن تحلف بالله وإما أن تسكت ، أما أن تحلف بغير الله - عز وجل - بحجة أن الأمر هذا لا يستحقُّ الاهتمام به الذي يستلزم الحلف بالله فهذا لا يجوز ، ثم يُرد على هذا أن الحلف بالله - عز وجل - عبادة ، فلا بأس أن تعبد الله وأن تذكره بأقل مناسبة ، لكن المهم ألا تحلف بالله إلا صادقًا . فلو حلف إنسان وقال : والله البارحة أكلت تفاحة شو هذا الأمر العظيم ؟! أكل تفاحة فهو يتوهم الحلف في هذه الحالة لا يجوز إسلاميًّا هذا خطأ ، فأنت إما أن تحلف بالله ولو في أمر لا قيمة له كهذا المثال ، وإما أن تسكت كما قال - عليه السلام - : ( لا تحلفوا بآبائكم مَن كان منكم حالفًا فليحلِفْ بالله أو ليصمتْ ) ، فلا يجوز إذًا تبرير الحلف بغير الله ؛ لأن الأمر لا يستحقُّ الحلف بالله لأن الرسول يخيِّرك إما أن تحلف بالله إن كنت حالفًا وإما أن تصمت ولا تحلف بالله فضلًا عن غير الله - تبارك وتعالى - . وأيضًا يقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - : ( مَن حلف بغير الله فقد أشرَك ) فالحلف بالله ليس لفظاَ حقيرًا صغيرًا كما يتوهم كثير من الناس بل هو نوع من الإشراك بالله - تبارك وتعالى - .ولهذا كله نجد الرسول - عليه الصلاة والسلام - جرى في أحاديث كثيرة على أن يحلف فيها بمثل قوله : ( والذي نفس محمَّد بيده ) ، ( والذي نفسي بيده ) وهكذا ، حلف في هذا الحديث بربه - تبارك وتعالى - الذي نفسه بيده فقال : ( لا تدخلوا الجنة حتى تسلموا ) وفي هذا الحديث في رواية الإمام مسلم قال : ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ) هنا قال : ( حتى تسلموا ) قال : ( ولا تسلموا ) أو ( ولا تؤمنوا حتى تحابوا ) هنا قال في هذا الحديث كأنه مختصر : ( وأفشوا السلام تحابُّوا ) في الحديث الي رواه مسلم وهو أتم من هذا : ( والذي نفس محمد بيده ؛ لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا ، أفلا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحابَبْتُم ؟ أفشوا السلام بينكم ) . ففي هذا الحديث إشارة بليغة جدًّا وهي أن الجنة لا يمكن شرعا دخولها إلا باتخاذ السبب الموصل إليها ، فهو - عليه الصلاة والسلام - يحلف بهذا الحديث صادقا بأن المسلمين أو بأن الناس لا يدخلون الجنة إلا إذا أسلموا فالإسلام إذن هو شرط في دخول الجنة ، وهذا مما أشار إليه ربُّنا - عز وجل - في القرآن حينما قال مخاطبًا أهل الجنة يوم دخولهم فيها : (( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) ، فالجنة إذن دخولها لا بد من تعاطي سببها والسبب الأول في ذلك هو الإسلام والإيمان الصادق ثم الأعمال الصالحة التي بها يتفاضل الناس بالجنة في درجاتهم فيها ، أما أصل الدخول إلى الجنة فلا بد من الإيمان والإسلام ، ولذلك كان مما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أبا بكر الصديق حينما أرسله إلى الحج في السنة الثامنة التي كانت قبل حجة الوداع أمره أن ينادي في القبائل وفي منى في أيام الحج أنه : ( لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ) ؛ لذلك الجنة حُرِّمت إلا على المتَّقين كما جاء في القرآن الكريم .

مواضيع متعلقة