باب - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
باب
A-
A=
A+
الشيخ : والآن " باب التبسم " وهو الباب الخامس والعشرون بعد المئة ، يروي المصنف - رحمه الله - بإسناده الصحيح عن جرير وهو بن عبد الله البجلي قال : مَا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - مُنذُ أَسلَمْتُ إِلَّا تَبَّسَم فِي وَجهِي . وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( يَدخُلُ مِن هَذَا البابِ رَجُلٌ مَن خَيْرِ ذِي يَمَنٍ ، عَلَى وجههِ مَسْحَةُ مَلَك ) فَدَخَلَ جرير .

المقصود في هذا الحديث هو طرفه الأول ، وفيه بيان أن الرسول - عليه السلام - كان من آدابه وأخلاقه في صحبته لأصحابه أن يهش لهم ويبش في وجوههم ولذلك يقول جرير بن عبد البجلي : ( ما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت إلا تبسَّم في وجهي ) ، وهذا التبسم قد كان سبق معنا في بعض الأحاديث أنه من الصدقات التي بها وبأمثالها مما يسر للمسلمين من الصدقات يستطيع المسلم سواء كان ذكرًا أو أنثى أن يصبح غنيًا بالأجور فقد يفوق بمثل هذه الأعمال كثيرًا من أصحاب الأموال والدثور فقد قال - عليه الصلاة والسلام - في حديث : ( وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة ) ؛ ولذلك كان طبيعيًّا جدًّا أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - يعامل أصحابه بمثل هذا الأدب الذي وجه أصحابه إليه حينما قال لهم : ( وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة ) .ولكن هاهنا شيء يجب أن نذكره لا سيما وكثيرًا ما نسأل عنه وهو وقريبًا كنت في الأردن فسألني أحد الدكاترة هناك : ما رأيك في اجتماع يعقد بين الرجال والنساء أو بين الشباب والشابات والشابات متجلببات بالجلباب الشرعي فما رأيك بهذا الاجتماع وقد سماه بحق فقال : ما رأيك في هذا الاختلاط ؟ وفعلًا هو اختلاط ولو أنه في تلك الحدود التي ذكرناها . قلت له : إذا أردنا أن نتمسَّك بالحرفية الحرفية اللفظية فأقول : ما دام أن النساء في هذا المجلس متجلببات ومتسترات الستار الشرعي فلا بأس من هذا الاجتماع ، ولكن الحقيقة قلت له أن هذا لا يمكن أن يكون إلا نظريًّا ، أما عمليًّا فكيف تستطيع أن تتصور مثل هذا الاجتماع من أوله إلى آخره قد تسلط أو حكم أو تحكم على هذا الاجتماع الرزانة بحيث أن أحد الحاضرين لا يتكلم بكلمة يندفع من ورائها إحدى الحاضرات فتتبسَّم أو تضحك ، من الذي يستطيع أن يتحكم على مثل هذا المجلس الخليط من النساء والرجال فلا يبدر من أحد الحاضرين ما يحمل الآخرين على الضحك أو التبسُّم ؟ هذا عمليًّا غير ممكن ، ولذلك فالأشرع الابتعاد عن عقد مثل هذه الاجتماعات الخليط من نساء ورجال بدعوى أن السترة متوفرة ، لأن كون السترة متوفرة هذا شرط من الشروط وأدب من الآداب الواجبة في الإسلام ، ولكن هناك نوعية الكلام هناك نوعية الحديث ، فإن تبسم رجل بامرأة هناك أو بالعكس امرأة برجل فضلًا عن ضحك فضلًا عن قهقهة فحينئذٍ يخرج من هذا المجلس عن أن يكون أدبًا ، عن أن يكون مجلسًا إسلاميًّا ؛ ولذلك فلا نرى إقرار مثل هذه الاجتماعات مطلقًا ما أمكن إلى ذلك سبيلًا ؛ لأن الإنسان لا يملك نفسه أن يضحك أحيانًا فيضحك الآخرين فهنا يكون الشيطان قد طرق على الحاضرين بابًا للإفتان والفتنة . لذلك فإذا كان من أدب الرسول - عليه السلام - أنه لا يلقى أصحابه إلا تبسم في وجههم عملًا بقوله لهم : ( وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة ) فجيب أن نفهم هذا الحديث على ضوء القواعد الإسلامية والتي منها باب سد الذريعة فيتبسم الرجل في وجه الرجل والمرأة في وجه المرأة وليس العكس لا يتبسم الرجل في وجه المرأة الغريبة عنه ولا المرأة في وجه الرجل الغريب عنها ، لأن هذا مفتاح للفتنة اللهم إلا إذا كان هناك حرمة يعني يتبسم الرجل بل ويضحك في وجه بنته بنت أخيه ونحو ذلك من المحارم ، أما المرأة الغريبة عنه فلا يجوز أن يلقاها إلا بكل حشمة وبكل رزانة وبعيد أشد البعد عن الفتنة .

إذًا التبسم في وجه الأخ المسلم هو صدقة لكن الجنس مع الجنس والإلف مع أليفه هذا هو المقصود من هذا الحديث وهو الطرف الأول وهو أن من هدي الرسول - عليه الصلاة والسلام - ومن سنته أنه كان إذا لقي أحد أصحابه -وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - تبسم في وجهه ، ومعنى هذا أن الرسول - عليه السلام - لم يكن فظًا كما يقولون اليوم لم يكن عبوسًا قمطريرًا وإنما كان هشوشًا بشوشًا فلا جرم والله - عز وجل - يصفه بقوله : (( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )) . ثم جاء في تمام هذا الحديث فائدة أن جريرًا - رضي الله عنه - لما جاء ليدخل على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لهم - عليه الصلاة والسلام - مبشرًا بمجيء جرير هذا : ( يدخل من هذا الباب رجلٌ من خير ذي يمن ) هو جرير من عبد الله البجلي من قبيلة من القبائل اليمنية فأخبرهم - عليه الصلاة والسلام - بأنه من خير هذه القبيلة بقوله : ( يدخل من هذا الباب رجلٌ من خير ذي يمن ، على وجهِه مسحة ملك ) ؛ أي : على وجهه آثار الملك والنعمة والجمال وقد كان كذلك ؛ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لا ينطق إلا بالحق ، هذا حديث في التبسُّم تبسُّم الرسول - عليه السلام - .

مواضيع متعلقة