باب : - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
باب :
A-
A=
A+
الشيخ : فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .وصل بنا الدرس الماضي إلى الحاديث الرابع والأربعين بعد المئتين .من " باب العفو والصفح عن الناس " . روى المصنف - رحمه الله - بإسناده الصحيح عن وهب بن كيسان قال : سمعت عبد الله بن الزبير : ( يقول على المنبر : (( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )) قال : والله ما أَمر بها أن تُؤخذ إلا من أخلاق الناس والله لآخذنها منهم ما صحبتهم ) . هذا الحديث من الأحاديث الموقوفة على عبد الله بن الزبير معروف أنه من أصحاب الرسول - عليه السلام - ، ولكنه حين مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان صغير السن فهو في طبقة ابن عباس من بين أصحاب الرسول - عليه السلام - سنًا ، فهو خطب ذات يوم على المنبر ، فتلا هذه الآية الكريمة ألا وهي قوله - تبارك وتعالى - : (( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )) فقال مبيِّنًا معنى قوله : (( خُذِ الْعَفْوَ )) قال : ( والله ما أمر بها أن تؤخذ إلا من أخلاق الناس ، والله لآخذنها منهم ما صحبتهم ) فهو - رضي الله عنه - يبين بهذه الجملة أن المقصود بقوله - تعالى - : (( خُذِ الْعَفْوَ )) ليس ما اشتهر عند المفسرين من ان المقصود من العفو هنا في هذه الآية إنما هو الفاضل من أموال الناس ، أي إن العلماء اختلفوا في تفسير هذه اللفظة بخصوص هذه الآية : (( خُذِ الْعَفْوَ )) ما هو العفو ؟ فهناك قولان : القول الأول : المال الفاضل الزايد على حاجة صاحبه فهذا المال الفاضل الزايد عن حاجة مالكه هو الذي أمر الله - تبارك وتعالى - نبيَّه - عليه الصلاة والسلام - في هذه الآية أن يأخذه من الصحابة من المسلمين ، هذا بناء على القول الأول ، خذ العفو أي الفاضل من المال ، وعلى هذا القول يقول أهله ، هذا كان في أول الإسلام أي كان يجب في أول الإسلام على المال زكاة ما فضل عن حاجته ، فلما فرض الله - عز وجل - الزكاة المعروفة حين ذاك نسخ هذا الأمر لأن الأمر كان خاصًا بالزائد من المال ، أما لما فرض الله - عز وجل - الزكاة فوجب عليهم أن يدفعوا شيئًا معينًا على رأس المال بالمئة اثنين ونصف كما هو معلوم .

الخلاصة : أن القول الأول في تفسير هذه الآية : (( خُذِ الْعَفْوَ )) أي : الفاضل من أموال الناس .القول الثاني : وهو الذي ذهب إليه ودندن حوله عبد الله بن الزبير (( خُذِ الْعَفْوَ )) أي : الصفح ففيه فرق كبير بين القولين ، القول الأول : (( خُذِ الْعَفْوَ )) أي : الفاضل من أموال الناس .القول الثاني : (( خُذِ الْعَفْوَ )) أي : تمسَّك بالصفح عن الناس فيما إذا أخطؤوا معك ، وهذا القول هو الذي ذهب إليه أو فهمه عبد الله بن الزبير من هذه الآية الكريمة وهو الذي اعتمده الحافظ ابن كثير الدمشقي في " تفسيره " ، فقال إنه هو الأشهر ويعني الأرجح من قولي العلماء ، بناء على ذلك فإيراد المصنف من هذا الحديث إنما فيه بيان لما عقد لهذا الحديث من الباب ألا وهو قوله : " باب العفو والصفح عن الناس " فالمصنف يشير إلى أنه يختار هذا التفسير في هذه الآية الكريمة : (( خُذِ الْعَفْوَ )) أي : خذ بالصفح عن الناس فيما إذا أخطؤوا معك ، يقول عبد الله بن الزبير مشيرًا إلى أن القول الأول مرجوح ليس مرادًا في هذه الآية لأنه يحلف فيقول : ( والله ما أمر بها أن تؤخذ إلا من أخلاق الناس ) أي : لا من أموالهم ، (( خُذِ الْعَفْوَ )) على القول الأول أي الفاضل من أموال الناس ، ابن الزبير يحلف بالله - عز وجل - وهو صادق بإذن الله بأن الله - عز وجل - حينما قال : (( خُذِ الْعَفْوَ )) ما أمر بها أن تؤخذ إلا من أخلاق الناس ، فإذن في الآية قولان : خذ العفو من أموال الناس ، والقول الثاني : خذ العفو من أموال الناس ، وعلى هذا فما معنى خذ العفو أي الفاضل من أخلاق الناس ؟ يعني ، أن الناس ليسوا كملًا في الأخلاق فقليل منهم من يكون كامل الأخلاق ، فمن كان كذلك كان خلقه سيئًا قد يرتكب معك أمرًا مخلًا مما يزعجك ويغضبك فماذا تفعل أنت ؟ خذ بالصفح عن مثل هذا الخلق ، هذا هو المقصود من هذه الآية كما بينها عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - حالفًا بالله - عز وجل - ، ثم أتبع ذلك بإلزامه نفسه بأن يعامل الناس على هذا الأمر الإلهي ، خذ العفو أي الصفح لهذا قال حالفًا أيضًا : " والله لآخذنها منهم ما صحبتهم " أي لأعاملَنَّ الناس بمقتضى هذا الأمر الإلهي فآخذ بالصفح عنهم فيما إذا أخطؤوا معي . إذًا المعنى الصحيح في هذه الآية : (( خُذِ الْعَفْوَ )) أي : خذ الصفح وليس خذ العفو أي الفاضل من أموال الناس ، ويؤيد هذا المعنى آخر الآية حيث قال - تعالى - : (( وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )) الجاهل هو الذي يخطئ معك ويثير غضبك فقد تستجيب لهذه الإثارة فتحاول أن تنتقم منه أو أن تثأر منه فإذا ما تذكرت مثل هذه الآية أو ذكرت بها أحجمت عن مقابلة الجاهل بمؤاخذته وإنما قابلته بالعفو والصفح كما قال - تعالى - في هذه الآية : (( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )) ومن واقع سيرة السلف الصالح الذي يدل على أنهم كانوا سباقين إلى العمل بكتاب الله - عز وجل - حينما يقع معهم ما يثير نفوسهم ويزعجهم .

مواضيع متعلقة