ما هي الضوابط الشرعية التي تضبط بها بعض العلوم الإنسانية كعلم النفس وعلم الاجتماع ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما هي الضوابط الشرعية التي تضبط بها بعض العلوم الإنسانية كعلم النفس وعلم الاجتماع ؟
A-
A=
A+
السائل : والسلام على رسول الله ينتشر اليوم الكلام حول ما يسمى بالعلوم الإنسانية كعلم النفس وعلم الاجتماع وضرورة إيجاد علم نفس أو علم اجتماع إسلامي وذلك انطلاقًا من مفهوم السعي في التعرف على سنن الآفاق والأنفس استدلالا بالآية : (( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ )) ، والسؤال ما هي الضوابط الشرعية التي تضبط هذه المفاهيم أو السعي إليها والأخذ منها .

وجزاكم الله خيرًا .

الشيخ : قبل الجواب ... أقول مستعينًا بالله - عز وجل - كما جاء في خطبة الحاجة :

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد :

فانطلاقًا من قوله - تبارك وتعالى - على قول من أقوال المفسرين : (( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ )) ، ومن حديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - الذي يعتبر نصًّا وجوابًا ساطعًا واضحًا عن السؤال السابق ألا وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( ما تركت شيئًا يقرِّبكم إلى الله إلا وأمرتكم به ، وما تركت شيئًا يباعدكم عن الله ويقرِّبكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه ) ، وفي معنى هذا الحديث حديث آخر في صحيح مسلم قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( ما بعث الله نبيًّا إلا كان حقًّا عليه أن يدلَّ أمته على خير ما يعلمه لهم ) ( ما بعث الله نبيًّا إلا كان حقًّا عليه أن يدلَّ أمته على خير ما يعلمه لهم ) ، وأمر بدهي جدًّا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا كان بحق سيد الأنبياء والرسل جميعًا أوَّلًا ثم خاتم الرسل ثانيًا فلا بد أنه - عليه الصلاة والسلام - قد قام بهذا التعليم خير قيام إذ الأمر كذلك فينبغي أن ننظر إلى أي علم من العلوم التي تتداولها الألسنة اليوم مما لم يكن معروفا في استعمال العلماء قديمًا كعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد ونحو ذلك من العلوم فأي علم من هذه العلوم أو غيرها لا شك ولا ريب أنه ينبغي أن نتصور أن فيه خطأ وفيه صوابا فيه حقًّا وفيه باطلا لأننا نعلم أن خير هذه العلوم كلها إنما هو العلم الشرعي العلم الفقهي الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( مَن يُرِدِ الله به خيرًا يفقِّهْه في الدين ) ، هذا الفقه كما تعلمون مع أن عمدته إنما هو الكتاب والسنة بالنسبة لكل الأئمة الذين كانوا على هدى من ربهم لا شك أنهم مع ذلك كان في أقوالهم ما هو صواب وما هو خطأ من أجل ذلك جاء قوله - عليه الصلاة والسلام - في " صحيح البخاري " : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب ؛ فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد ) ، إذا كان هذا الفقه وهو إن لم نقل خير العلوم لأنه قائم على الفهم أولا لكتاب الله ثم لسنة رسول الله ثم لما كان عليه سلفنا الصالح إذا كان هذا العلم فيه كما ذكرت آنفًا الصواب والخطأ والحق والباطل فلا شك أن أي علم آخر لا بد أن يكون فيه من هذا الصواب ومن هذا الخطأ حصيلة هذا الكلام وثمرته أنه يجب حينئذٍ أن نتذكر أن الضابط في هذه العلوم بأسمائها الحديثة ومعلوماتها الحديثة لا بد أن تكون قد نظر إليها بمنظار الشرع الإسلامي على ضوء الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح لذلك كنت ولا أزال أقول إن كل دارس متخرج من الماجستير أو الدكتوراه كما يقولون اليوم يريد أن يتخصص في علم من هذه العلوم فهو ينبغي أن يكون متمكنا في علم الشريعة حتى لا يقع في مخالفات أو كما يقولون اليوم في مطبات يخالف فيها الإسلام وهو في طريق دراسته لعلم من هذه العلوم أنتم مثلًا اليوم تعرفون هذا العلم المسمى بعلم الاقتصاد أنه قائم على استباحة ما حرم الله - عز وجل - من الربا الذي يسمونه بغير اسمه ألا وهي الفائدة فهذا العلم من أصوله وأسسه استباحة ما حرم الله - عز وجل - وهذا كمثل وقد يكون هناك أشياء وأشياء كثيرة جدًّا فلكي يكون الدارس لعلم من هذه العلوم فلا بد من أن يكون على بصيرة من دينه كما قال الله - عز وجل - : (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) ، فلكي يكون على هذه البصيرة لا يمكنه أن يكون كذلك إلا بعد أن يكون قد درس هذا العلم أو ذاك على ضوء الكتاب والسنة ؛ لذلك نجد في العصر الحاضر كثيرًا من المشاكل التي تسمع من الشباب الدارسين لبعض هذه العلوم ولم يكونوا محصنين قبل دراستهم إياها بعلم الكتاب والسنة نسمع منهم أفكارا وآراء كثيرة تتضارب تمامًا مع كثير من أحكام الإسلام لهذا فالإقبال على دراسة هذه العلوم دون هذه الضابطة وهذه القاعدة مزلة أقدام هذا ما يتيسر لي من الجواب عن هذا السؤال .دراسة هذه العلوم بلا شك هو من الفروض الكفائية إذا قام بها البعض سقط عن الباقين ولكن لا بد لهذا الدراس لكي يحصل الفرض الكفائي ألا يضيع مقابله الفرض العيني وهذا هو مشكلة الدراسة في العصر الحاضر بصورة عامة للدراسة النظامية العصرية التي لم يوضع لها في مناهجها ضابطة (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ )) ؛ لذلك تجد هذه الدراسات العصرية تمشي في طريق والدراسة الشرعية القائمة على الكتاب والسنة تمشي في طريق آخر قد يلتقيان تارة ويختلفان تارة أخرى لنضرب الآن مثلًا عمليا نحن واقعون فيه وكثير من المسلمين لا يحسون لأنهم يخالفون الشرع والسبب في ذلك أنهم درسوا علما يعرف بعلم الفلك فعلى هذا الأساس من علم الفلك وضعت تقاويم التي تسمى بالمفكرة أو الرزنامة أو ما شابه ذلك فأصبح العالم الإسلامي اليوم بسبب هذه الدراسة العلمية الفلكية دون أن يلتزموا الضابطة السابق ذكرها قد يفطرون قبل الوقت وقد يصلون قبل الوقت السبب هو انفلاتهم عن تطبيق القاعدة التي سبق أن ذكرتها فمثلا التقاويم القائمة على الدراسة الفلكية هنا في الأردن مثلًا يختلف الوقت لا أقول من العاصمة إلى القرية المجاورة لها بل يختلف الوقت الواحد بالنسبة للعاصمة نفسها لكن التوقيت يشمل ليس فقط العاصمة بل وما حواليها أيضًا من القرى ولعلكم تعرفون مثلي أو خيرا مني لأني حديث عهد بهذا البلد منذ عهد قريب كانت هناك بعض القرى لا تشملها عاصمة عمان أذكر مثلًا على سبيل المثال قرية الناعور فأصبحت هي من عمان الكبرى كما يقولون لعله الزرقاء كذلك يوما ما .

السائل : مستقلة .

الشيخ : لا تزال مستقلة حسنا لكن الناعور هو كما قائم في ذهني أنه الآن تعتبر من عمان أليس كذلك ؟

السائل : صويلح .

الشيخ : ىه هذه كلها لم تكن من قبل .

السائل : ... الجبيهة .

الشيخ : أيوا فالشاهد فالآن الوقت في عمان يختلف تمامًا عن الناعور بل في الناعور يختلف من مكان إلى مكان وهذا رأيناه بأم عيننا كما يقال ما سبب هذا ؟ اعتمادهم على علم الفلك دون رجوعهم إلى علم المواقيت الذي جاءت تفاصيله في الكتاب وفي السنة وأيضا تبنته الفقهاء والأئمة دون خلاف عندهم في أكثر هذه الأوقات إذن لا يجوز أن يدرس أي علم إلا على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة وهذه الدراسة بلا شك ستكون آثارها شيء منها يوافق الكتاب والسنة لا مانع منه ولا سيما والرسول - عليه السلام - كان يقول : ( أنتم أعلم بأمور ديناكم ) ، وشيء منها يخالف الكتاب والسنة والمثال الآن بين أيديكم قضية اختلاف المواقيت واتحاد المواقيت بالنسبة للرزنامة والمثال السابق مثال ما يسمى بعلم الاقتصاد وما فيه من المخالفات هذا هو الصورة الثانية الصورة الأولى الموافقة للكتاب والسنة فعلى الرأس والعين الصورة الأخرى المخالفة فيضرب بها عرض الحائط .

الصورة الثالثة والأخيرة لا مخالفة حينئذٍ الإسلام لا يمانع من ذلك مثلًا مثل نظام تنظيم المرور بالنسبة للمشاة وبالنسبة للسيارات إلى آخره هذا بلا شك دراسته مفيدة جدًّا وهي سبب للمحافظة على سلامة المواطنين كما يقولون اليوم وتنظيم السير وما شابه ذلك على هذا ينبغي أن ننظر إلى ذاك السؤال وعلى ضوء هذا الجواب يكون الانطلاق إن شاء الله .

مواضيع متعلقة