مقدمة الأستاذ أبي مالك بين يدي الشَّيخ الألباني عن فشوِّ العلم والقلم وظاهرة كثرة التأليف . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
مقدمة الأستاذ أبي مالك بين يدي الشَّيخ الألباني عن فشوِّ العلم والقلم وظاهرة كثرة التأليف .
A-
A=
A+
أبو مالك : ... .

في هذا اللقاء كما كان في لقاءات سابقة وهي لقاءات كان منها ثمرة طيِّبة ؛ حيث أنَّ الحديث فيها لم يتشعَّب ، وتناول موضوعًا محدَّدًا ، ولم يحِدْ عن السؤال ولا عن الجواب في آنٍ معًا ، وفي هذه الليلة نحبُّ أن نعرضَ على شيخنا موضوعًا كنَّا نحب أن نعرضَه منذ زمن ، ولكن قدَّر الله أن يتأخَّر وأن نصدِّق أن كل شيء عنده بمقدار .

في هذا الموضوع أشار أو لعله من النبوءات التي أخبَرَ بها وحدَّثنا عنها نبيُّنا - عليه الصلاة والسلام - ؛ وهي من أعظم المعجزات التي أطلَّت على الناس في هذا الزمان ، واستقرَّت فيهم وصارت علامةً ظاهرةً على الذَّمِّ الشديد الذي ينطوي عليه الحديث النبوي الذي يقول فيه - عليه الصلاة والسلام - وهو يخبر عن أمارات الساعة : ( يفشو العلم والقلم ) ، وهذا الفشوُّ الحقيقة الجاهلون بالإخبارات النبويَّة قد يظنُّون أن هذا من ... العلم والمعرفة وشيوعها على باب المدح والرغبة في أن يكون طلاب العلم والعلماء على مثلِ ما أشار إليه هذا الحديث على نحو ما فقهوه وفهموه ، لكنَّنا نحن نفهم هذا الحديث فَهْمًا على وجهٍ آخر ، نفهمه على أنه فيه الذَّمُّ وفيه التحذير في آنٍ معًا .

ولا يخفى عليكم - شيخنا - هذا الأمر في هذا الزمان الذي نحن فيه ؛ ففي كل يوم يطلع على الناس إذا قلت عشرات من الكتب أكون غير دقيق ، بل يطلع علينا المئات من الرسائل والكتب والمؤلفات الصغيرة والمجلدات الكثير ، كما أن هناك ما يُسمَّى بالنشرات الدورية ، والنشرات الدورية هي المجلات الأسبوعية أو الشهرية أو التي تصدر على فصول معيَّنة ، أو لِغايات وأحداث معيَّنة ؛ كلما حَدَثَ حدثٌ ظهر شيء من هذه الدوريات ، وهي كثيرة وكثيرة جدًّا .

ولعل مما يقع في النفس من الفَهْم الذي نفهمه من هذا الحديث أن فشوَّ القلم وشيوع العلم يظهر في عزوف الناس في هذا الزمان عن متابعة ما يظهر ؛ لأنه غير مقدور حتمًا على أن الإنسان يتناول كل ما يصدر في كل يوم ، وهذا يولِّد عنده شيئًا من الملل والضجر ، ثم ينصرف بعد ذلك عن كل ما يظهر .

ومن هنا أقول : إن الفائزين في العلم هم الذين ظلُّوا سائرين على منهج الأقدمين ، أخذوا المؤلفات القديمة وانكبُّوا عليها دراسةً وفهمًا وحفظًا وتعليمًا وتفقيهًا للناس ، ولعل من المظاهر التي تحدُونا إلى الحديث في هذا الأمر ما يقع - أيضًا - لِهؤلاء الكَتَبَة الذين يُكثرون من إخراج الرسائل والكتب ، الأصل في العلم أن يكون الإنسان العالم أن يقصد وجه الله - سبحانه وتعالى - فيما ينشر وفيما يؤلف وفيما يكتب ، وفي ظنِّي أن هذا الأمر في هذا الزمان غائب إلا عن القلَّة القليلة من العلماء وطلبة العلم الذين يهتمُّون بالتأليف ، وحتى أصحاب المنهج الذي نحن عليه ؛ فإن جلَّ مَن يؤلف ، وإذا قلت : جلَّ ؛ فإنني أكون - أيضًا - ربما أكون غير دقيق ، فأقول : إن السَّواد الأعظم منهم لم يعُدِ التأليف عندهم غايةً يبتغون بها إشاعة العلم وترغيب طلبة العلم في القراءة وإشاعة المنهج بأسبابه وأصوله وغاياته وتقريبه وتفهيم الشباب إياه .

هذا - أيضًا - ظاهر كل الظهور ؛ ولذلك ترى التسابق الكبير والتسارع الذي يكاد يذهب بأبصار الناس الذين يتتبَّعون حركة التأليف في هذا الزمان ، ويُشدَه الإنسان منَّا وهو يرى إخوانًا له يتساقطون في هذه الدائرة دائرة الذَّمِّ عياذًا بالله - تعالى - ؛ لذلك كان حقًّا على شيخنا أن يبيِّن لنا وللأمة جميعًا شيئًا يتعلق بمثل هذا المنهج التأليفي يُعيننا فيه على بيان الصواب فنتمسَّك به ، ويُعيننا على بيان الخطأ فنحذره وننبِّه الناس إليه ؛ وبخاصَّة - كما قلت - إخواننا ، ولا أقول في هذا البلد وحدَه ؛ بل في بلاد المسلمين بعامة نجد إخواننا قد وقعوا في هذا الذي نحذِّر منه أو حذَّر منه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وقد ولَّد هذا - أيضًا - الانشغال بمثل هذا الأسلوب في نشر الكتاب والعلم أوجَدَ أخطاءً كثيرة ، بل أوجَدَ تحاسدًا وتباغضًا في نفوس إخواننا ؛ بل إنه - أيضًا - أوجَدَ في نفوسهم الاجتراء أو التجرُّؤ على الطعن على شيوخ الإسلام وأعلام أئمته وشيوخه العظام ، فصار الواحد منهم لا يكاد يمضي عليه شهر أو شهران وهو يكتب سطورًا عديدة إلا ويرفع رأسه ذامًّا وطاعنًا على أولئك الأئمة الأعلام .

مواضيع متعلقة