يرى بعض أهل العلم أنَّه لا داعي لتسمية الدعوة المبينة بالدعوة السلفية وغيرها ، لكن يقولون : أهل السنة والجماعة ؛ فماذا تقولون ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
يرى بعض أهل العلم أنَّه لا داعي لتسمية الدعوة المبينة بالدعوة السلفية وغيرها ، لكن يقولون : أهل السنة والجماعة ؛ فماذا تقولون ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الشيخ - حفظك الله - ، يرى بعض أهل العلم أنَّه لا داعي لتسمية الدعوة المبينة بالدعوة السلفية وغيرها ، لكن يقولون : أهل السنة والجماعة ؛ فماذا تقولون ، أثابكم الله ؟

الشيخ : لا أوافقهم على ما يذهبون إليه ، (( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ )) ؛ ذلك لأنَّ العرف القديم في هذه التسمية أهل السنة والجماعة إنما يدخل فيها طوائف ليسوا حقيقةً من أهل السنة والجماعة ؛ مثل : الأشاعرة والمعتزلة ، والذين يستعملون هذه الكلمة هم في الحقيقة كانوا قديمًا يريدون أن تكون كلمةً عامَّةً شاملةً تشمل كلَّ المسلمين الذين لا يزالون في دائرة الإسلام مع شيء قليل أو كثير من الانحراف عمَّا كان عليه السلف الصالح - رضي الله عنهم - ؛ فلذلك فإذا ... على هذا الاستعمال - أي : أهل السنة والجماعة - فندخل فيها مَن ليس منها حقيقة ، ولو كانوا حقيقةً كذلك ؛ فعندنا سؤال امتحان ؛ وهو : هل كلُّ مَن كان من أهل السنة والجماعة على التعريف المتوارث حتى اليوم ؛ هل هو على منهج السلف الصالح ، ولا يجيزون مخالفة السلف الصالح فيما كانوا عليه من هديٍ واتِّباع لسنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ سواء كان ذلك في العقائد أو في الأحكام ؟ الجواب - مع الأسف الشديد - : لا يزال كثيرٌ من هؤلاء الذين ينتمون إلى أنهم من أهل السنة والجماعة يقولون بأن : " مذهب السلف أسلم ، ومذهب الخلف أعلم وأحسن " ، لا يزالون يقولون هذه الكلمة ، وبناءً على ذلك فهم ليسوا سلفيِّين حتى في أعزِّ ما يجب أن يتمسَّك به المسلم من دينه ؛ ألا وهي العقيدة لله - تبارك وتعالى - .

ومن كان منكم من طلاب العلم فستتجلَّى له هذه الحقيقة بصورة جلية ؛ لأنه يقرأ في بعض كتب الأشاعرة وكذلك الماتريدية هذه الجملة ؛ يقولونها ولا يبالون بأن فيها غمزًا ولمزًا بالسلف الصالح ؛ حيث أنهم يُشعرون الخَلَف بأنَّ السلف كانوا جماعة - كما يقولون في بعض البلاد - جماعة دراويش ؛ أي : بسطاء ، فمذهبهم أسلم ، أما مذهب الخلف فهو أعلم ؛ أي : أدقُّ وأحسن ؛ كيف يكون هذا الذي يقول هذا الكلام يكون من أهل السنة ، وهو يغمز جماعة السُّنَّة الأولى التي صدق به فيما مضى قريبًا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جَعَلَ العلامة للفرقة الناجية أن يكونَ على ما عليه هو وأصحابه ؛ فكيف يكون من الفرقة الناجية مَن يقول إن أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا على لا علم ، أو على علم قليل ، وليس بالعلم الحكيم ، أما الخَلَف فمذهبهم أعلم وأحسن ؟! كيف حينئذٍ يكون مذهب أهل السنة وفيهم من يقول هذه الغمزة أو هذه اللمزة لأصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، والذين هم خير القرون خير الناس كما جاء في الحديث الصحيح المشهور بل المتواتر ؟

ونحن من أجل ذلك حتَّى نكون صريحين في دعوتنا غير مُمالئين ولا منافقين ولا مدارين في عموم المسلمين ؛ نقول : دعوتنا على الكتاب وعلى السنة ومنهج السلف الصالح ؛ فمن ذا الذي يستطيع أن يتبرَّأ من مذهب السلف الصالح هكذا بإطلاق ؟ وإن كانوا تبرَّؤوا من بعض مذهبهم كما سمعتم آنفًا ؛ حينما يقولون : مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم ؟ الذي يُعلنها صريحة بأنه على مذهب السلف فإنما يعني أنه تمسَّك بما أمر الله به ورسوله ولا أعيد ما قلته آنفًا إلا باختصار شديد ؛ قال - تعالى - : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ؛ من هم المؤمنون هنا ؟ هم السلف الأول ، ليسوا هم الأشاعرة ولا الماتريدية يقينًا ، إلا إذا كانوا على مذهب السلف الصالح .

والحديث السابق : الفرقة الناجية من تمسَّك بما عليه الرسول وأصحابه وبخاصَّة منهم الخلفاء الراشدين المهديِّين ، فما هو السِّرُّ يا تُرى أن يأبى بعض الناس في هذا الزمان الانتساب إلى السلف الصالح الذين أثنى عليهم رسول الله بأنَّهم خير القرون ، ويريد أن يطلقها كلمةً عامَّة أهل السنة والجماعة ، أهل السنة والجماعة هم أصحاب الرسول - عليه السلام - ، أما الذين جاؤوا من بعدهم فقد انقسموا فرقًا شتَّى وأحزابًا كثيرة ، وقد نهى ربنا - عز وجل - عن ذلك في قوله - تبارك وتعالى - : (( وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )) ، فالحزب الإسلامي هو حزب واحد ، وهو الذي يحرص - ليس فقط يدَّعي - يحرص على أن يكون على ما كان عليه الرسول وأصحابه ، هذا هو الناجي ، وهو الذي يمشي سويًّا على صراط مستقيم ، أما مَن أَخَذَ ببعض المذاهب المتأخِّرة كما أشرنا آنفًا فهو على خطر ؛ لأنه لم يتمسَّك بالجماعة التي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إنَّ التمسُّك بهذه الجماعة هو النجاة من النار ، بينما حَكَمَ بها على اثنين وسبعين فرقة ، إسلام مسلمون ، ولكن مسلمون قد انحرفوا في بعض ما ذهبوا إليه من عقائد ومن أحكام ومن أخلاق ، وما الصوفية وانحرافهم في السلوك عمَّا كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بل وانحرافهم بالعقيدة وبالتوحيد حتى وصل بهم الأمر أن يعتقدوا اعتقاد الدهريين الطبيعيين الذين يقولون أن لا خالق هناك ، وإنما هي كما قال بعض أهل الجاهلية : " إنما هي أرحام تدفع وأرض تبلع " ، ويقول بعض الصوفية : " كلُّ ما تراه بعينك فهو الله " ؛ فليس هناك في زعمهم خالق ومخلوق ، وهؤلاء الصوفية إلى اليوم يكتبون بعض المؤلَّفات ، ويزعمون أنَّهم من المسلمين ، بل يزعمون أنهم على الصراط المستقيم ، أما نحن فنقول لهم : (( هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) .

ولقد ذكرتُ في بعض محاضراتي أنه خاصة بهذا العصر الحاضر ، وبصورة أخص في الأيَّام الأخيرة موضة المسلمين اليوم الجديدة ادِّعاء التمسك بالكتاب والسنة ، لم تكن هذه الدعوة الطيبة المباركة قبل نصف قرن من الزمان على الأقل معروفة ، إنما كان هناك هذا حنفي ، وهذا شافعي ، وهذا مالكي ، وهذا حنبلي ، أما أن يُسمع يومئذٍ أنا على الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه السلف الصالح ؛ لم يكن هذا معروفًا ، أما الآن فقد انقسم الناس في هذه الدعوة الطيبة الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح ؛ انقسموا إلى قسمين :

قسم حقيقة يتمسَّك بالكتاب والسنة ، وعلى ما كان عليه السلف الصالح ، وهم الذين يسمَّون في بعض البلاد بالسلفيين ، أو بأهل الحديث ، أو بأنصار السنة ، أسماء كلها تدل على مسمًّى واحد ، وعلى حقيقة واحد ؛ وهي السَّير في كلِّ ما نتعبَّد الله - تبارك وتعالى - به على كتاب الله وسنة رسول الله ، وعلى منهج السلف الصالح .

أما القسم الثاني فيطمع بأن يقول أنا - أيضًا - معكم على الكتاب والسنة ، ولكنك إذا حاصصته ودقَّقت معه وجدْتُه أبعد ما يكون عن الكتاب والسنة في عقيدته وفي عبادته في سلوكه في لباسه في ... ليس هناك ، ليس هناك ؛ مع ذلك هو يدَّعي على الكتاب والسنة ، وذكرت بعض الأمثلة مما هو واقع اليوم ويعرفه أهل العلم ، مهما انحرفَتْ بعض الطَّوائف عن هذا المنهج السَّليم " قال الله قال رسول الله قال السلف الصالح " فلا يصل بهم الأمر في بعض الأحيان إلى الخروج عن دائرة الإسلام ، لكن بعضهم قد خرجوا عن الإسلام باسم الإسلام ، ضربت على ذلك مثلًا بالطائفة القاديانية ، وهذه الطَّائفة يعرفها أهل العلم الذين لهم مشاركة في معرفة الفِرَق التي حدثت في العصر الحاضر ، ومن أشهرها البهائية ثم القاديانية ، لا نتكلم عن البهائية ؛ لأنهم لا يغترُّ بهم إلا من كان مثلهم ؛ لأنهم لا يصلون ولا يصومون ولا يحجُّون ، أما القاديانية فهم على ما هم عليه من الضلال المبين ، ويشملهم أنهم خالفوا سبيل المؤمنين ؛ فهم يصلون ويصومون ويحجُّون ويزكُّون ويشهدون الشهادة الركن الأول من الإسلام خلاف البهائية ، ولكنهم خرجوا عن دائرة الإسلام ؛ فهل يقولون أنُّو نحن على الكتاب ولسنا على السنة ؟

هذه الفرقة اليوم هي أقلُّ فرقة تدَّعي الإسلام اليوم باسم الإسلام ؛ لأنهم أنكروا أشياء معلومة من الدين بالضرورة منصوص عليها بالكتاب والسنة ، من ذلك قوله - تعالى - : (( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ )) ، قالوا : معنى (( خَاتَمَ النَّبِيِّينَ )) ليس كما تفهمون أنتم معشر المسلمين ؛ هكذا زعموا أنه لا نبيَّ بعده ، وإنما (( خَاتَمَ النَّبِيِّينَ )) أي : زينة الأنبياء ، كما أنَّ الخاتم في الإصبع هو زينة الإصبع وزينة الأصابع واليد ؛ كذلك (( خَاتَمَ النَّبِيِّينَ )) معناه أنه - عليه الصلاة والسلام - زينة الأنبياء ، فآمَنوا بهذه الآية - وهنا الشاهد - آمَنوا بهذه الآية ولكن حرَّفوا معناها ليتطابقَ هذا المعنى مع عقيدتهم الضالة ؛ وهي اعتقادهم أنَّه يأتي بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنبياء ، وفعلًا يقولون قد جاء أحدهم في الهند واسمه " ميرزا غلام أحمد القادياني " ، وقصة هذا الدَّجَّال الذي ادَّعى النبوة واتبعه الملايين من المسلمين في الهند وباكستان وأوروبا ، وهم من أنشط الفرق الإسلامية التي تدعو إلى الإسلام ، ولكن هم مسلمون ؟ وهل لا يزالون يستجيبون لدعوتهم هم مسلمون ؟

الجواب : لا ؛ لأنهم ينكرون بعض العقائد المعلومة من الدِّين بالضرورة ، من أهمها ما ذكرت لكم آنفًا ؛ فإذا لا ينبغي أن نغترَّ بمن يقول : نحن على الكتاب والسنة ؛ إلا أن يضيف إلى ذلك وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح ؛ لأن هذه الضَّميمة هي التي تحفظ المسلمين عن أن يميلوا يمينًا أو يسارًا ، وأن يكونوا من الفرق التي أشار إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحديث السابق إشارةً صريحةً أنهم من أهل النار ، وأشار في حديث آخر إلى أنَّهم يلتقون مع الخطِّ المستقيم أحيانًا ، ولكن الشيطان يُخرجهم عن هذا الصراط المستقيم إلى الطرق الكثيرة التي تتَّصل بهذا الصراط المستقيم ، كما جاء في تفسير قوله - تبارك وتعالى - : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) ، خطَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذات يوم على الأرض خطًّا مستقيمًا ، ثم خطَّ حول هذا الخطِّ خطوطًا قصيرة على جانبيه ، وتلا هذه الآية : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ )) ، ومرَّ بيده الكريمة على هذا الخطِّ المستقيم ، هذا هو الذي أشار إليه ربُّ العالمين ؛ (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ )) أي : التي حول هذا الخطِّ ، وهي خطوط كثيرة ، (( وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) ، هذا واقع العالم الإسلامي اليوم ، فمن ... اسمًا عن اتِّباع السلف الصالح فضلًا عمَّا إذا تبرَّأ فعلًا فلا شك أنه على طريق من هذه الطرق التي لها صلة دقيقة في الخطِّ المستقيم ، ولكنه خارج عنه ، لا يمشي سويًّا على صراط مستقيم .

نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يفهمنا كتاب ربِّنا وسنَّة نبيِّنا على منهج سلفنا الصالح لنكونَ في عصمةٍ من الانحراف يمينًا أو يسارًا ، أو أن نكون من الفرق الضالة التي أوَعَدَهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنار ، ويجعلنا من الفرقة الناجية التي بسبب ذلك نرجو باتِّباعها ننجو أن نكون من النار ، أعاذَنَا الله وإيَّاكم منها .
  • رحلة النور - شريط : 71
  • توقيت الفهرسة : 00:03:48
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة