استدلال بعض أهل العلم على تحريك الأصبع في الجلسة بين السجدتين بقاعدة أصولية ؛ وهي : " أن ذكر بعض أفراد المُطلق بحكمٍ يوافق حكمَ المطلق لا يستلزم تقييده " . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
استدلال بعض أهل العلم على تحريك الأصبع في الجلسة بين السجدتين بقاعدة أصولية ؛ وهي : " أن ذكر بعض أفراد المُطلق بحكمٍ يوافق حكمَ المطلق لا يستلزم تقييده " .
A-
A=
A+
السائل : في القاعدة الأخيرة استدلَّ بعض أهل العلم على تحريك الأصبع في الجلسة بين السجدتين بقاعدة أصولية ؛ وهي : " أن ذكر بعض أفراد المُطلق بحكمٍ يوافق حكمَ المطلق لا يستلزم تقييده " ، وقالوا أن المطلق هو الأحاديث التي جاءت عامة ؛ كان إذا جلس في الصلاة فعل كذا وحرَّك ، فعل هذا وحرَّك ، هذا هو المطلق ، والمقيَّد هو كان إذا جلس للتشهد فعل هكذا ، فقالوا إذًا لا يستلزم من ذكر بعض أفراد المطلق لحكمٍ يوافق حكمَ المطلق يستلزم تقييده ، وهذه القاعدة نريد التوضيح بشأنها بعد أن عرفنا أنَّكم قد حكمتم على الزيادة الواردة في حديث أبي داود الطيالسي وغيره بأن زيادة : " ثم سجد " شاذَّة ، فإذا عرفنا من الناحية الحديثية أنها شاذَّة ؛ فكيف يُجاب عن المسألة باستخدام القاعدة الأصولية المذكورة ؟

الشيخ : القاعدة مسلَّمة لا كلام فيها ، لكن هذه لا تكون في حديث صحابي واحد اختلف فيه الرواة في روايته ، فمنهم من أطلق ومنهم من قيَّد ، فيجب ضمُّ حينئذٍ كلِّ هذه الألفاظ والروايات بعضها إلى بعض ، فنخرج بالنتيجة الأقرب إلى الصواب التي تحدث بها الراوي الواحد الذي يقول : " كان إذا جلس " ، لم يذكر للتشهد ، هو ينسبه إلى ابن عمر - مثلًا - أو إلى عبد الله بن الزبير ، والآخر الثقة الذي يقول : " إذا جلس للتشهد " هو - أيضًا - ينسبه إلى ابن عمر ، ولا نستطيع نحن أن نقول أن ابن عمر كان تارةً يقول : إذا جلس مطلقًا لِيُعطي الإطلاق ، وتارةً يقول : إذا جلس للتشهد لِيُعطي التقييد ، لا يمكن أن نتصور في راوي واحد أنه له روايتان وله مقصدان ؛ تارةً الإطلاق وهو عام وأشمل ، وتارةً التقييد وهو خاص ؛ فالقاعدة السابقة إما يمكن أن تُقال فيما إذا جاء حديثان أو نصَّان في القرآن الكريم عن الله - تبارك وتعالى - وفي قضيَّة معيَّنة حينئذٍ لا يمكن أن يُقال : لا يُحمل المطلق على المقيَّد ، أما إذا قضية مختلفة إحداهما عن الأخرى كما هو - مثلًا - أظن مذكور في كتب أصول الفقه أنُّو في بعض الآيات عتق رقبة ، في بعض الآيات الأخرى فعتق رقبة مؤمنة ، هنا لا يُقال تلك تُقيَّد بهذه ، وإنما تلك تُجرى على إطلاقها وهذه على قيدها ؛ لانفكاك المسألة إحداهما عن الأخرى ، وهنا ليست المسألة كذلك أبدًا أولًا ، وثانيًا هي تدور عن راوي واحد اختلف الرواة في ضبط هذا الحديث عنه ، فمنهم من أكمل ومنهم من لم يُكمل ، وهنا يدخل موضوع علم الحديث وزيادة الثقة مقبولة أو ليست مقبولة ؛ لأنها خالفت روايات الثقات ؛ لهذا لا يصح أن نقول بأن هذا الإطلاق يُعمل على إطلاقه وذاك على قَيده ؛ لأن الموضوع مُوحَّد والراوي - أيضًا - واحد ، هذا ما عندي في هذه المسألة .

ويؤيِّد ذلك أننا لا نجد في كلِّ الروايات أن أحدًا من السلف فَهِمَ هذا التفصيل الذي هو على غير بابه ؛ أي : يُعمل بالمطلق ويُعمل بالمقيد ، المطلق يجيز - مثلًا - التحريك بين السجدتين ؛ لأنه قال : " إذا جلس " ، من الذي كان يرفع أصبعه في الجلسة بين السجدتين من السلف ؟ لا أحد ، إنما نتتبَّع بعض الأحاديث التي شذَّ فيها الراوي وأخطأ يقينًا ، وذلك لا يتبيَّن إلا بعد جمع الطرق وضمِّها بعضها إلى بعض ، حينئذٍ سيخرج الباحث بنتيجة لا يشك فيها إطلاقًا أنها قضية واحدة ، من هنا يقول ابن القيم - رحمه الله - في بعض الأمثلة ؛ يقول - مثلًا - في صفة صلاة الخوف : قد جاء فيها نحو 15 نوعًا ، صلاة الخوف ، صلاة الحرب ، صلاة ... ، ثم يقول : يُستصفي من هذه الروايات نحو سبعة أنواع فقط ؛ ليه ؟ لأنه يشوف الراوي الواحد تختلف عنه الروايات ، بعضهم يزيد ، بعضهم ينقص ؛ فهو يجمع بين هذه الروايات ويجعلها نوعًا واحدًا ، بينما غيره كلما رأى خلافًا على صحابي في صفة من هذه الصفات يجعلها هيئةً مستقلة ، هذا ما ليس من دقيق هذا العلم ؛ علم الحديث النبوي الشريف .
  • رحلة النور - شريط : 45
  • توقيت الفهرسة : 00:26:18
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة