أرناؤوط سوريا.. اندماج في المجتمع لم يمحُ الانتماء لألبانيا - بوابة تراث الإمام الألباني
أرناؤوط سوريا.. اندماج في المجتمع لم يمحُ الانتماء لألبانيا
حجم الخط
A-
A=
A+

أرناؤوط سوريا.. اندماج في المجتمع لم يمحُ الانتماء لألبانيا

موفع: عنب بلدي – زينب مصري



عائلة ألبانية "أصلية" في بداية القرن الـ20 في ألبانيا (الأرناؤوط من البلقان إلى الشام)


هربًا من حرب كانت قائمة مع الصرب، قدم والد جده إلى سوريا، واستقر بها، وعلى الرغم من عدم معرفته بلغته الأم كونه من الجيل الثالث للعائلة الذي ولد في دمشق لأصول ألبانية، لا يزال أيمن داوود مرتبطًا ببلده ألبانيا، معبرًا عن ذلك باختيارها، عبر معرفاته الشخصية على الإنترنت، كـ(مسقط رأسه).
أشعر بالانتماء إلى سوريا وألبانيا على حد سواء”، قال أيمن لعنب بلدي، وعزا الشاب العشريني ذلك الشعور، لكونه نتاج عرقين مختلطين، فأمه سورية وأبوه ألباني الأصل.
والجمهورية الألبانية هي إحدى دول إقليم البلقان الواقع في جنوب شرقي أوروبا، يحدها من الشمال الغربي الجبل الأسود، وكوسوفو من الشمال الشرقي، وجمهورية مقدونيا من الشرق، واليونان من الجنوب والجنوب الشرقي.
وتطلق تسمية (أرناؤوط) أو (أرناؤود) على سكان ألبانيا، وخلال الحكم العثماني للبلاد العربية، هاجر كثير من أبناء هذه القومية إلى الولايات التركية واستوطنوا فيها، وحافظ بعض منهم على لقبه الأرناؤوطي، لذلك يُعرفون في سوريا من ألقابهم.

عادات مميزة معدودة
اندمجت عائلة أيمن مع المجتمع السوري بشكل كبير، ولم تحافظ العائلة إلا على القليل من العادات الألبانية، وذلك لأن عادات الألبان في الأصل “عادات إسلامية” لا تختلف بجوهرها عن عادات السوريين، بحسب ما قاله أيمن لعنب بلدي.
تتكلم جدة أيمن اللغة الألبانية بطلاقة، على خلاف جده الذي يتلكم اللغة لكن لا يتقنها بشكل ممتاز، ثم توقف تعلم اللغة الألبانية في العائلة عند الجدين، لفشل محاولاتهم في نقلها للأحفاد، وغياب محاولاتهم لتعلمها.
وأشار أيمن إلى أن جدته لا تزال تحافظ على بعض العادات الألبانية، كصنع أنواع من الوجبات في التجمعات العائلية، وأبرزها وجبة “البيتة”، التي تتكون من 14 طبقة من رقائق العجين، تُمد بالصينية وتُحشى باللحم أو الجبن أو البيض، بالإضافة إلى “السبيسا” التي تتكون من اللبن والثوم والفليفلة المقلية.
ولا تختلف تلك العادات كثيرًا عند عائلة محمد أرناؤوط، ألباني الأصل، المولود في العاصمة السورية دمشق.
محمد، أحد أفراد الجيل الثالث للعائلة ذات الأصول الألبانية، قال لعنب بلدي إن والد جده أتى إلى سوريا، بعدما كان من المقرر أن تكون هجرته من ألبانيا باتجاه تركيا، لكن تحكمت “النزعة الدينية” باختيار وجهة المهجر، على اعتبار وصفهم لدمشق آنذاك بـ”شام شريف”.
وتنتسب عائلة محمد إلى مجموعة مهاجرة استقر قسم منها في مدينة حلب، وفي حارة (الأرناؤوط) بمنطقة القدم، ومنطقتي الديوانية والمهاجرين في العاصمة دمشق.
(للأسف، لا نتكلم اللغة الألبانية في منازلنا، وشخصيًا لا أعرف من اللغة سوى كلمتين)، بحسب محمد، الذي أكد أن اللغة تندثر جيلًا بعد جيل، إلا أن اندثار اللغة لا يخفي تصور الألبان في سوريا، الموجود عند أغلبيتهم، بالعودة إلى بلدهم الأم، إذ أردف محمد ،(إلى الآن يوجد لدينا انتماء وشوق إلى كوسوفو)،
وبحسب الشاب، لا مشكلة لدى الألبان السوريين بالزواج من خارج عوائلهم وخارج أصولهم، بدليل أن والدته دمشقية، كما أن العادات أصبحت واحدة بحكم العيش بمجتمع واحد.



مهنة إصلاح الساعات
يشتهر الألبان في دمشق بالعمل في مهنة إصلاح الساعات، بحسب محمد، حتى إن وكيل ساعات (كاسيو) في دمشق ألباني الأصل.
وورث محمد المهنة، إلى جانب دراسته الجامعية، عن جده وعمه اللذين يعملان في هذا المجال.
ولا يوجد سبب محدد يربط هذه المهنة بالألبان السوريين، لكن يرى محمد أنها مهنة لا تتطلب محلًا كبيرًا، كما أنها مربحة ماديًا، ويمكن فتح عمل خاص بشكل سريع.


الشيخ محمد منصور آدم الأرناؤوط، أحد رجال المسكيّة في دكانه الصغير في الجهة الشمالية من دكاكين المسكيّة على بعد أمتار من الباب الغربي للجامع “الأموي )الأرناؤوط من البلقان إلى الشام)

الوصول إلى المهجر
بدأت الهجرة الألبانية إلى سوريا قبل حوالي 200 عام، في عهد إبراهيم باشا، ابن الحاكم الألباني لمصر محمد علي باشا، عندما لم يعد الجنود الألبان مع الجيش إلى مصر، واستقروا في سوريا.
وانتقلت حينها بين 100 و200 عائلة ألبانية من مصر إلى سوريا، وتعتبر المجموعة الأولى من الألبان المتمركزين في سوريا، بحسب الكاتب السوري الألباني الأصل عبد اللطيف الأرناؤوط.
وقال الكاتب خلال محاضرة في (المعهد الألباني للفكر الإسلامي والحضارة)، نقلتها إذاعة “radiokosovaelire” الألبانية، إن معظم الألبان الواصلين إلى سوريا حافظوا على اللغة والتقاليد الألبانية، ولكن هناك من (فشل) بالحفاظ على اللغة والألقاب الأصلية لاختلاطهم مع السكان الأصليين، ومع ذلك، لم ينسوا أصلهم الألباني، وهم على علم به حتى اليوم.

 


“كيليشا” نوع من أغطية الرأس التقليدية الألبانية (الأرناؤوط من البلقان إلى الشام)


أما المجموعة الثانية، بحسب الكاتب، فوصلت في أوائل القرن الـ20، بعد تقسيم ألبانيا من قبل السلطات العثمانية بين عامي 1912 و1913، ثم في عام 1931، حيث أجبر اضطهاد الصرب الأرثوذكس العديد من الألبان على الهروب من كوسوفو والأراضي الألبانية والانتقال إلى تركيا، حيث ذهب بعضهم إلى سوريا من هناك.
وفي عام 1924، ذهبت مجموعة من العائلات الألبانية من مدينة إشقودرة، شمال غربي ألبانيا، إلى دمشق.
كما فر العديد من الألبان من أراضيهم للحفاظ على دينهم وأخلاقهم، وبين عامي 1945 و1948، هربت مجموعة منهم من اضطهاد الحكم الشيوعي في ألبانيا ويوغوسلافيا، ولكن بحسب الكاتب، انتقل كثير منهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وتوجد في دمشق أحياء خاصة بالألبان موجودة منذ بداية القرن الـ20، من أبرزها حي الديوانية، حيث يوجد جامع (الأرناؤوط)، الذي شيّده وهبي سليمان جافوتشي، المنحدر من مدينة إشقودرة الألبانية، بالإضافة إلى حي القدم جنوبي العاصمة.
ومثّل الألبان أنفسهم في العديد من جوانب المجتمع، في الثقافة والأدب والاقتصاد والسياسة والجيش، ووصلت العديد من أسمائهم إلى القمة في مختلف مجالات الحياة، بحسب ما نقله موقع إذاعة ”radioislame“.


جامع “الأرناؤوط” في حي الديوانية بدمشق