هجرته من دمشق إلى عمَّان ثم دمشق ثم بيروت ثم الإمارات ثم عمَّان - بوابة تراث الإمام الألباني
هجرته من دمشق إلى عمَّان ثم دمشق ثم بيروت ثم الإمارات ثم عمَّان
حجم الخط
A-
A=
A+

قال الإمام الألباني -رحمه الله- مُتحدِّثًا عن نَفْسِه-: «أمَّا بعد فإنَّ الله -تبارك وتعالى- قد جعل بحكمته لكل شيء سببًا، ولكل أمر سمى أجلًا، وقدر كل شيء تقديرًا حسنًا، وكان من ذلك أنني هاجرت بنفسي وأهلي من دمشق إلى عمَّان في أول شهر رمضان سنة (1400هـ) فبادرت إلى بناء دار لي فيها، آوي إليها ما دمت حيًّا، فيسر الله لي ذلك بمنه وفضله، وسكنتها بعد كثير من التعب والمرض، أصابني من جراء ما بذلت من جهد في البناء والتأسيس، ولا زلت أشكو منه شيئًا قليلًا، والحمد لله على كل حال، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ولقد كان أمرًا طبيعيًّا أن يصرفني ذلك عما كنت اعتدته في دمشق من الانكباب على العلم دراسة وتدريسًا وتأليفًا وتحقيقًا، لا سيما مكتبتي الخاصة التي لا تزال في دمشق؛ إذ لم أتمكن من ترحيلها إلى عمَّان لصعوبات وعراقيل معروفة، فكنت أعلل نفسي كل يوم وأمنِّيها بأنَّ المياه عما قريب ستعود إلى مجاريها، ولكن الرياح كثيرًا ما تجري بخلاف ما يشتهي الملاح، فإنه ما كاد بعض إخواننا في الأردن يشعرون بأني استقررت في الدار حتى بدأوا يطلبون مني أن أستأنف إلقاء الدروس التي كنت ألقيها عليهم في السنين الماضية قبل هجرتي إلى عمان حيث كنت أسافر في كل شهر أو شهرين فألقي عليهم درسًا أو درسين في كل سفرة، وألحُّوا عليَّ في الطلب، وعلى الرغم مِن أنني ما كنت عازمًا على شيء من الإلقاء؛ لأوفر ما بقي لي من نشاط وعمر لإتمام بعض مشاريعي العلمية وما أكثرها، رأيت أنه لا بد من أن أحقق طلبَهم ورغبتهم الطيبة، فوعدتهم خيرًا وأعلنت لهم أنني سألقي عليهم درسًا كل يوم خميس بعد صلاة المغرب في دار أحد إخواننا الطيبين هناك قريبًا من داري.

وتحقق ذلك بإذن الله -تعالى- فألقيت الدرس الأول ثم الثاني من كتاب «رياض الصالحين» للإمام النووي بتحقيقي، وأجبتهم بعد الدرس عن بعض أسئلتهم الكثيرة المتوفرة لديهم، والتي تدل على تعطشهم ورغبتهم البالغة في العلم ومعرفة السنة.

وبينما أنا أستعد لإلقاء الدرس الثالث إذ بي أفاجأ بما يضطرني اضطرارًا لا خيار لي فيه مطلقًا للرجوع إلى دمشق حيث لم يبق لي فيها سكن، وذلك أصيل نهار الأربعاء في 19 شوال (1401هـ)، فوصلتها ليلًا وفي حالة كئيبة جدًّا، وأنا أضرع إلى الله -تعالى- أن يصرف عني شر القضاء وكيد الأعداء. فلبثت فيها ليلتين. وفي الثالثة سافرت بعد الاستشارة والاستخارة إلى بيروت مع كثير من الحذر والخوف؛ لما هو معروف من كثرة الفتن والهرج والمرج القائم فيها. وكان الوصول إلى بيروت في الثلث الأول من الليل، قاصدًا دار أخ لي قديم وصديق وفيٍّ حميم فاستقبلني بلطفه وأدبه وكرمه المعروف، وأنزلني عنده ضيفًا معززًا مكرمًا، جزاه الله خيرًا». ثم غادر الإمام -رحمه الله- بيروت إلى الإمارات والكويت، وقطر التي أقام في كُلٍّ منها مدة -مُعلِّمًا ومُفيدًا-، ثم استقر به المقام في الديار المباركة عمَّان البلقاء.