أنا مدين لهذا الرجل بكثير من الخير والفهم الذي منَّ الله به، لقد عشت معه متفرغا لكتبه وأشرطته ثلاث سنوات، فرأيت عجبا من العجب والله...
رجل قل نظيره في الذكاء والجلد والترتيب العقلي، وكتبه خير شاهد على ذاك...
آتاه الله ملكة في المحاججة لم أر مثلها لمعاصر ولا حتى قريبا منها، فلو رأيته يناظر شخصا مهما بلغت درجته في العلم فوالله لتشفقن عليه كأنما هو أسد يبتلع فريسته، طلق اللسان، صاحب همة قل نظيرها والله، ولقد منَّ الله عليه بمؤلفات بها من الدقة والإتقان والسعة ما تعجز عنه مؤسسة كاملة بها عشرات الرجال ذوو المكنة العلمية والأدوات المكتملة، فسبحان من خلق مثله في زماننا!
الشيخ ناصر الألباني شئت أم أبيت أستاذ من أساتذة الجيل الذين امتد تأثيرهم عبر المحب والمخالف، رجل صاحب مهابة علمية وسطوة وأداة قل نظيرها...
وكان لدراستي له في الماجيستير قصة دعني أرويها لك: فلقد تقدمت ببضع خطط لقسم الفلسفة الإسلامية بدار العلوم فكانت ترفض كلها، فراودتني دراسة عن أبي الأعلى المودودي فرأيت فيما يرى النائم الشيخين الجليلين أبا الحسن الندوي والشيخ ناصر الألباني ينامان على سريرين متقابلين، فاستبشرت جدا، وانقدح في نفسي أن أوقظهما لأتعلم منهما أشياء وأسألهما عن بعض ما كتباه، وهرولت فأيقظت الشيخ الألباني وقبلت يده ونظرت إليه فإذا وجهه والله يتهلل نورا صافيا مريحا، ثم انطلقت إلى الشيخ أبي الحسن فأيقظته كذلك وصنعت معه صنيع الشيخ فرأيت في وجهه ما رأيت في وجه الشيخ ناصر من النور والبهاء...
فقمت واستخرت الله سبحانه في دراسة حول أبواب الفكر والمعتقد عند الشيخ ناصر وأعددت الخطة، وحصل شد وجذب شديدان بين أساتذتي في القسم بين موافق ورافض بعنف، فما كان من أستاذنا د الجليند إلا أن دافع عن الخطة وراح يبين أهمية مثل هذه الدراسة، ونحن شئنا أم أبينا فالرجل صاحب جهد وتراث ولابد أن يدرس، ولو رفضه القسم لدرس في مكان آخر فما كان إلا أن وافقوا بالكاد بفضل الله ورحمته.....
فكانت فرصة وأنا قديم التعلق بالشيخ والشيخ ابن عثيمين على وجه الخصوص، فما تركت ورقة وقعت في يدي للشيخ ولا شريطا إلا وسمعته، وكثير منها قد مررت به قبل تلك الدراسة....
وفي اليوم الذي انتهيت فيه من البحث رأيت الشيخ في مسجد كبير في غرفة كأنها غرفة الإمام فطرقت عليه وسلمت وقبلت يده فربت على كتفي وأخذ يكرر: جزاك الله خيرا جزاك الله خيرا....
نفس الشيخ الحر في الدفاع عن دينه وأمته وإخلاصه وتجرده، وخدمته لسنة النبي ودفاعه عنها وبذله مهجته في خدمتها لازال أثره غضا طريا في نفسي فجزاه الله عني وعن طلبة العلم خيرا ورفع درجته في المهديين، ورزقه الجنة بغير حساب...
وقد سجن الشيخ وطورد ولو أراد الدنيا لكان أدرى الناس بمسالكها، لكنه جعل الهم هما واحدا، وإني والله أغبطه على هذه النفس العظيمة، فنفسه أعلى من نفوس الملوك...
وما قلته ذلك لا يحتاجه الشيخ ناصر من أمثالي، ولا يؤثر في قدره وعلوه تطاول الأقزام في زمن اللئام، فهو من هو رحمه الله ورضي عنه.
وإن رغمت أنوف من أناس،،، فقل يارب لا ترغم سواها..
لقد تعاملت مع التراث العقدي والفكري الألبانيّ إن صح التعبير معاملة الباحث المحايد فاتفقت مع الشيخ كثيرا واختلفت معه، ونقدته في مواطن ولم أذب فيه بل خالفته في أشياء كثيرة، لكنه يبقى إماما كبيرا وعالما نحريرا لازلت أشعر أمام قامته بالضآلة....
وقد أخرج توفري على جهده في أبواب المنهج والعقيدة والفكر والاستنباط هذين الكتابين.. اللذين هما من أحب كتبي إلي، وآثرها عندي، وقد أنجزتهما قبل خمسة عشر عاما تقريبا، فالله أسأل أن يكونا وفيا وأن يتقبلهما مني بقبول حسن....
والحمد لله الذي لازالت نعمه تغمر عبده الضعيف المسكين القليل الحقير فضلا منه ومنة...
- محمد سرور النجار -