المَدِينَةُ المُبَارَكَةُ المُقَذَّرَة : \"دمشقُ والألبانيُّ وأنا\" مِنْ أرذلِ العاداتِ المُنتشِرةِ بينَ صفوفِ كثيرٍ من أهالي دمشقَ \"شيوخاً\" وعوامَّ روايةُ الأحاديثِ الواهيةِ والمَوضوعة (بلهَ الضّعيفةَ لكيلا يقولَ قائلٌ يجوزُ العملُ بالحديثِ الضّعيفِ في فضائلِ الأعمالِ جاهلاً بالشّروطِ الثّلاثةِ الأخرى) وتناقلُها وتطبيقُها كأنّها من كلامِ المَعصومِ نَبِيِّ الملحمةِ صلّى اللهُ عليه وسلّم! بيدَ أنْ الفعلَ الأشنعَ لهم هو مهاجمةُ مَنْ أرادَ ويُريدُ تحطيمَ هذه المَهزلةِ بنشرِ علمِ مُصطلَحِ الحديثِ وأدواتِ النّقدِ الحديثيّ لتصفيةِ السّنّةِ ممّا شابَها. كانَ رجلُ هذه المُهمّةِ الصّعبةِ الشّائكةِ بدرَ العلماءِ الزّاهر، عملاقَ الحديثِ الماهر، أعجوبةَ الزّمانِ المُعاصِر، نِحْرِيرَ الأمّةِ الباهر، العلّامةَ الإمامَ مُحمَّدَ بنَ ناصرِ الدّينِ الألبانيّ. ظهرَ هذا العميدُ القطبُ في زمنٍ اندرسَ فيه علمُ نقدِ الحديثِ في غالبِ الأوطان، وأضحى تاريخاً من سالفِ الأزمان، بل حاولَ أصحابُ التّقليدِ الأعمى لجهلِهم به إغلاقَ بابِه كما فعلُوا معَ بوّابةِ الاجتهادِ الفقهيّ، فكانَ ظهورُ هذا النّبيلِ الجليلِ معَ تراثِه الّذي أوقفَ حياتَه لخطِّه انفجاراً مُدوِّياً ثقبَ أغشيةَ طبولِ المُتقوقِعين وأحدثَ بعلمِه وقلبِ الطّاولةِ الّتي أرادَ الرّويبضاتُ تركَها على حالِها - ليبقَوا مُسيطِرين على المشهدِ وعلى السُّوقَةِ - معَ إنجازاتِ لِدَاتِه النّادرين في القرنِ الأخيرِ ثورةً علميّةً نقديّةً حديثيّةً أطاحَتْ بصنمِ التّحجّرِ ووثنِ التّعصّبِ ونَصْبِ الغوغائيّة. لقد أحيا عالمُنا النّقدَ الحديثيّ وأخرجَ تراثاً تعجزُ عنه مُؤسَّساتٌ ضخمةٌ في الوقتِ الّذي نضبَ هذا العلمُ مِنْ جِلِّقَ وغيرِها، حتّى أنّ الشّيخَ \"المُحدِّث\" بدرَ الدّين الحسنيّ الدّمشقيّ (ت 1354هـ/1935م) رحمَه اللهُ يُبالَغُ في تصويرِه في بابِ الحديث، فلقد كانَ قليلَ النِّتَاجِ في نقدِه في أحسن الأحوال. حاربَ كثيرٌ من شيوخِ دمشقَ مِنَ \"المُتصوِّفةِ\" و\"المُتمشعِرةِ\" طودَنا الشّامخَ دونَ أنْ يكونَ لهم أرضيّةٌ في علمٍ لا يدرون منه إلّا رسمَه، فهاجمُوه هجومَ البَبَّغاءِ الأرعنَ ووشَوا به إلى \"البعث\" المُسيطِرِ على الحكمِ منذُ انقلاب آذار 1963م/شوّال 1382هـ ليُسجَنَ رحمَه اللهُ في سجنِ قلعةِ دمشق، وهو سجنُ شيخِ الإسلام ابن تيميّةَ عليه رضوانُ الله تعالى (وكانَ ما زالَ سجناً يومئذ) وفي الجزيرةِ الفراتيّةِ وغيرهما. هل تَرَى طفلاً ما زالَ يتعلّمُ جدولَ الضّربِ ومبادئَ الحسابِ يناقشُ برفيسوراً في الرّياضيّاتِ يجادلُه في التّفاضل والتّكامل؟! هذا حالُ \"مُتمشيخةِ\" دمشقَ معَ العلّامةِ الألبانيّ في بابِ الحديث، وهو الأمرُ الّذي لمسْتُه فيما بعد في نقاشي معَهم بعدَ سنين من وفاةِ الإمام (1420هـ/1999م). الواحدُ منهم لا يفقه مُصطلَحاتِ هذا العلم، يتعاملُ معَها لجهلِه المُدقِعِ الكاملِ بمعانيها اللّغويةِ، لا يحفظُ تعريفَ الحديثِ الصّحيح حتّى يدخلَ معك في سجالٍ عن التّضعيف والتّصحيح! لا أبالغُ إنْ قلْتُ لكم أنّ المُتعلِّمَ منهم في كلّيّةِ \"الشّريعةِ\" المُقولَبةِ أو في معهدٍ \"شرعيٍّ\" مَا الّذي مرَّ عليه علمُ المُصطلَحِ ومشتقّاتِه كمادّةٍ إجباريّةٍ درسَها ليخوضَ الامتحان، لا أبالغُ إنْ قلْتُ أنّه لا ينقهُ فيه شيئاً فقد حفظَ فقراتٍ نظريّةً يكتبُها على ورقةِ الاختبارِ دونَ تدريبٍ فعليٍّ على التّطبيقِ والتّخريج والنّقد، ليخرجَ علينا قبلَ نحوِ سنتَين دكتوراً في الشّريعة في جامعة دمشق على قناة \"ظلام الشّام\" \"البعثيّة\" \"الرّسميّة\" المَأجورةِ المُغرِضة يطعنُ بفحلِ الحديثِ الألبانيّ بأسلوبٍ طفوليّ لا علاقةَ له بنقاشِ النّتيجة! ينقمون على الشّيخِ رحمَه اللهُ تفرّدَه الرّهيبَ وانقطاعَ قرينِه في رحلتِه العلميّة وحياتِه الّتي كرّسَها وأفناها في خدمةِ حديثِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وسلّم. يجادلون السّببَ في المكانِ الّذي يجبُ أن تسلّطَ الضّوءَ على النّتيجة، ويناقشون النّتيجةَ في الموضعِ الّذي يتوجّبُ عليك أن تسبرَ السّببَ وتقطعَ رأسَه، فضلّوا بذلك وأضلّوا لتُقذَّر دمشقُ وتُدمَّرُ في العقدِ الأخير، وهم صامتون مُطأطِئين رؤوسَهم لجلّاديهم. قلّةُ بضاعتِهم في هذا العلمِ السّامي جعلَتْ أدمغتَهم خاويةً ككأسٍ فارغٍ يُملَأُ بالخبيثِ والطّيّبِ فانساقُوا وراءَ دجّالي العصرِ ومُستبدّيه، لتؤولَ دمشقُ إلى مدينةٍ مُبارَكةٍ مُدمَّرةٍ مُقذَّرة!