ما مدى صحة حديث : ( المسعِّر هو الله ) ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما مدى صحة حديث : ( المسعِّر هو الله ) ؟
A-
A=
A+
أبو مالك : ما صحة مدى يسأل عن حديث : ( المسعِّر هو الله ) ؛ يعني هل هو صحيح ؟

الشيخ : خلص السؤال ؟

السائل : هذا هو السؤال نعم .

الشيخ : نعم ، الحديث هذا صحيح ؛ أي : الأصل عدم التسعير ؛ لأن الله هو المسعِّر كما جاء في الحديث الصحيح في تمامه ، ومعنى هذا أن تكون حرية البيع والشراء قائمة على ساق وقدم ، ولا يجوز للحاكم المسلم - المسلم حقًّا - أن يتدخَّل في السوق العام ؛ ذلك لأن المجتمع الإسلامي يُقاد بنظام فيه ، ويُربَّى بنظام فيه وسيلتان اثنتان : إحداهما : تربية نابعة من قلب المؤمن ؛ فهو يتقي الله - عز وجل - ولا يخالف أحكام دينه . والتربية الأخرى : ناشئة من الحاكم المسلم الذي المفروض فيه أنه يتحسَّس أحوال المسلمين ويتطلَّع أو يتعرَّف على أحوالهم ، ثم إذا وجد فيهم انحرافًا قوَّمَهم تارةً بلسانه ، وتارةً بصوته ، وتارةً أخرى بسوطه ؛ حسب الواقع الذي هو يطَّلع عليه أوَّلًا ، ثم يرى أن المصلحة الشرعية تقتضي نوعًا من تلك الوسيلة التربية التي أشرتُ إليها آنفًا .

على هذا البيع والشراء ينبغي أن يكون مطلقًا من الحاكم ليس هناك قيد أو شرط ؛ لأن ما جاء الله به على لسان نبيِّه - صلى الله عليه وآله وسلم - من قيود وشروط هي كافية لتقويم المجتمع الإسلامي أن يمشي سويًّا على صراط مستقيم ، لا بد أن بعض هؤلاء الأفراد الذين يعيشون تحت حكم هذا الحاكم المسلم - المسلم حقًّا - قد يشذُّون ويخرجون عن الجادة وعن الصراط المستقيم ولو في بعض الأحكام ، هنا يتدخَّل الحاكم المسلم ويصدق فيه الأثر المروي عن عثمان بن عفان ، والله أعلم بصحته ؛ لأننا نعتبره حكمة : " إن الله - عز وجل - يزع - أي : يمنع ويربِّي - بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " ؛ لأن القرآن إنما يربِّي الناس المؤمنين فعلًا وحقًّا ، أما الذين في قلوبهم مرض أو زَغَل أو ضعف أو ما شابه ذلك ؛ فهذا إنما يتولَّى تربيتهم السلطان ، هذا التسعير إنما مُنِع منه شرعًا هو لأجل أن الناس ينطلقون كما قلنا بوازع من قلبهم ، مثلًا قال - عليه الصلاة والسلام - : ( لا يَبِعْ حاضر لباد ) ، ( لا يَبِعْ حاضر لباد ، دَعُوا الله يرزق بعضَهم من بعض ) ؛ أي : البيع التسعير على حسب ما يرى صاحب البضاعة ، وأنتم تعلمون أن نظام ما يسمَّى بالنظام الاقتصادي خاضع لماذا ؟ للعرض وللطلب ، ولا يجوز وضع حد سعر معيَّن لبضاعة ما ؛ لأن بضاعة عن بضاعة تختلف وحاجة عن حاجة تختلف إلى آخره .

ولكن إذا فسد مجتمع ما وخرج عن هذه الوسيلة الأولى التربية بالأحكام الشرعية ؛ خرجوا عنها ولم يعودوا يلتزمونها ؛ أي : ويحكمون بمقتضى أحكام الإسلام ؛ حينئذٍ للحاكم المسلم أن يسعِّر تسعيرًا ليس نابعًا من حكم شخص أو شخصين فقط ، وليس لهم معرفة أوَّلًا : بأحكام الإسلام ، وثانيًا : بنظام الاقتصاد في الإسلام ، وثالثًا : بواقع حاجات المجتمع الإسلامي ، وإنما ينبغي أن يكون هناك لجنة أو هيئة أو وزارة تجمع من كل الاختصاصات من أهل العلم ؛ حينئذٍ هؤلاء يدرسون الوضع فيسعِّرون أشياء ويطلقون أشياء على ما هو الأصل ، ولكن هذا لا ينبغي أن يكون نظامًا مستمرًّا كما هو الشأن في بلاد الكفر ، تسعير على طول الخط ، لماذا ؟ هنا يبدو لكم السِّرُّ في القسم الأول من التربية الإسلامية ، هم ليس عندهم أحكام شرعية يلتزمونها ، ليس عندهم وازع نفسي وقلبي هي التي توجِّهُهم الوجهة الصحيحة ؛ ولذلك صار نظامهم التسعير بطريقة مستمرَّة دائمًا وأبدًا .

الحاكم المسلم كما قلنا في بعض الأحكام السابقة في الجلسة السابقة - أيضًا - أنُّو الأصل في كذا وكذا ، لكن يجوز أحيانًا الخروج عن هذا الأصل لمصلحة ، كذلك نقول في التسعير : ( المسعِّر هو الله ) ، سبب هذا الحديث لعلي ما ذكرته آنفًا قالوا : سعِّر لنا يا رسول الله ؟ قال : ( الله المسعِّر ) . سعِّر لنا وهو الحاكم ، قال : ( المسعِّر هو الله ) ، أي : الأصل أن التسعير ينبغي أن يكون هكذا من الله - عز وجل - حسب ما يرزق العباد كثرةً وقلَّة إلى آخره .

أما الحاكم المسلم فلا يجوز أن يصير إلى التسعير إلا لظروف خاصة معيَّنة وبهيئة علمية تجمع ذَوِي الاختصاصات المختلفة .

نعم .

السائل : وأظن عليه - شيخنا - يُشرع أن يُسمَّى عبد المسعِّر .

الشيخ : إي ، نعم ، نعم بالنسبة للاسم .

نعم . ( إن الله هو المسعِّر ) .

السائل : إنسان أي إنسان يريد أن يسعِّر - مثلًا - أي شيء سعَّرته الدولة قد يصيبه ضرر ؛ يعني مثل سعر ... يصير عشرة ... إحدى عشر ؛ لأن الربح فيها قليل ... بإحدى عشر ، منشان ... التموين قد يُقال ؟

أبو مالك : هذا ؛ لا ، هذا سؤاله كويس شيخنا .

... ما بيوفي معه على رأيه يعني ، فيبيع السلعة هذه بدينار وخمسة قروش - مثلًا - ، فطبعًا لا شك أن هذا الخروج والمخالفة على التسعيرة لا شك أنه يُعرِّضه للمسؤولية ، مسؤولية العقوبة ، والعقوبة هنا تكون عقوبة صارمة أحيانًا قد لا يعوِّض ما يدفعه لهذه المخالفة أو بسبب المخالفة من سَنَة من بيع هذه السلعة !

الشيخ : ... نحن .

السائل : السلام عليكم .

الشيخ : وعليكم السلام .

أبو مالك : لذلك شيخنا هذا الـ ، إي نعم .

الشيخ : نعم ، معروف - بارك الله فيك - هذا سؤال مهم ، لكن أنا قصدت أنُّو يرفع صوته شوية منشان المسجِّلة تسمع معي !! [ الجميع يضحك ! ] .

السائل : شيخي ... .

الشيخ : أنا أقول : التسعير الذي يجب اتِّباعه عرفتم شرطه ولا أعيده ، ولكن كما قلت بالنسبة للحاكم أنَّ عليه أن يراعي مصلحة الشعب الذي يحكمه ؛ كذلك أقول بالنسبة للمحكوم عليه - أيضًا - أن يراعي مصلحة نفسه ، فإن كانت مصلحة نفسه تستوجب عليه أن لا يبيع بسعر التسعيرة الحكومية فله ذلك ، لكن ينبغي أن يكون كذاك الحاكم ؛ أي : هو لا يخرج عن النَّصِّ : ( إن الله هو المسعِّر ) إلا لمصلحة .

آ ، هذه المصلحة يراعي فيها مصلحة الشعب ، الآن هذا الفرد من أفراد الشعب يرى كما جاء في السؤال السابق أنه إذا باع بثمن التسعيرة هو يتضرَّر ، يا ترى هو صادق في هذا القول ؟ إن كان صادقًا فأقول - أيضًا - : يراعي هو مصلحته ، لكن تُرى هل مصلحته بأن يبيع بأكثر من التسعيرة دفعًا للضرر الناشئ من التزامه للتسعيرة أم المصلحة تكون بأن لا يقع في تلك العقوبة ؟

هنا بقى هون ينبغي أن يسادد وأن يقارب ؛ هذا إذا كان صادقًا في قوله ، وقد يكون الأمر ليس كذلك ؛ أي : مثلًا إنه هو يربح في كيلو من بضاعة كذا - مثلًا - يربح حسب بيعه الحر عشرة ، عشر قروش يعني أو عشر دنانير هذا مش مهم في الموضوع ، لكن الدولة سعَّرت أني أربح دينار أو قرش مثلًا ؛ فهو إذًا يربح في هذا مش يخسر ، لكن هو يعتبر عدم ربحه العشرة مقابل خمسة يعتبرها خسارة ، وبيقول : أنا ما بيناسبني هالتسعيرة ؛ لأنُّو بيلحقني ضرر ، ما هو الضرر هنا ؟ ليس الخسارة ، وإنما خسارة شيء من الربح ... بأيِّ بائع وبأيِّ تاجر أن يبيع ولو ما كان هناك تسعير جبري أن يبيع بسعر أقل ؛ لأنُّو هذا نابع من القناعة ، قناعة في الربح ، " والقناعة كنز لا تفنى " كما جاء في الحديث الضعيف سنده والمعقول معناه ومتنه ؛ إذًا أعطيتك الجواب إن شاء الله .

السائل : ... .

سائل آخر : ارفع صوتك .

السائل : في أيِّ كتاب موجود ؟

الشيخ : أنو هذه ؟

السائل : ( المسعِّر هو الله ) .

الشيخ : موجود في " سنن أبي داود " و " مسند الإمام أحمد " وغيره ، والشَّيخ هنا بيقول - أيضًا - : والترمذي ، لكن ... في قوله الله أعلم [ الجميع يضحك ! ] .

أبو مالك : هذه بتذكِّرني شيخنا ، هذه بتذكرني يعني نكتة وائل ، وائل أبو أيوب ، تذكِّرني بجماعة كانوا يؤلفون كتب مدرسية ، وكلهم يُشار إليهم بالبنان ، فكانوا مجتمعين يومًا ، فاختلفوا في حديث ، أو ما اختلفوا وجدوا حديث طبعًا هم ليسوا من أهل الحديث ولا من أهل هذه الصنعة ، فصار كل واحد يضرب بسهم ، ففلان يقول : هذا البخاري ، هذا مسلم ، هذا كذا ؛ فقالوا : بدل هذا كله يا أخي يا فلان أنت شوف تولى تخريج هذا الحديث ، وجيب لنا إياه ، وإذا بكبيرهم الذي علَّمَهم السحر يقول لهم : يا أخي ، وليش التعب ؟ خلاص اكتب : سنن ابن ماجه ، اكتب : رواه ابن ماجه .

الشيخ : رواه مسلم .

أبو مالك : إي نعم ، رواه ابن ماجه .

سائل آخر : وأحد راح يدوِّر ؟

أبو مالك : إي نعم ، فلذلك هذا بيذكِّرني والله أعلم .

مواضيع متعلقة