ما قولكم فيمَن يقول : إن التحفُّظ من الجهاد في البوسنة والهرسك هو الجبن ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما قولكم فيمَن يقول : إن التحفُّظ من الجهاد في البوسنة والهرسك هو الجبن ؟
A-
A=
A+
الحلبي : تكميل لهذا الموضوع ، جرى سؤال أو مباحثة بيني وبين بعض الإخوة حول موضوع البوسنة والهرسك ، اتصل بي هاتفيًّا وقال لي : ما هو رأي الشَّيخ ناصر في هذه الكائنة التي أصابت بعض إخواننا المسلمين في بعض البلاد ؟ هل يعني يذهب الشباب المسلم هناك ليجاهدوا وما شابه ذلك ؟ فقلت له : الشَّيخ يقول بأن هذه المسألة لا يستطيع مجرَّد الشباب الأفراد ولو كانوا بضع مئات بل بضع ألوف أن يذهبوا إلى هذا المذهب أو إلى تلك البلاد ، وإنما الأمر بحاجة إلى يعني استعداد كبير وإعداد وما شابه ذلك ؛ تلخيص لفتيا شيخنا في هذا الباب . ثم قلت له : نرجو الله - عز وجل - أن لا يدفعنا حماسنا وعاطفتنا إلى التهوُّر ؛ فبالتالي تصبح عندنا أفغانستان ثانية . فقال كلمة أريد - شيخنا - أن تعلِّقوا عليها يعني كفائدة قال : لكن - أيضًا - لا نريد أن نكون جبناء .

الشيخ : ما شاء الله !

الحلبي : نعم .

الشيخ : ما شاء الله !

الحلبي : فحبَّذا - شيخنا - لو تكلَّمتم يعني بشيء يسير حول هذا ، وبارك الله فيكم ؟

الشيخ : الله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

ما كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يومًا ما جبناء ، ولكن مع ذلك ما كانوا أصحاب حماقة ورعونة ، فما كانوا لِيُلقوا بأنفسهم إلى التهلكة قبل أن يعدُّوا العدَّة قبل كل شيء ، وهذا أسهل شيء وأسهل جهاد وهو الهجرة من بلاد إلى بلاد أخرى ؛ من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ، ونحن نرى الآن كثيرًا من الشباب المسلم وقد يكون فيهم مَن يقول كما نقلت عن صاحبك : لا نريد أن نكون جبناء ؛ ومع ذلك فنجدهم لِجُبنهم لا يستقرُّون في بلدهم ؛ لأنهم يتعرَّضون لبعض المضايقات من بعض الجهات الرسمية ، فلا يصبرون على ذلك وينهزمون ويسوِّغون بانهزامهم الاستيطان لبلاد الكفر التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأحاديث كثيرة عن السكن في بلاد الكفر ؛ كمثل قوله - عليه السلام - - ولا أطيل في هذه المسألة الكلام - : ( مَن جامَعَ المشرك فهو مثله ) ، ( مَن جامَعَ ) أي : مَن خالط المشرك وساكَنَه فهو مثله في الضلال ، وهذا أمر ملموس لمس اليد ؛ أن المسلمين الذين يسافرون - ولا أقول : يهاجرون - من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر ؛ لأن الهجرة إنما تكون على العكس من ذلك ؛ تكون من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام . فنحن نجد كثيرًا من الشباب ليس عندهم من الشجاعة الأدبية أن يتحمَّلوا شيئًا من الأذى الذي تحمَّل القسم الأكبر الذي لا نتصوَّره اليوم الرعيل الأول أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ولكن لما نزل الإذن لهم بِمُقاتلة الكفار والمشركين كانوا عند حسن نظر الناس جميعًا ؛ سواء كانوا من المسلمين أو الكفار ، وما العهد عنكم في قصة ثبات أهل بدر وهم نحو ثلاث مئة مقاتل أمام ألف من الرجال ، وعدَّتهم وعددهم أضعاف مضاعفة عليهم ، ولذلك فنحن ننصح هؤلاء الشباب أن يتذكَّروا معي قول القائل :

" الرأي قبل شجاعة الشُّجعانِ *** هو الأوَّل وهي المحلُّ الثاني "

فلا نريد باسم الشجاعة أن نورِّط أنفسنا وأن نهلكها قبل اتِّخاذ الوسائل التي تُجيز لنا بعدها أن نجعل دمنا رخيصًا في سبيل الله - تبارك وتعالى - ، هذا ما أقوله لمثل هذا الشاب المتحمِّس ، وأنا أقول له وأنا أجهله ؛ قل له على لساني : اذهَبْ وأظهر شجاعتك في تلك البلاد . فماذا سيفعل المسكين ؟ سيُلقي بنفسه في التهلكة ولا شك .

أنا أذكر جيِّدًا أن قوله - تبارك وتعالى - : (( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )) هي عكس ما نحن نستأنس بها ونقتبس منها الآن ، لكن الحقيقة أن " العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السَّبب " ، الآية نزلت بعد أن نَصَرَ الله - عز وجل - عبادَه المؤمنين من الأنصار والمهاجرين ، وكان الأنصار كما تعلمون أصحاب أرض وزرع وضرع ؛ ولذلك ركنوا إلى هذا ولم ينشطوا للجهاد في سبيل الله يومئذٍ ، وبعد أن نصر الله - عز وجل - هؤلاء المسلمين صار الجهاد فرضًا كفائيًّا ؛ أي : لنقل الدعوة من مكان إسلامي إلى مكان آخر ليس إسلاميًّا ، وهنا تختلف استعدادات الناس للقيام بالفروض الكفائية ؛ فمنهم مَن يقنع على مذهب ذلك البدوي أو الأعرابي أو النَّجدي الذي سأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عمَّا فرض الله عليه في كل يوم وليلة فقال : ( خمس صلوات في كل يوم وليلة ) . قال " هل عليَّ غيرهنَّ ؟ " . قال : ( لا ، إلا أن تطَّوَّع ) . فقال الرجل بكلِّ إخلاص : " والله يا رسول الله لا أزيد عليهنَّ ... " .

مواضيع متعلقة