تنبيه الشيخ على خطأ بعض الحجاج والمعتمرين في كشف المنكب الأيمن من ساعة الإحرام إلى نهاية النسك ، مع بيان حكم صلاتهم على تلك الحال . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
تنبيه الشيخ على خطأ بعض الحجاج والمعتمرين في كشف المنكب الأيمن من ساعة الإحرام إلى نهاية النسك ، مع بيان حكم صلاتهم على تلك الحال .
A-
A=
A+
أما بعد : أريد أن أتم بحثاً أشرت إليه حينما قمنا إلى الصلاة وهو أننا نرى كثيراً من الحجاج قبل دخولهم مكة وبعد انتهائهم من الطواف والسعي نراهم ينطلقون وهم كاشفون عن مناكبهم - المناكب اليمنى - ولعلكم تعرفون أن من السنة ... حولها، أن يكشف عن منكبه الأيمن إلى آخر الشوط السابع كما هو الراجح، ثم بعد ذلك يعود في إزاره أو ردائه بالأصح إذا ما كان عليه قبل البدء بالطواف، أي لابد من أن يغطي منكبه الذي كشف عنه من أجل الطواف. لكن أكثر الناس كما قال رب العالمين: (( لا يعلمون )) ، فتراهم من ساعة الإحرام من الميقات يكشفون عن مناكبهم ويستمرون هكذا إلى ما شاء الله, هذا أولاً خلاف السنة, وما كان من العبادات خلاف السنه فيجب أن لا يستهين المسلم بها، وألا يظن أن أمرها سهلٌ بل إن أمرها أنها ضلالة بصريح قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلاله في النار ) ، وكما قال بعض الصحابة وبخاصة منهم حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه: " كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تعبدوها فلا تتعبدوها " ، كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تتقربوا بها إلى الله تبارك وتعالى، لأن العبادات التي تقربنا إلى الله زلفى إنما هي التي جاءتنا من طريق نبينا صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن العبادة إنما تكون عبادة بالتوقيف منه عليه الصلاة والسلام لنا وليس بآرائنا وأهوائنا. فلقد عرف سلفنا الصالح هذه الحقيقة التي عمي عنها جماهير الخلف رغم كثرة الأحاديث التي جاءت منبهة على أن كل عبادة لم يأت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهى ضلالة كما جاء في صحيح مسلم: ( كل بدعة ضلالة ) ؛ زاد النسائي: ( وكل ضلالة في النار ) ، ولذلك لا ينبغي الاستهانة بالإتيان ببعض المحدثات من الأمور بدعوى أنها تقربنا إلى الله زلفى, وإذا كان من الحق قول أهل العلم -لسان الحال أنطق من لسان المقال- فنحن نقرأ من حال هؤلاء الحجاج الذين يقضون أياما كثيرة وهم كاشفون عن مناكبهم، ويتحملون ضرر الحر والقر، ما يكون ذلك إلا بزعمهم أنها عبادة، فكيف تكون عبادة! ولم يشرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه إلا في ذلك المكان الذي ذكرته آنفاً فهو أثناء الطواف هذا شيء.
وشيءٌ ثانٍ وهو أخطر أن هؤلاء الناس الذين يتقربون إلى الله - عز وجل - بالكشف عن مناكبهم طيلة أيام الحج على الرغم ما ذكرنا أنهم ابتدعوا شيئا ما أنزل الله به من سلطان فإنهم يقعون في مخالفة خطيرة، حينما نراهم يقومون إلى الصلاة في المسجد الحرام أو في غيره من المساجد أو في منى أو في غيرها من المناسك، يقومون يصلون وهم كاشفون عن مناكبهم حينئذ يقعون في مخالفة أخرى, المخالفة الأولى: مخالفتهم لأحاديث النهي عن البدعة وأن كل بدعة ضلالة، فهم يخالفون مبدءا شرعياً عامًا، أما المخالفة الثانية فإنهم يخالفون حديثا خاصا في الصلاة حيث قال عليه الصلاة والسلام : ( لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء ) هذا الحديث حديث هام جداً, أولا من حيث روايته فإنه حديث صحيح في البخاري, وثانياً من حيث درايته ودلالته ذلك أنه يدل على بطلان صلاة من يصلي مكشوف المنكب أو مكشوف المنكبين معاً, وبالأولى والأحرى مكشوف القسم الأعلى من البدن . نحن الآن بين ظهرانينا بعض إخواننا الذين يكشفون عن القسم الأعلى من بدنهم, لا بأس في ذلك أو من ذلك عليهم لأنهم يتبردون, ولكن عليهم أن ينتبهوا أنه إذا أقيمت الصلاة فلابد لهم من أن يرتدوا هذا الثوب, وأن يلقوه على أكتافهم لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ( من كان له إزار ورداء فليتزر وليرتدِ فإن الله أحق أن يُتزين له ) , قوله تعالى (( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ )) ؛ هذه الآية الكريمة وإن كان أصل نزولها؛ أو سبب نزولها أن العرب في الجاهلية كانوا يطوفون حول الكعبة عراةً نساءً ورجالا, وهذا من جاهليتهم. ولما جاء الإسلام أنزل الله - عز وجل - هذه الآية تأديباً وتعليماً لهم, فقال: (( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ )) ؛ المقصود من الزينةِ في هذا الحديث مراعاة لسبب النزول هو ستر العورة, العورة التي لا تصح الصلاة باتفاق المذاهب الأربعة إذا كان كاشفا لها، ولكن هناك في مذهب الإمام أحمد عورة خاصة بالصلاة, وهي القسم الأعلى من البدن, لا يجوز للمصلي وهو يجد ثوبا يستر به بدنه الأعلى، لا يجوز له أن يصلي وهو كاشف عن بدنه الأعلى، لماذا؟ .. للحديث السابق في البخاري: ( لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه من شيء ) وللحديث الآخر, ذكرته آنفاً وهو في سنن أبي داود من حديث بن عمر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من كان له إزار ورداء فليتزر وليرتد فإن الله أحق أن يُتزين له ) . نأخذ من هذا الحديث والذى قبله أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد وسَّع في دلالة قوله تعالى: (( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ )) ، لأن سبب النزول يحصر دلالة الآية على ستر العورة لأنهم كما ذكرنا كانوا يطوفون عراة، حتى النساء, حتى قالت إحداهن إذا طافت هكذا عارية, تقول معتذرة, وما أقبحه من اعتذار, -ولكن ليس بعد الكفر ذنب- كما يقال, كانت تقول وهي تطوف عارية :
" اليوم يبدو بعضه أو كله **** فما بدا منه فلا أحله "
هذا خطاب لمن ؟؛ لأهل الجاهلية. هل عذرهم صحيح؟ هذا من تسويل الشيطان لبني الإنسان الذي لا يحتمي بحمى الرحمن بشريعة الإسلام، لقد زين لهم الشيطان تقبيح الطواف بالثياب وقال لهم ونقله بعضهم إلى بعض -نحن لا نطوف بثياب عصينا الله فيها- هكذا زين لهم الشيطان، ولكنهم يطوفون بقلوب عصوا الله فيها وذلك أقبح وأقبح ... فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية بخصوص هذا الطواف مكشوف العورة: (( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ )) ، فوسَّع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دِلالة الآية فأدخل فيها كل زينة مشروعة فقال ( ليصلِّ أحدكم في ثوبيه، في ردائه، وفي إزاره ) ، وعلل ذلك بقوله عليه السلام: ( بأن الله أحق أن يُتزين له ) . لا ينبغي إذن أن يتساهل المصلون إذا قاموا إلى الصلاة في الأيام العادية ... لا ينبغي للمصلين أن يدخلوا في صلاتهم بثياب البذلة, بثياب بيتهم -وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... - وإنما عليهم أن يحققوا أولاً نص الحديث، وثانياً تعليله: النص: ( من كان إزار ورداء فليتزر وليرتد ) التعليل: ( فإن الله أحق أن يتزين له ) . الشاهد إن من قواعد الشريعة أن ما أدى إلى واجب فهو واجب؛ وما أدى إلى محرم فهو محرم. فكشف الحُجاج عن مناكبهم أولاً فيه المحظور الأول التقرب إلى الله بما لم يشرعه الله, والشيء الثاني أنهم يعرضون صلاتهم للبطلان لمخالفتهم لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء ) ، ولابد أن بعض طلاب العلم أن يستشكلوا مثل هذا الحديث، وقد قرأ ذات يوم، أو سمع حديث الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال: ( يا رسول الله؛ أيصلى أحدنا في ثوب واحد؟ ) قال: ( أو كلكم يجد ثوبين؟ ) . قد يتعارض هذا الحديث مع حديث: ( لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء ) ، يتعارض في ذهن بعض الناس وأشكل من هذا الحديث, حديث جابر بن عبد الله الأنصاري حينما رآه رجل يصلي وليس على عاتقيه ثوب, وإنما رآه يصلي مؤتزراً، فسأله عن ذلك كيف تصلي بثوب واحد وثوبك الآخر معلق على المشجب - والمشجب هي العمود الذي تعلق عليه الثياب الذى يسمونه في لغة العصر الحاضر الحويني : الشماعة
الشيخ : الشماعة , أحسن من الشماعة المشجب, هو الآلة التي تعلق عليها الثياب، استنكر أحد الحاضرين على جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما, أنه يصلي في ثوب واحد وثوبه الآخر معلق على المشجب, فقال " ذلك ليراني أحمق مثلك فيظن أن الصلاة لا تصح إلا بالثوبين " . هذا بلا شك أشكل من حديث أبى هريرة: ( أو كلكم يجد ثوبين ) وهنا لابد بإخبارنا من طلاب العلم أن يتذكروا معنا طريق العلماء في التوفيق بين الأحاديث التي يبدو التعارض بينها ولو في بادئ الرأي .أولاً: وهو الأهم حديث جابر: إن جابرا t لا شك أن صنيعه يدل على صحة صلاة من يصلي مكشوف القسم الأعلى من البدن، ولكن هل لفعل هذا الصحابي من القوة ما يمكن أن يعارض دِلالة الحديث المرفوع والصحيح ثبوتا، والصريح دلالة؟, الجواب لا.. باتفاق العلماء، ولذلك قيل: " إذا ورد الأثر بطل النظر, وإذا جاء نهر الله بَطل نهر مَعقل " وقال علماء الأصول: " لا اجتهاد في مورد نص " ، وهاهنا رأي لصاحبي جليل وحديث صريح يخالف رأي أو فعل ذلك الصحابي وحينئذ لابد من الرجوع إلى من أمرنا بالرجوع إليه حين التنازع كما قال الله - عز وجل - (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )) . لذلك كان مذهب إمام السنة وأعلم الأئمة الأربعة بالسنة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله -, كان من مذهبه العمل بالحديث الأول: ( لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء ) ، ذلك لثبوت الحديث أولاً، ودلالته الصريحة ثانيا. هذه الدلالة التي لا تقبل نقاشا ولا جدلا، أما حديث أبي هريرة فالأمر فيه سهل ذلك لأن جوابه عليه السلام كان مشيراً إلى أن من صلى في ثوب واحد فذلك لأنه قد لا يجد ثوب آخر ولذلك قال عليه السلام ( أو لكلكم يجد ثوبين ) ، ولعل جابر رضي الله عنه حينما صدر منه ما ذكرناه آنفاً كان أولاً يعتمد على هذا الحديث حديث أبى هريرة الثاني: ( أو كلكم يجد ثوبين ) . وثانياً: لم يبلغه نهي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يصلي الواجد للثوبين في ثوب واحد، ولقد أكد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الاهتمام بستر القسم الأعلى من البدن سترا حتى ولو كان ليس عنده إلا ثوب واحد فقد قال: ( إذا لم يجد إلا ثوبا واحدا فإن كان واسعا فليلتحف به، وإن كان ضيقا فلياتزر به ) , فإذًا من كان عنده ثوب واحد فقط وباستطاعته أن يغطي قسمه الأعلى مع الأدنى فهذا واجبه فإن لم يساعده الثوب على ذلك لضيق فيه أو لقصر فحينئذ لابد من ستر العورة التي هي عورة في الصلاة وخارج الصلاة . هذا ما أردت توضيحه بمناسبه اضطباع بعض الناس خارج الطواف وصلاتهم مكشوفي المنكب هذا لا يجوز وشرع الله إنما قام بالاتباع وليس بالابتداع .. اتفضل.
السائل : قول جابر للرجل ألا يكون له حكم الرفع وبالتالي نحمل نهي الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم - على الكراهة وليس من التحريم ؟.
الشيخ : لماذا أولاً يفترض في رأي الصحابي أن يكون في حكم المرفوع وهناك بحث لابد لطلاب العلم أن يكونوا على معرفة به لأهميته ألا وهو وأُذكِّر كجملة معترضة أن بعض إخواننا يشربون قياماً والشرب قياما قد نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام وهذه جملة معترضة لا أريد أن أقيم عليها محاضرة حتى ما نضيع عن الإجابة عن السؤال الأخير هذا، أما الشرب من قيام فله بحث خاص ربما يتاح لنا الخوض فيه بمناسبة أخرى -إن شاء الله-. أعود لأقول:

مواضيع متعلقة