هل صحيح أن الله أسجد الملائكة لآدم بما فضله الله عليهم بأنه حر مختار .؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل صحيح أن الله أسجد الملائكة لآدم بما فضله الله عليهم بأنه حر مختار .؟
A-
A=
A+
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على محمّد و آله و صحبه أجمعين , يقول قائل إن الله أسجد الملائكة لآدم بما فضله الله عليهم بأنه حر مختار فهل هذا القول صحيح ؟ وما الدليل على ذلك و جزاكم الله خيرا ؟

الشيخ : ليس بصحيح , ليس هناك تعليل لمثل هذا الأمر الإلهي للملائكة للسجود لآدم عليه السلام أنه كان ذلك لأن الله خلق آدم مختارا بشرا مختارا و لا يجوز للمسلم أن يعلل حكما شرعيا تعليلا عقليا ليس له على ذلك برهان من الله و رسوله و العلماء يقسمون الأوامر و العبادات الشرعية أو الأحكام الشرعية إلى قسمين اثنين , القسم الأول أنها أمور تعبدية محضة و يكنون عنها بقولهم إنها غير معقولة المعنى و كثير من الأحكام الدينية و العبادات الشرعية إن لم أقل أكثر هذه الأمور تعبدية غير معقولة المعنى و القسم الآخر يعبرون بأنها معقولة المعنى و البحث في هذا يحتمل الطول و البسط و الشرح و لعلنا تكلمنا في بعض مجالسنا بشيء من البيان و التفصيل و الآن أقول: أمر الله عز و جل الملائكة بأن يسجدوا لآدم ليس عندنا علة منصوصة في الشرع لماذا هو جواب لماذا أمر الله عز و جل الملائكة بالسجود لآدم لكن لا شك أن السجود من شخص إلى آخر يدل على فضيلة المسجود له فيمكن أن يقال بأن الأمر للملائكة بالسجود لآدم هو لبيان أن هذا الإنسان الذي خلق بشرا من طين يستحق أن يقدر و أن يعظّم بتطبيق الأمر الإلهي بالسجود له فإذن هذا أمر لا يختلف فيه اثنان و لا ينتطح فيه عنزان كما يقال أن السجود لشيء ما يدل على تعظيمه هذا أمر لا خلاف فيه فبإمكاننا أن نعلل أمر الله الملائكة بالسجود إنما هو تعظيم لآدم عليه السلام لأنه أبو البشر و لأن الملائكة لا تعرف هذا الجنس من البشر و بخاصة أن الله عز و جل حكى عنهم حينما أمرهم بالسجود (( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون )) ذكر المفسرون بأن الله عز و جل كان خلق خلقا آخر غير الإنس قبل خلق آدم و هم جن ففسدوا في الأرض فخشيت الملائكة أن يكون الخلق الجديد من ذلك النوع القديم الذي أفسد في الأرض فالله عز و جل أمرهم ليسجدوا ليعرفوا أن هذا الإنسان الذي هو أبو البشر فيما سيأتي من الزمان يستحق مثل هذا التكريم الإلهي فقلت آنفا: إن السجود لشيء ما يدل على التعظيم و أن هذه حقيقة لا شك و لا ريب فيها فبإمكاننا أن نعلل الأمر الإلهي بما لا شك فيه أما أن نأتي بتعليل لا برهان لنا عليه أنه خلقه مختارا فهذا يحتاج إلى نص و إن كان فعلا البشر مختار و لذلك قال تعالى: (( فمن شاء أن يؤمن و من شاء أن يكفر )) لكن هذا لا يعني أن الملائكة ليسوا مختارين و إنما يعني أن الملائكة مفطورون على طاعة الله عز و جل كما قال تبارك و تعالى: (( لا يعصون ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون )) فكون السجود للشيء يدل على إكرامه و تعظيمه لدينا أشياء كثيرة و كثيرة جدا منها سجود إخوة يوسف و يوسف لأبيه كما جاء في سورة يوسف عليه السلام و منها أن هذا السجود الذي بدئ بتشريعه في قصة الأمر من الله للملائكة بالسجود لآدم و استمر هذا الحكم يمشي حتى كان السجود يعتبر إكراما في الشرائع السابقة و منها سجود إخوة يوسف عليه السلام لكن هذا الإكرام الذي استمر إلى عهد الرسول عليه السلام نهى الرسول صلى الله عليه و سلم عنه لما فيه أولا من المبالغة في إكرام المسجود له و ثانيا من باب سد الذريعة و الإخلاص لله عز و جل في عبادته . أنهي جواب هذا السؤال بحديث معاذ بن جبل حينما سافر من المدينة إلى الشام و رجع إلى المدينة فأول ما وقع بصره على النبي صلى الله عليه و آله و سلم أراد أن يسجد له فنهاه النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك و قال له: ( ما هذا ؟ ) قال له: " يا رسول الله إني أتيت الشام فرأيت النصارى يسجدون لقسيسيهم و عظمائهم فرأيتك أنت أحقّ بالسجود منه " فقال عليه السلام: ( لا يصلح السجود إلا لله و لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها و لكن لا ينبغي السجود إلا لله ) فإذن السجود إكرام لكن هذا الإكرام ختم أمره بخاتمة الشرائع و الأديان و هي شريعة الإسلام , خلاصة القول أمر الله عزو جل للملائكة للسجود كان إكراما لهذا الجنس و لم يكن لتلك العلة أنه جعله مختارا لأن هذه علة لا دليل عليها لا في الكتاب و لا في السنة و لا استنباط من أدلة الشريعة كما ذكرت آنفا .

مواضيع متعلقة