من هم الملائكة الكروبيُّون ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
من هم الملائكة الكروبيُّون ؟
A-
A=
A+
السائل : من هم الملائكة الكروبيُّون ؟

الشيخ : من هم الملائكة الكروبيُّون ؟ لم يثبت - فيما علمت - حديث فيه ذكر هذا الاسم للملائكة - الملائكة الكروبيون - ، والحقيقة أن هذا الاسم منذ نحو ثلاثين سنة لم يكن مرَّ بي في الأحاديث التي كنت قرأتُها في مئات - إن لم أقل ألوف الكتب - أكثرها مخطوطة ، حتى سمعتُها أو سمعت هذا الإسم في منى في موسم من مواسم الحجِّ كنت جالسًا في ليلة هادئة وجميلة من أيام منى ، أتحدث مع بعض إخواننا من أنصار السنة المصريين والسوريين وغيرهم ، لمَّا دخل علينا شيخ سمته لا بأس به ، سلم وجلس ، واستمع ، وبعد أن توقفت قليلًا عن الكلام دخل هو في الموضوع يتكلم ، تبيَّن من كلامه أنه من الذين درسوا في الأزهر ، ويحملون في طوايا نفوسهم بغضًا للدعوة السلفية أو دعوة التوحيد ، وأنه متأثِّر ببعض الدَّعاوى الكاذبة التي تُنسب إلى جماعة التوحيد في كل بلاد الإسلام ؛ سواءٌ كانوا هنا أو في مصر أو في سوريا أو في غير مكان ، وإذا به يتهجَّم ويقول أنُّو دعوة الوهابيين - بهذا الاسم - دعوة جيدة ، ولكنهم يشبِّهون الله بالمخلوقات ، فسألته : كيف ذلك ؟ قال : إنهم يقولون بأن الله - عز وجل - - سبحان الله ! يخطِّئ القرآن وهو لا يشعر - قال : يقولون بأن الله على العرش استوى ، فقلت له : هل هذا قولهم أم قول ربِّ العالمين ؟ استدرك فقال يعني هو بأنهم يفسِّرون هذه الآية بمعنى أنهم يفسِّرون الآية بأن الله قاعد على عرشه ، أقول : قلت له : يا أخي ، هذا التفسير ليس صحيحًا النسبة إليهم ، الخلاف بينهم وبين مخالفيهم ليس هو في تشبيه ربِّ العالمين بالمخلوقين ؛ فهذا باطل بالاتفاق ، وإنما الخلاف هل يصحُّ تأويل الاستواء بمعنى الاستيلاء أم الصحيح أن الاستواء هو الاستعلاء ؟ ودخلت في هذا الموضوع طويلًا ، وأمر بدهي جدًّا أن خلاصة العقيدة السلفية في هذه الجزئية أن لله صفة الفوقية ، فهو تمسَّك بهذه وقال : هل من معقول أن الله - عز وجل - يكون فوق العرش ؟ معنى ذلك أننا وضعناه في مكان ! قلت له : لا ، هذا وهمٌ منكم ، ونحن نتبرَّأ من عقيدة تجعل الله - عز وجل - محصورًا في مكان وهو العلي الكبير ، ثم بدأت المناقشة معه بطريقتي الخاصة ، قلت له : هل أنت معي في أن الله كان ولا شيء معه ؟ قال : طبعًا ، قلت : حين كان الله ؛ فهل كان هناك عرش ؟ قال : لا ، إذًا كان الله ولا شيء معه ، ثم خلق العرش ؟ قال : نعم ، تسلسلتُ معه فقلت له : نحن الآن في الأرض ؛ فما الذي فوقنا ؟ قال : السماء الدنيا ، ثم الثانية ، إلى أن وصلنا إلى السابعة ، قلت : ماذا فوق السابعة ؟ قال : العرش ، قلت - وهنا الشاهد - : وماذا فوق العرش ؟ قال : الملائكة الكروبيون ، لأوَّل مرة أسمع هذا الاسم ، ومنذ نحو ثلاثين سنة ، قلت : ما هذا ؟ الملائكة الكروبيون فوق العرش ؟ نحن نعرف أن الذي فوق العرش هو خالق العرش ؛ بدليل الآية السابقة ، وتأويل السلف لها ؛ بأنه على العرش استوى ؛ أي : استعلى ، وكما قال المعتدلين في هذه المسألة :

" ورب العرش فوق العرش لكن *** بلا وصف التمكن واتصال "

فالله غنيٌّ عن العالمين ، لكن أنا بسمع لأول مرة أن الذي فوق العرش هم الملائكة الكروبيون ؛ فهل عندك آية في إثبات أولًا أن هناك ملائكة يُسمَّون بالملائكة الكروبيون ؟ قال : لا ، قلت : طيب ؛ هل عندك حديث في أنه جاء ذكرُهم فيه بهذه التسمية ؟ قال : لا ، قلت : فإذًا من أين جئت بهذه العقيدة أنَّ فوق العرش ملائكة كروبيُّون ؟ قال : هكذا درَّسونا مشايخنا في الأزهر الشريف ، قلت : يا عجبًا ! أنا أعلم أن علماء الأزهر يقرِّرون على الطلبة في دروسهم ما يتعلق بأصول العقائد وأصول الفقه يقولون لهم : حديث الآحاد الصحيحة لا تثبت بها عقيدة ؛ فكيف لقَّنوكم عقيدة ليست مذكورة لا في القرآن ولا في السنة ؟ كيف اعتقدتم ؟ فبُهت الرجل ! ثم تابعت الكلام ؛ قلت له : هَبْ أن فوق العرش أولئك الملائكة المُسمَّون عندكم بالكروبيون ؛ فماذا فوقهم ؟ وقف الرجل ، وقف حيران ، وقد كنتُ قدَّمت معه كان الله ولا شيء معه ، وكان مشتق من كن فيكون ، فلم يكن شيء هناك ، فقال الله لخلقه كن فكان ، فإذ انتهى بنا أنَّ ما وصلنا إلى العرش هو بزعمك فوق العرش أولئك الملائكة ؛ فماذا فوق هؤلاء الملائكة ؟ أَعَدَمٌ أم وجودٌ ؟ قال : لا ، عدم ؛ لأنُّو كنا اتفقنا على أن لا شيء قبل أن يخلق الله - تبارك وتعالى - السموات والأرض ، كان الله ولا شيء معه ؛ إذًا فقبلَ أن يخلق الله شيئًا لم يكن هناك شيء ، فإذ انتهى بك العلم إلى أن فوق العرش الملائكة الكروبيُّون ولا شيء وراء ذلك من كون ؛ لأنه انتهى الخلق ؟ فإذا قال السلفيون بأن الله - تبارك وتعالى - على العرش استوى ؛ أي : استعلى ؛ فلماذا تنسبونَهم إلى أنهم حصروا الله - عز وجل - في كونه ولا كون هناك ؛ لأن الكون محصور ومحدود ، وفي رأينا آخر الكون وأعلاه العرش ، في رأيك أنت العرش وعليه الكروبيون ، ولا شيء بعد ذلك ، فإذًا العقيدة الصحيحة عقلًا ونقلًا إنما هي عقيدة السلف الصالح ؛ لأنهم لم يجعلوا الله في مكان كما تزعمون ؛ لأنه لا مكان هناك وراء العرش ، إنما هو العدم المحض إلا الله - تبارك وتعالى - ، ولكن ما بالكم أنتم أنكم حينما فرَرْتم مما نسبتم السلفيين إليه وهم براء منه ؛ فإن الله ليس في مكان ؛ لأن ما بعد العرش ليس كونًا وليس مكانًا ؛ فهو على العرش استوى ؛ لكن ما بالكم أنتم تفرُّون من إثبات هذه الصفة لله - تبارك وتعالى - وهي صفة التنزيه تمامًا ؟ لأنه ليس في الكون ، فكيف وأنتم تقولون إن الله في كل مكان تحصرونه في كونه الذي خلقه بعد أن لم يكن له وجود ؟ فأنتم المشبهة ، وأنتم المجسمة ، ولسنا نحن معشر السلفيين إلا القائلون بما قال - تعالى - : (( ليس كمثله شيء وهو والسميع البصير )) ، وعلى أساس من هذه الآية بطرفيها ننزِّهه - تعالى - تنزيهًا كاملًا ، ونُثبت له الصفات كما يليق بعظمته وجلاله .

تفضل .
  • فتاوى جدة - شريط : 17
  • توقيت الفهرسة : 01:03:49
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة