بعض المنتسبين للدعوة لا يهتمون إلا بتوحيد الربوبية ، فهل ينفعهم ذلك أم لا.؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بعض المنتسبين للدعوة لا يهتمون إلا بتوحيد الربوبية ، فهل ينفعهم ذلك أم لا.؟
A-
A=
A+
وفيق : أقول كثير ممن ينتسبون للعلم والدعوة يعرفون ... فهذا التعريف هل ينفعهم ؟ .

الشيخ : كلا ، لا ينفعهم ؛ لأن هذه العقيدة ليست كافية ؛ لأن الكفار الذين عادوا الرسول عليه السلام وقاتلوه واضطروه للخروج من بلده والهجرة إلى المدينة المنورة كانوا يعتقدون هذه العقيدة (( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ). فآيات كثيرة في القرآن الكريم تبين أن المشركين كانوا أولا : يؤمنون بوجود الله ، وثانيا : لا يجعلون شريكا لله في ذاته ؛ فلا يعتقدون أن هناك خالقا معه ، نافعا معه ، ضارا معه ؛ بل كانوا يعتقدون أن الأمر كله بيده تبارك وتعالى ، هذا من جهة .

ومن جهة أخرى أن الله عز وجل لما أرسل الرسل وأنزل الكتب ما فعل ذلك لكي يدعوا الناس إلى الاعتقاد بوجود الله ، وبأنه هو الضار النافع ، وأنه لا شريك له في شيء من ذلك ، ما بعثهم ولا أنزل الكتب من أجل هذا ؛ لأن هذا أمر مفطور في الناس حتى المشركين ؛ ولذلك صرحت الآية الكريمة أن المشركين إذا سئلوا : أإله مع الله .؟ ففرقوا بين الإله والرب ، فهم يشركون في الألوهية ولا يشركون في الربوبية ، يعتقدون بأن الله هو رب العالمين وحده لا شريك له ، وأنهم إذا وقعوا في مصيبة أو في بلية تضرعوا إلى الله والتجؤوا إليه ، لما وقر في نفوسهم من أن الله هو الضار وهو النافع ؛ فهم كانوا يؤمنون بما يسمى عند العلماء بتوحيد الربوبية ؛ لكن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب لدعوة هؤلاء الناس جميعا إلى عبادته وحده لا شريك له ، ليس إلى اعتقاد أنه واحد في ذاته وأنه لا خالق معه ، لا ، هذا الاعتقاد كانوا يؤمنون به بصريح القرآن الكريم , وإنما الذي كانوا يكفرون به أن هناك أشخاص مخلوقون ويستحقون أن يعبدوا مع الله تبارك وتعالى ، وهذا صريح في القرآن حيث قال عز وجل : (( إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم )). الذين تدعونهم في الشدة هم عباد أمثالكم ، (( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا )) دعائكم (( ما استجابوا لكم )) لأنهم يعتقدون أنهم عبيد , ولذلك قال عز وجل في الآية الأخرى : (( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )). هؤلاء المشركين الذين اتخذوا من دون الله أولياء إذا سئلوا لماذا تعبدونهم من دون الله .؟ قالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ؛ إذا هم يؤمنون بأن المعبود الحق هو واحد لا شريك له في العبادة ، ولكنهم من ضلالهم أنهم اتخذوا من بعض الصالحين أولياء يعبدونهم ، يتوجهون إليهم بالدعاء والاستغاثة والركوع والسجود ؛ لماذا .؟ هم أجابوا بأنفسهم وألسنتهم : (( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )).

فإذا المشركين الذين كانوا في عهد الرسول عليه السلام ما كان الخلاف بينهم وبين الرسول هو في أن الخالق واحد والرازق واحد والمحيي واحد والمميت واحد ، هذا كانوا يؤمنون به ؛ ولكن الخلاف كان في أنهم عبدوا غير الله عز وجل ، خضعوا لغير الله عز وجل ، فأشركوا مع الله في العبادة وليس في الربوبية ؛ ولذلك وصل ضلال هؤلاء المشركين إلى أنهم كانوا إذا طافوا بالبيت , وهذا الطواف ورثوه من أبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام , ثم دخلهم الشرك فكان قائلهم يقول : لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك إلا شريك تملكه أنت وما ملك . لك شريك لكن هذا الشريك هو مملوك لك ، وما معه أيضا مملوك لك ؛ إذا فالمشركون كفروا بتوحيد الألوهية بتوحيد العبادة وليس بتوحيد الربوبية ؛ ولهذا في القرآن الكريم : (( إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون )).

أما الآية السابقة لا تبعت الربوبية: (( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله )). هنا قالوا : (( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب )). الشاهد أن الآية الأولى صريحة بأن المشركين يؤمنون بربوبية الله وحده لا شريك له ؛ في الآية الثانية صريح بأنهم ينكرون أن يكون الإله واحد ؛ شو معنى الإله إذا ؟ الإله هو المعبود ؛ فلما كان الرسول يدعوهم إلى أن يعبدوا الله وحده لا شريك له كانوا ينكرون ذلك ويقولون : (( أجعل الآلهة إله واحدا إن هذا لشيء عجاب )). في الآية الأخرى : (( إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون )). كيف يستكبرون ؛ وهم في الآية الأخرى ربنا يخبر عنهم : (( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله )).؟ معنى ذلك أن الربوبية شيء والألوهية شيء آخر ، الرب واحد باتفاق البشر جميعا , حتى المشركين الذين قاتلوا الرسول عليه السلام وعادوه كما ذكرنا ؛ أما الإله فمتعدد عندهم ؛ ولذلك استنكروا على الرسول عليه السلام حينما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له .

والعبادة أنواع وأقسام ، وأعظم عبادة تتجلى فيها حاجة الإنسان وعبوديته لله عز وجل هو الدعاء ؛ ولذلك قال عليه السلام في الحديث الصحيح : ( الدعاء هو العبادة ) . ثم تلا قوله تعالى : (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )). إذا المشركون هذه نقطة مع الأسف كثير من خواص المسلمين اليوم لم يتنبهوا لها , وهي التفريق بين الألوهية وبين الربوبية ، المشركون كانوا يؤمنون بوحدانية الله في الربوبية , ولكنهم كانوا يكفرون بوحدانية الله في العبادة والألوهية ؛ ولذلك كانوا يقولون بأن لله شريكا لكن هذا الشريك مملوك لله وما يملكه هذا الشريك ؛ وعلى هذا فمعنى لا إله إلا الله لا يجوز تفسيره بمعنى : لا رب إلا الله , هذا اعتقاد المشركين لا يكفي ، وإنما لا إله إلا الله معنى هذه الكلمة التي جاءت في القرآن مأمور بها عليه السلام والمقصودين أمته : (( فاعلم أنه لا إله إلا الله )). معنى هذا : فاعلم أنه لا معبود بحق في الوجود إلا الله ، مش لا رب إلا الله ، لا رب إلا الله المشركون يؤمنون بهذا ، يعني الخالق الرازق والمحيي والمميت ، المشركون يعتقدون بأنه واحد لا شريك له , لكنهم يجعلون له شريكا في العبادة .

من هنا لا يجوز للمسلم أولا : أن يفهم هذه الكلمة الطيبة لا إله إلا الله بمعنى لا رب إلا الله ؛ لأنه تعطيل لمعنى الألوهية والعبادة لله عز وجل وحده .

ثانيا : إذا فهم المسلم هذه الكلمة الطيبة أن المعنى لا إله إلا الله أي : لا معبود بحق في الوجود إلا الله ؛ فلا يجوز ينقض هذه العقيدة عقيدة التوحيد في عبادة الله وحده لا شريك له عمليا ؛ كثير من المسلمين اليوم يدعون في الشدائد غير الله كما كان المشركون يفعلون تماما ، فهذا ينادي البدوي وهذا ينادي القادر الجيلاني ، عبد القادر الجيلاني ، وهذا ينادي الشاذلي و و و إلى آخره ، كل هؤلاء الأشخاص يعبدون اليوم من كثير من المسلمين بسبب جهلهم معنى هذه الكلمة ( لا إله إلا الله ) أي لا معبود بحق في الوجود إلا الله ؛ ولهذا كان أول ما دعا إليه الرسول عليه السلام هو هذه الكلمة الطيبة , كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم عند الله ) . أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله ، لا يعني أن لا رب ، وإنما يعني أي لا معبود بحق إلا الله ؛ فمن اعتقد أن لا معبود بحق إلا الله آمن بأن الرب واحد لا شريك له , لكن من آمن بأن الرب واحد لا شريك له في ذاته قد يكفر بالعبودية ، بعبادة الله وحده لا شريك له ؛ لأن من عبادة الله الدعاء ، فإذا دعا غير الله فقد اتخذه إلها من دون الله تبارك وتعالى ؛ هذا ما يمكن أن يذكر الآن والساعة إحدى عشر الآن يا أبا عبد الله خلينا نصلي ونمشي , بس الوقت ضاق .

مواضيع متعلقة