ذكر الشُّبهة الذي أوقَعَتْهم في هذا التأويل وتفنيده لها . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ذكر الشُّبهة الذي أوقَعَتْهم في هذا التأويل وتفنيده لها .
A-
A=
A+
الشيخ : ما الذي أوصَلَهم إلى مثل هذا التأويل ؟

زعموا بأنهم أرادوا الخلاص من جعل الله - عز وجل - في مكان ، وبظنِّهم أن المسلم إذا آمن بقوله - تعالى - : (( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )) أي : استعلى ؛ بظنِّهم أن معنى هذه الآية أن الله - عز وجل - في مكان ، وهذا ظنٌّ خاطئ ، ورأيٌ عاطلٌ لا ينبغي أن يتورَّط أو أن يغترَّ به المسلم ؛ لأن الله - تبارك وتعالى - ليس في مكان ، لا قبل المخلوقات ولا بعد المخلوقات ، كان الله ولا شيء معه ، فالله - تبارك وتعالى - غنيٌّ عن مخلوقاته ؛ فإنه - تبارك وتعالى - من أوصافه وهو الغنيُّ عن العالمين ، كما قال : (( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) .

فكان الله كما نعلم جميعًا ولا شيء معه ولا خلق معه ، ثم خلق المخلوقات كلها ، فقبل أن يخلق المخلوقات لم يكن في مكان قطعًا ؛ لأن المكان وُجِدَ بوجود الخلق ، أما قبل وجود الخلق فلم يكن هناك مكان ، فإذًا كان الله ولا خلق معه ؛ أي : ولا مكان معه أيضًا ، فلما خلق الله - تبارك وتعالى - المخلوقات وُجِدَ المكان ؛ فهل حلَّ في هذا المكان ؟ حاشا لربِّنا أن يكون فقيرًا محتاجًا إلى شيء من خلقه ، فهو - عز وجل - من هذه الحيثيَّة ليس في مكان وليس بحاجة إلى مكان ، فهو الآن كما عليه كان قبل وجود مكان ، قبل وجود المكان لم يكن في مكان ، فهو كذلك بعد وجود المكان ليس في مكان .

هذه حقيقة بدهية ، وهؤلاء الذين يفسِّرون الآية السابقة استوى بمعنى استولى هم يريدون الفرار من إثبات المكان لله ، وليس هذا طريق هذا الفرار كما قيل :

" أورَدَها سعدٌ وسعدٌ مُشتَمِلْ *** ما هكذا - يا سعدُ - تُورَدُ الإبِلْ "

على المسلم أن يثبت أن الله - عز وجل - لم يكن في مكان ، وهو كذلك بعد أن خلق المكان ليس في مكان ، فاعتقاد المسلم أن الله فوق المخلوقات لا يعني أنه في مكان ؛ لأن المخلوقات محدودة المدى ، فكلُّ شيء محدود من المخلوقات ، فإذا كانت المخلوقات محدودة فما وراء المخلوقات عدم ليس هناك مكان ، فإذا كنا نقول : كان الله ولا شيء ولا مكان ؛ فإذًا هو لم يكن في مكان ، فهو كذلك - أيضًا - ما دام أنه وراء المخلوقات فهو ليس في مكان .

إذًا المشكلة التي اضطرَّتهم إلى تأويل عشرات النصوص من الكتاب والسنة هو وهْمٌ وخيال ؛ لأنَّهم يتوهَّمون أن إثبات الفوقيّة لله معنى ذلك جعلُه في مكان ، والفوقية التي هي صفة لله - عز وجل - لها علاقة بالله الأزلي القديم ، وليس لها علاقة بالحادث المخلوق الذي وُجِدَ بعد أن لم يكن .

هذا المخلوق محدود ، ففي حدوده المكان والزمان ، أما ما وراء هذا المخلوق فلا مكان ولا زمان ، فأيُّ شيء وراء هذا المخلوق ؟! ليس إلا الله - تبارك وتعالى - .

مواضيع متعلقة