تحريم تأخير دفن الميت بسبب حضور كثرة الناس وبدون عذر شرعي ، وبيان أن السلف الصالح كانوا يُوصون بتعجيل الدفن . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
تحريم تأخير دفن الميت بسبب حضور كثرة الناس وبدون عذر شرعي ، وبيان أن السلف الصالح كانوا يُوصون بتعجيل الدفن .
A-
A=
A+
الشيخ : من هذا يتفرَّع أحكام شرعيَّة لا يلتزمها الكفار قولًا واحدًا ، ثم الذين تشبَّهوا بهم إما مع معرفتهم بهذه الأحكام الإسلامية أو لِجهلهم بها ، يتفرَّع من ذلك أن الميت يجب التعجيل بدفنه بطريقة الاستعجال النهائي الذي لا ينبغي أن يقترنَ معه شيء من التباطؤ إلا ما لا بد منه ، أما تقصُّد الإبطاء في تجهيز الميت فهذا شرٌّ يقدِّمونه إلى الرجل الصالح ، وهذا أمر غير جائز في الإسلام ، وإذا كان ذلك من واجبات المسلمين في دفن موتاهم حينئذٍ نعرف الخطأ الذي انتهينا ووصلنا إليه في هذا العصر بحيث أنه في كثير من الأحيان يتعمَّد أهل الميت التباطؤ في دفنه لا لشيء إلا للشهرة ، وتبليغ أكبر كمية ممكنة من الناس لكي تظهر الجنازة لها أبَّهة ولها عظمة ، هذا تفكير أهل الدنيا . أما المسلم فهو لا يهمُّه إذا كان مَن يُشيِّعه أو يصلي عليه كثير عددهم أو قليل .

من هنا نجد الفارق الفاصل الواضح البيِّن بين سلفنا وخلفنا ، السلف الصالح كان إذا مات ميتهم عجلوا بدفنه ولا يتحمَّل ذلك أكثر من ساعة بالكثير ، وكانوا يُوصون بذلك في وصاياهم في صحتهم وفي مرض موتهم ؛ كانوا يوصون بالتعجيل بدفنهم لعلمهم بهذه الحقائق التي نحن الآن في صدد بيان شيء منها فيما يتعلق بدفن الميت والتعجيل بدفنه ؛ فقد جاء عن كثير من الصحابة منهم حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه لما مرض مرض موته قال : " إذا أنا متُّ فعجِّلوا بدفني ، ولا تؤذنوا بي أحدًا " ، لا تؤذنوا : لا تخبروا بي ؛ أي : بوفاتي أحدًا ، هاللي موجود من الأهل يقوم الواجب بهم من غسله من تكفينه من دفنه ، هكذا كانوا ، وهكذا ينبغي أن نكون نحن ، ونحن اليوم لا نستطيع - مع الأسف الشديد - أن نكون مثلهم لظروف اجتماعية وظروف تتعلَّق بالحكم بغير الإسلام ، و و أشياء كثيرة وكثيرة جدًّا ، ولكن هذا لا يبرِّر للمسلم أن لا يجتهد حسب قدرته وطاقته في تحقيق هذا الأمر النبوي وهو التعجيل بتجهيز الميت ؛ لأنَّ الله - عز وجل - من عدله في عباده أنه قال : (( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )) .

نحن - مثلًا - اليوم تُطبَّق علينا نُظُم في بعض البلاد خاصَّة العواصم ما لا يُطبَّق في بعض القرى ؛ لا سيَّما البعيدة النائية ، فلا بد - مثلًا - من استخراج التقرير الطبي كما يقولون ، ولا بد من الاتصال بمكتب الموت دفن الموتى ، وهذا المكتب ليس مستعدًّا لتقبُّل المراجعات إلا في حدود النظام الموضوع للأحياء وليس للأموات ، فلم تُتَّخذ هناك استعدادات إطلاقًا لمثل هذه الوفيات ؛ ولذلك وقريبًا وقع لبعض معارفنا أن ماتت والدته بين العصرين الظهر والعصر ، فلم يتمكَّن من دفن المتوفى إلا بعد ظهر اليوم الثاني ، هذا أمر طبيعي بالنسبة لهذا النظام أو هذا الروتين كما يقولون ، وقريبًا كنت في زيارة ابنتي في الأردن ، فزُرْت بعض القرى ، فرأيت المقبرة هناك مقبرة متواضعة ، وجَرَّ الحديث إلى طريقة الدفن ، قال : الدفن هنا لا يحتاج إلى شيء إطلاقًا لا إلى إذن ولا إلى أيِّ شيء ، حفر القبر ودفنه انتهى الأمر .

قلت : هكذا كان الأمر في عهد الرسول - عليه السلام - وعهد السلف الصالح ، ولكن لما اتصلنا بأوروبا ونظمها الكافرة وتبنَّيناها على عجرها وبجرها فأصابنا ما أصابهم ولا بد ؛ لأن الله - عز وجل - كما قال : "" سنة الله "" (( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا )) ، فالذي يتَّخذ الأسباب المشروعة ففي ذلك اليُسر والخير والبركة ، والعكس بالعكس تمامًا ؛ من هنا جاءت الآية التي ذكرناها في أكثر من مناسبة : (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا )) ، هذا من الضَّنك حينما نتمسَّك بالأحكام التي لم يأتِ بها الإسلام ، فنُصاب بشيء من الضِّيق والحرج ، وربما الضيق المالي - أيضًا - هذا كما تحدَّثنا في مناسبة سابقة أنُّو الميت اليوم نأكل هم دفنه ؛ لأنه كما نشتري للحيِّ دارًا نشتري لهذا الميت - أيضًا - دارًا تتناسب مع فقده لحياته ، على كل حال لا بد من دفع قيمة مادية قد يعجز عنها بعض المصابين بميتهم : (( جَزَاءً وِفَاقًا )) ، (( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )) .

أقول : بسبب هذه الأوضاع فقد تتحمَّل الجنازة من الوقت الكثير والكثير ، ولكن لا يصح أن نتَّخذ الأسباب المفروضة علينا بسبب الحياة الاجتماعية كما ذكرنا ؛ لا يصح أن نقيس عليها أسبابًا نحن نبتدئ في إيجادها وليس نُرغم عليها إرغامًا ، ضربت لكم مثلًا آنفًا وهو الظهور بالجنازة على أنها جنازة محترمة ، وأنها لها صيت ولها كلمة في المجتمع ؛ ولذلك فهم يتأخَّرون بدفن الميت ، حتى بعض الإسلاميين وقعوا في هذه المشكلة ؛ يعني قديمًا وحديثًا في هذا الزمن تتأخر الجنازة اليوم واليومين لماذا ؟ لكي يأتي من أطراف البلاد القريبة والبعيدة مَن يُشيِّعها ، وهذا في الواقع من مشاكل التحزُّب لغير الإسلام ؛ لأنُّو حينما يموت رجل حزبي فلا بد من أن يخرج معه جميع مَن ينتمي إلى حزبه ، وليس - كما تعلمون جميعًا - في الإسلام شيء من هذه التظاهرات ، بل شيء من هذا الرياء ، وهذا من المصائب أننا لا نكتفي بأن نعيش في حياتنا الدنيوية ونحن نرائي حتى نرائي - أيضًا - على حساب الميت ؛ لهذا يجب أن نأخذ من هذا الحديث عبرة من العِبَر ؛ وهو أننا إذا أُصِبْنا بميِّت لنا فيجب أن نضع في أذهاننا التعجيل بدفنه ؛ لأنه كما قال - عليه الصلاة والسلام - في هذا الحديث الصحيح : ( فإن تَكُ صالحة فخيرًا تقدِّمونه إليها ، وإن تَكُ سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) .

مواضيع متعلقة