ما القول الفصل في قوله - تعالى - : (( الله يستهزئ بهم )) ، وقوله - تعالى - : (( سخر الله منهم )) ، وغيرها من الآيات المشابهة ؛ هل نثبت ما أثبته الله لنفسه ؟ أم نؤوِّلها بلازمها كما قال بعض المفسرين ، وجزاكم الله خيرًا ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما القول الفصل في قوله - تعالى - : (( الله يستهزئ بهم )) ، وقوله - تعالى - : (( سخر الله منهم )) ، وغيرها من الآيات المشابهة ؛ هل نثبت ما أثبته الله لنفسه ؟ أم نؤوِّلها بلازمها كما قال بعض المفسرين ، وجزاكم الله خيرًا ؟
A-
A=
A+
السائل : يسأل السائل فيقول : ما القول الفصل في قوله - تعالى - : (( الله يستهزئ بهم )) ، وقوله - تعالى - (( سخر الله منهم )) ، وغيرها من الآيات المشابهة ؛ هل نثبت ما أثبته الله لنفسه ؟ أم نؤوِّلها بلازمها كما قال بعض المفسرين ، وجزاكم الله خيرًا ؟

الشيخ : هذا السؤال جوابه معروف عند أهل السلف وأتباع السلف ، وبالمقابل أتباع الخلف ، من المعلوم أن السلف أنهم كانوا يقولون في مثل هذه الآية وتلك : " أمرُّوها كما جاءت " ، وهم لا يعنون - كما يتوهَّم بعض الخلف اليوم - لا يعنون أمرُّوها بدون فهم ، وإنما أمروها كما جاءت بفهم صحيح وبدون تشبيه وتكييف ، وبالتالي بدون تأويل أو تعطيل ، والجواب الحاسم في مثل هاتين الآتين هو أن نستحضرَ قول الله - عز وجل - في صفتين أخريين ؛ ألا وهما صفة السمع والبصر حين قال ربنا - عز وجل - : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) ، ففي الآية تنزيه ، وفيها إثبات لصفتي السمع والبصر ، ومعنى التنزيه أننا حينما نثبت لله - عز وجل - صفة جاءت في كتابه أو في سنة نبيِّه أننا نثبتها له كما يليق بعظمته - تبارك وتعالى - وجلاله ، ولا نكيِّف ذلك فلا نقول سمعه كسمعنا ، وبصره كبصرنا ، كما أننا لا نتأوَّل ذلك كما فعل ذلك قديمًا بعضُ غلاة المعتزلة ؛ حيث تأوَّلوا السمع والبصر بالعلم ، قالوا : هو السميع البصير ، أي : وهو العليم ، علمًا بأن الله - عز وجل - قد وصف نفسه في غير ما آية في القرآن الكريم بالعلم ، فحينما يأتي أولئك المعتزلة الغلاة فيتأوَّلون السمع والبصر بالعلم ، فذلك هو التعطيل الذي قال عنه بعض علمائنا المتقدمين كابن تيمية وابن قيم الجوزية - رحمهم الله - قالوا : " المعطِّل يعبد عدمًا ، والمجسِّم يعبد صنمًا " .

على هذا الأساس - من التنزيه والإثبات بدون تشبيه أو تأويل - نقول في الآيتين السابقتين من استهزاء بالله بالمستهزئين بآياته وسخرية الله - عز وجل - بأولئك وأمثالهم ؛ إنما هو استهزاء يليق بالله - عز وجل - وليس من باب سخرية الإنسان بالإنسان ، واستهزاء الإنسان بالإنسان ، فالآية والأخرى كلتاهما يُساقان مساق الآيات المتشابهات ، نمرُّها كما جاءت مع الفهم السليم على ما كان عليه السلف الصالح بدون تشبيه ، فهنا لا نشبِّه استهزاء الله بالمشركين كاستهزاء الناس بعضهم ببعض ، وإنما نقول استهزاءً يليق بالله - تبارك وتعالى - كما جاء تمامًا في الأثر الصحيح الثابت عن الإمام مالك - رحمه الله - أن رجلًا جاء إليه فقال : يا مالك ، (( الرحمن على العرش استوى )) كيف استوى ؟ قال : " الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ، أخرجوا الرجل ؛ فإنه مبتدع " ، كذلك نحن نعلم أن الاستهزاء - لغةً - معروف ، وهو مقابل مقابلة المستهزئ باستهزاء من مثله ، ولكن الله - عز وجل - ما دام أنه ثبت لدينا يقينًا أنه ليس كمثله شيء ؛ فلا نقول استهزاؤه كاستهزائنا نحن ، كما قال مالك تمامًا : " استواء الله على عرشه معروف ، ولكنه بلا كيف ، والسؤال عن الكيف بدعة " ، لذلك أمر بإخراج الرجل على اعتباره إياه مبتدعًا ، كذلك نحن نقول في كل آيات الصفات ، منها صفة الاستهزاء والسخرية ، معناهما معروف - لغةً - ، ولكن ليس هناك تكييف ولا تشبيه ، وهذا هو المنهاج في كل آيات الصفات وأحاديث الصفات .

مواضيع متعلقة