ما حكم تعدُّد الجماعة في المسجد الذي له إمام راتب ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم تعدُّد الجماعة في المسجد الذي له إمام راتب ؟
A-
A=
A+
السائل : تعدُّد صلاة الجماعة الثانية ، تعدُّد الجماعة الثانية ؟

الشيخ : نعم ، الجماعة الثانية .

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

...

الشيخ : قدِّموا يا إخواننا قدِّموا ، تزاحموا تراحموا .

عيد عباسي : منشان التسجيل ... .

الشيخ : صلاة الجماعة الثانية وما بعدها من جماعات تُقام بعد الجماعة الأولى هذه مسألة خلافية بين المذاهب الأربعة على ما هو مشهور اليوم ، فأبو حنيفة والإمام مالك والإمام أحمد ثلاثتهم ، عفوًا ؛ الإمام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي ثلاثتهم يذهبون إلى عدم مشروعية الجماعة الثانية وما بعدها ، أما الإمام أحمد فالمشهور عنه في كتب أصحابه وأتباعه أن الجماعة الثانية هذه مشروعة ، ويستدل على ذلك بعموم قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( صلاة الجماعة تفضُلُ صلاة الفذِّ بخمس ) ، أو في رواية أخرى : ( بسبع وعشرين درجة ) ، ووجدْتُ للإمام أحمد رواية أخرى في الكتاب المعروف بـ " مسائل أبي داود " عنه ، هذه الرواية الأخرى تلتقي مع ما ذكرناه من مذهب الأئمة الثلاثة ؛ حيث قال الإمام أحمد فيما سأله الإمام أبو داود قال : " تكرار الجماعة في المسجد الحرام والمسجد المدني أشدُّ كراهة " ، ففَهِمْنا من اسم التفضيل في عبارته أن تكرار الجماعة في المساجد بصورة عامَّة مكروهة ، ولكنها في المسجدين الأعظمين مكة والمدينة أشدُّ كراهة .

فبذلك يلتقي الإمام أحمد في هذه الرواية الصحيحة عنه مع مذاهب الأئمة الثلاثة ، وعلى هذا نستطيع أن نقول : اتفق الأئمة الأربعة على كراهة تكرار الجماعة في المسجد الواحد ، ولكن هذا الحكم ليس على إطلاقه ، بل هو خاصٌّ في مسجد موصوف بأن له إمامًا راتبًا ومؤذِّنًا راتبًا ، هذا المسجد الذي له إمام راتب ومؤذِّن راتب فهو الذي تُكره فيه الصلاة ، وقد فصَّل هذا الإمام الشافعي في كتابه العظيم المعروف بـ " الأم " ، فقد قال هناك بكلام عربي مبين : " وإذا دخل جماعة المسجد فوجدوا الإمام قد صلى صلوا فرادى ، فإن هم صلوا جماعة أجزأتهم ، ولكني إنما كرهتُ لهم ذلك لأنه لم يكن من فعل السلف " .

السائل : السلام عليكم .

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

هذا كلام الإمام الشافعي يُصرِّح بأنه إن دخل جماعة المسجد ووجدوا الإمام الرسمي قد انتهى من الصلاة فعليهم أن يصلوا فرادى ، ويُبيِّن أن السبب في حكمه هذا هو أن إقامة الجماعة الثانية بعد الإمام الراتب بدعة لا يعرفها السلف الصالح ، لكني أعود فأقول : فإن هم صلوا على الرغم من ذلك فلا تكون صلاتهم باطلة ، وإنما تكون مكروهة لمخالفتهم طريقة السلف ، ثم يقول : " وهذا في مسجد له إمام راتب ومؤذِّن راتب ، وأما مسجد على قارعة طريق ليس له إمام راتب ولا مؤذِّن راتب فكلما جاءت طائفة صلَّت فيه جماعة ؛ فهذا لا بأس فيه ؛ لأنه ليس فيه المعنى الذي ذكرتُه " .

ومما يؤيد هذا الحكم أي : كراهة تكرار الصلاة في الجماعة الثانية في المسجد الذي له إمام راتب ومؤذِّن راتب ما رواه الإمام الطبراني في " المعجم الكبير " بإسناد حسن أنه زارَه رجلان من أصحابه في بيته ، ثم خرج للصلاة إلى المسجد معهما ، فوَجَد ناس قد انتهوا من الصلاة وأخذوا يخرجون من المسجد ، فرجَع بهما إلى بيته فصلى معهما جماعة ، فلو كان تكرار الجماعة في المسجد أمرًا مشروعًا لم يرجع ابن مسعود بصلاته الفريضة معهما إلى المسجد ؛ لأننا نعلم جميعًا أن المسجد بُنِيَ للفرائض كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( فصلوا أيها الناس في بيوتكم ؛ فإن أفضل ) ، وفي رواية : ( خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) ، فإذ الأمر كذلك فكان يستطيع ابن مسعود بدل أن يرجع إلى بيته يتابع طريقه إلى المسجد ، فيصلى بهم جماعة ، فحينما رأيناه لم يفعل ذلك وإنما صلى الجماعة في بيته فَهِمْنا من عمله هذا أنه أصلٌ ودليل لأولئك الأئمة الذين قالوا : إن تكرار الجماعة في المسجد ... بدعة ليس من عمل السلف ، فهذا يؤكِّد قول الإمام الشافعي ، هذا مما هو مسطور في بطون الكتب .

مواضيع متعلقة