شرح حديث معاوية السُّلمي - رضي الله عنه - في قصة الجارية التي سَأَلَها الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( أين الله ؟ ) . قالت : في السماء . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح حديث معاوية السُّلمي - رضي الله عنه - في قصة الجارية التي سَأَلَها الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( أين الله ؟ ) . قالت : في السماء .
A-
A=
A+
الشيخ : وأخيرًا : نروي الحديث الآتي تأكيدًا لهذا العقيدة ؛ أي : عقيدة استواء الرَّبِّ على عرشه واستعلائه على جميع خلقه من جهة ، وكدليل لإبطال التأويل الذي مصيره إنكار الحقائق الإلهية . يروي الإمام مسلم في " صحيحه " عن معاوية بن الحكم السُّلمي - رضي الله عنه - أنه صلى يومًا وراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فعطسَ رجلٌ بجانبه ، فقال له : يرحمك الله . معاوية بن الحكم السُّلمي يقول للَّذي عطس بجانبه : يرحمك الله ؛ كأنُّو خارج الصلاة لا يعلم أنُّو هذا كلام ولا يجوز للمصلي أن يتكلم ، فنظر إليه مَن كان عن جنبَيه نظرة إسكات ، فما كان منه إلا أن انزعج أكثر من قبل ، وقال : واثكل أمِّياه ! ما لكم تنظرون إليَّ ؟! لسا المسكين لِبُعده عن العلم ما عرف خطأه ، وأنه تكلم في الصلاة ، وأن الكلام مبطل ولو كان بكلمة : يرحمك الله أيها العاطس . فما كان من الصحابة إلا أخذوا ضربًا على أفخاذهم تسكيتًا له .

يقول معاوية : فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة أقبل إليَّ . تصوروا نفسية هذا الإنسان الذي شعر بعد لَأْيٍ بعد زمن أنه مخطئ ، والرسول جاي لعنده ، شو يتصور يساوي معه ؟ بدو يؤنِّبه بدو يجهّله ؛ يا جاهل ؛ مثل ما يعملوا مشايخنا إلا قليلًا منهم يعني ؛ إذا واحد أخطأ خطيئة فاحشة يكاد الإنسان من شدة ما يؤنِّبوه أنُّو يتمنى أنُّو الأرض تبلعه ، يمكن تصوَّر هذا معاوية أن الرسول - عليه السلام - اللي جاي له بدو بقى يخطِّئه ويؤنبه ، قال معاوية : فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل إليَّ ؛ فو الله ما ضَرَبَني ، ولا قَهَرَني ، ولا شَتَمَني ، وإنما قال لي : ( إن هذه الصلاة لا يصلحُ فيها شيء من كلام الناس ، إنما هي تسبيح وتكبير وتحميد ) .

لما رأى معاوية رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الخلق اللطيف الناعم كأنه عاد إلى نفسه يحاسبها إنه جاهل ، فلا بد أن يتعلَّم ؛ لذلك أخذ يُلقي على النبي - صلى الله عليه وسلم - السؤال بعد السؤال ، فقال : يا رسول الله ، إن منَّا أقوامًا يأتون الكهَّان - يعني المنجِّمين والعرَّافين - ؟ قال : ( فلا تأتوهم ) . قال : يا رسول الله ، إن منَّا أقواما يتطيَّرون - يتشاءموا - ؟ قال : ( فلا يصُدَّنكم ) . يعني إذا تشاءَمَ أحدكم لا يتجاوب معها ، يتم ماشي في سبيله ، وهذه طبعًا كلمات سريعة وتحتاج إلى شرح ، ربما في مناسبة أخرى - إن شاء الله - نشرحها . قال : " يا رسول الله ، إن منَّا أقوامًا يخطُّون - ضرب في الرمل يعني - . قال - عليه الصلاة والسلام - : ( قد كان نبيٌّ من الأنبياء يخطُّ ؛ فَمَن وافق خطُّه خطَّه فذاك ) . قال : يا رسول الله . هَيْ كمان جملة تحتاج إلى شرح فيما بعد . قال : " يا رسول الله - وهنا الشاهد - : إن عندي جارية ترعى لي غنمًا في أحد ، فسَطَا الذئب يومًا على غنمي ، فلما أخبَرَتني وأنا بشر ؛ أغضب كما يغضب البشر ، فصكَكْتُها صكَّة . يعني هو ندمان على ما فعل ، فيقول : وعليَّ عتق رقبة . كأنه يسأل الرسول يجزئني أنُّو أعتق هذه الجارية كفارة ظلمي لها بسبب ... عليها وضربي إياها تلك اللطمة . قال - عليه السلام - : ( ايتِ بها ) . فلما جاءت سألها الرسول - عليه السلام - : ( أين الله ؟ ) . قالت : في السماء . قال لها : ( من أنا ؟ ) . قالت : ( أنت رسول الله ) . قال لسيِّدها : ( اعتِقْها ؛ فإنها مؤمنة ) .

هذا الحديث في " صحيح مسلم " فاعتبروا يا أولي الأبصار ، مع كونه في " صحيح مسلم " كثير من المشايخ اليوم ينكرون صحة هذا الحديث من حيث الإسناد ، وإسناده من أصح الأسانيد ، بعضهم ما ... ينكره ؛ لأن السند صحيح ؛ شو يقولوا ؟ يقولوا : الرسول راعى ثقافة الجارية ، الجارية هَيْ بدوية ، فسايرها في مفاهيمها ، هي تعني الله في السماء يعني أنُّو مو هي الأصنام الموجودة الأرض هي اللي خلقت المخلوقات ، إنما غير الأصنام ، الله ، يعني يقولوا أنُّو الرسول - عليه السلام - لما قالت : هي في السماء ما تعني يعني فوق ، وإنما تعني مجرَّد إثبات أن لهذا الكون خالقًا ، وليست هي الأصنام التي تعبدها أهل الجاهلية . نقول لهم : أوَّلًا : رسول الله لا يقرُّ على باطل ولو كانت جارية ، لو كانت بدوية ، واجب الرسول - عليه السلام - يعلِّم المتعلِّم ولَّا يعلِّم الجاهل ؟ فإذا افترضتم أن هذه الجارية جاهلة ، وتتكلم بالباطل في ظنِّكم أنتم ، هنّ ما يقولوا : الله في السماء ، فلما يشوفوا هالجواب من الجارية ، يقولوا : الجارية مخطئة في هذا .

طيب ؛ كيف مخطئة والرسول أقرَّها ؟ إي ؛ أقرَّها لأنُّو هي عنَتْ معنًى مطلقًا مجرَّدًا عن إثبات أن الله له صفة العلو . فنقول لهم : الجارية في الحقيقة يبدو لي من وراء هذه القرون الطويلة أنها أفقه من هؤلاء العلماء لسببين اثنين ؛ أنها أوَّلًا أثبتت ما أثبت الله في كتابه ؛ حيث قال : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا )) ؛ فإذًا الجارية معناه مثقَّفة بثقافة القرآن ، فهي أثبتَتْ وشهدت بما شهد به القرآن ؛ فكيف تقولوا أنُّو هي كانت مخطئة في قولها : الله في السماء ؟ هذا أوَّلًا . ثانيًا : هل تعتقدون أنَّ الرسول - عليه السلام - يقرُّ الباطل ؟ يقولوا : لا . فكيف أقرَّ هذا الجارية على هذا القول الذي تنكرونه ؟ الجارية تقول : إن الله في السماء ، وأنتم تقولون : الله ليس في السماء ؛ فكيف وقف الرسول - عليه السلام - تجاه هذه الجارية موقف المقرِّ للباطل الذي أنتم تعتقدون أنه باطل ؟ فهذا هو إيمانكم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحيٌ يوحى .

هذا الحديث في " صحيح مسلم " ، فالناس اليوم الذين ينكرون علوَّ الله فوق خلقه ما بين منكرٍ له مع صحته ، وما بين مقرٍّ بأن الجارية مخطئة والرسول سايَرَها في كلامها ؛ لأنها قصدت فقط إثبات أن الله هو الخالق . هذا من شُؤم التأويل ، الحقيقة اللي يدرس موضوع التأويل يجد له أخطار لا تكاد تنتهي ؛ من إنكار آيات ، وإنكار أحاديث صحيحة ؛ إما إذا كان النَّصُّ آية فبالتأويل ، وإن كان النَّصُّ حديثًا إما بطريق الإنكار كما هو الشأن هذا الحديث ، أو بطريق التأويل كما يفعل البعض .

مواضيع متعلقة