ورد عن بعض الصحابة في قصَّة ابن الزبير أنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتأمين حتى يرتجَّ المسجد ، ولم ينكِرْ ذلك أحد من العلماء ؛ فما جوابكم عن هذا ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ورد عن بعض الصحابة في قصَّة ابن الزبير أنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتأمين حتى يرتجَّ المسجد ، ولم ينكِرْ ذلك أحد من العلماء ؛ فما جوابكم عن هذا ؟
A-
A=
A+
السائل : بالنسبة للتأمين ... السؤال أحبُّ أن أذكر نقطة الصحابة في ... وكان يرتجُّ المسجد بتأمينهم ، كانوا يرفعون أصواتهم .

الشيخ : إي نعم .

السائل : فالعلماء يقولون : إن هذا دليل على أن رفع التأمين ما في أحد كان ينكر من هذا الرفع ، أقول ما في أحد ينكر ، الدليل أن رفع تأمين المأمومين سنَّة .

الشيخ : نعم ، الجواب على هذا من وجهين اثنين : الوجه الأول عن نفس الدعوى التي حكاها الأستاذ الفاضل ؛ وهي أن العلماء يقولون : أن ما أحدًا أنكر ؛ هذه القاعدة ينبغي أن تُفهَمَ على وجهٍ صحيح ، فنحن نعلم أن كثيرًا من الأمور المُخالفة للسنَّة وقعت ونُقلت إلينا ولم يُنقل مع ذلك الإنكار عليها ، فالإنكار يجب أن يُفسَّر بمعنى أوسع ، فيُقال - مثلًا - : لم يُنكر ذلك ؛ لأن السنة كانت معروفة ، فنضرب على ذلك مثلًا يحضرني الآن ؛ يروي الإمام البيهقي في " سننه " بالسند الصحيح عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان إذا أذَّن قال في أذانه : حيَّ على خير العمل . روى هذا ولم يروِ معه أن الصحابة أنكَرُوا عليه أو غيرهم ممَّن سمع ذلك منه ، وكلنا يعلم أنَّ الأذان النبوي ليس فيه هذه الزيادة ولا أي زيادة قبلها أو بعدها ممَّا هو معروف اليوم ؛ فما هو الجواب عن هذه الزيادة التي وَرَدَت في السند الصحيح عن ابن عمر ؟

الجواب : روى الراوي هذا على سبيل الإخبار والإعلام ، وترك أمر الحكم عليها إلى ما هو ثابتٌ في السنة من الأذان المعروف المحصور في الكلمات التي لا يزال المسلمون يحافظون عليها باستثناء ما قبل الأذان وما بعده من الزيادات في بعض البلاد .

فخلاصة الجواب هو أنَّ عدم نقل الإنكار لا يستلزم عدم وقوع الإنكار ، ومن هنا يقول أهل العلم أنَّ عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه ، وثانيًا : هذا أمرٌ وقع بعد الخلفاء الراشدين وبعد زمن مديد طويل من وفاة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وبدهيٌّ وطبيعيٌّ جدًّا أن تصدر اجتهادات من بعض العلماء ومن بعض الأمراء كعبد الله بن الزبير ويكون له أجره ؛ إن أصاب فأجران ، وإن أخطأ فله أجرٌ واحد ؛ ولا سيَّما أن السلف الأول كان عنده الروح التي ندعُو المسلمين اليوم إليها ، وهي روح التسامح والتناصح الذي لا يؤدِّي إلى الانشقاق وتفريق كلمة المسلمين ، فمن الجائز أن هذا كان رأيًا لعبد الله بن الزبير وكان هو الإمام ، فبطبيعة الحال المقتدون يقتدون بفتوى الإمام ، فحينئذٍ لا يلزمنا نحن أن نتَّبع ذلك الرأي ما دمنا نحن على بيِّنة من أمرنا فيما يتعلق بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .

كلنا يعلم - ونحن في منى - أن عثمان - رضي الله عنه - كان إذا حجَّ ونزل في منى كان يصلي تمامًا ؛ يصلي الصلاة الرباعية أربعًا ، وكان بعض الصحابة ممَّن كانوا معه يُنكرون ذلك عليه بنفسه ، ومع ذلك فكان هذا المُنكر حين يُصلي وراء عثمان وعثمان يصلي تمامًا كان يصلي المُنكر نفسه تمامًا ، ومنهم عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، فكان يُقال له : كيف أنت تنكر عليه الزيادة - أي : الإتمام - ومع ذلك تصلي وراءه تمامًا ؟ فكان يقول : " الخلاف شرٌّ . هذا أثر مروي في " سنن أبي داود " ، فلو أنه لم يُروَ في " سنن أبي داود " وهو من السنن من الكتب الستة ، ورُويت في بعض الكتب التي لم تُنقل إلينا ، ونُقل إلينا فقط إتمام عثمان ، فإذًا لو قال قائلٌ : صلى عثمان تمامًا وما أحد أنكر عليه ! يجوز أنُّو وقع الإنكار ولكن نحن لم نعلم الإنكار ! فالواقع أنَّنا علمنا إنكار البعض على عثمان لإتمام الصلاة في منى ولم نعلم الإنكار على ابن الزبير في جعل المؤتمِّين خلفه ؛ على أنَّ المسألة خلافية ، والخلافيات يُتسامح فيها كما قلنا ؛ مع محاولة المُكلَّف أن يتَّبعَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما استطاع إلى ذلك سبيلًا .

مواضيع متعلقة