ذكر حديث الجارية وتأويل النُّفاة له ، والرَّدُّ عليهم في ذلك ، وكذلك آية : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ذكر حديث الجارية وتأويل النُّفاة له ، والرَّدُّ عليهم في ذلك ، وكذلك آية : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) .
A-
A=
A+
الشيخ : وإذا استحضرنا هذه الآية وما قبلَها من آيات وأحاديث حينئذٍ يحسُنُ بنا أن نأتي إلى حديث الجارية الذي رواه الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث معاوية بن الحكم السُّلمي ، وإذا أردنا أن نعرف انحراف المسلمين اليوم - إلا مَن شاء الله ، وقليلٌ ما هم - عن السنة ؛ فاذْكُرْنَ أن هذا السؤال لا يجوز عند المشايخ ، هذا السؤال الذي وَجَّهَه الرسول - عليه السلام - على سبيل الاختبار والامتحان إلى الجارية لا يجوز لمسلم أن يتلفَّظ به فضلًا عن أن يمتحِنَ به الناس كما فعل الرسول - عليه الصلاة والسلام - .

وإذا لم يجز السؤال لم يجز الجواب عندهم ، فكما أنه لا يجوز توجيه السؤال الذي وجَّهَه الرسول - عليه السلام - إلى الجارية : ( أين الله ؟ ) ؛ كذلك لا يجوز أن يكون الجواب : الله في السماء !! مع أن الجارية التي أجابت بهذا الجواب شَهِدَ الرسول لها بالإيمان ، والعجيب أن تعرفوا أن المشايخ إذا قيل لهم : كيف لا تُجيزون السؤال ولا تُصحِّحون الجواب مع أنُّو الرسول سأل وأقرَّ الجواب ؟! قال : هذا مجاراة من الرسول للجارية ؛ أي : إن الجارية مثل البدوية يعني ما هي مثقَّفة ولا هي متعلِّمة ؛ ولذلك فهو نزل إلى مستواها - كما يُقال اليوم - ، وكلَّمها بالمنطق اللي هي تفهمه ، فهو قال لها : ( أين الله ؟ ) على اعتبار أنُّو عقلها مادي ، تفهم الأسئلة المادية ، وجاوبت جواب مادِّي وقالت : في السماء ، وتعني - هذه تأويلات المشايخ اليوم - تعني أنُّو فيه بالأرض أصنام تُعبد من دون الله ، فالله غير هذه الأصنام ، أما أن الله في السماء لا ، الله لا يُوصف بأنه في السماء ، على الرغم من أن الرسول - عليه السلام - سأل هذا السؤال وقالت الجارية : في السماء ؛ فالجواب خطأ .

فإذا قيل لهم : كيف يقرُّ الرسول - عليه السلام - الخطأ ؟! هنا دارت حماليق عيونهم كأنهم حيارى لا يُبصرون بها ، وهذه حقيقة كلِّ إنسان ينحرف عن النور الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فيُصبح يشكُّ في البدهيَّات في الحقائق ، فمن البدهيَّات أن الرسول لا يُقِرُّ الخطأ ولا يُقِرُّ الباطل ؛ فكيف استساغوا أن يقولوا أنُّو الرسول أقرَّ هذا الخطأ لأنُّو الجارية جارية غير مثقَّفة ؟! هذا لو سُلِّم تأويلهم ، ومع ذلك فتأويلهم من أبطل الباطل ؛ لأن الجارية في الحقيقة قد جاوبت بنصِّ القرآن الكريم .

وهذا مما يُؤسف له أن الجارية راعية الغنم بتكون عارفة بما يجوز لله - عز وجل - من الصفات أكثر من أهل العلم المتخصِّصين في دراسة التوحيد ؛ لأن الجارية التي قالت : " الله في السماء " تُعيد القرآن : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) ، فمن هو الذي في السماء ؟ الله ؛ إذًا الجارية جاوبت بجواب تلقَّتْه من القرآن ، وإذا كنَّا نحن كأشخاص غير مثقَّفين غير متعلِّمين وغير دارسين القرآن كما ينبغي فقد تخفى علينا هذه الآية ، لكن ما بال العلماء والمشايخ الذين يدرسون القرآن ليلًا نهارًا ويدرسون علم التوحيد ؟! ألا يتلون هذه الآية : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) إلى آخرها ؟!

نعم يتلون هذه الآية ، ولكن مِعْوَل التأويل الذي هو مِعْوَل هدَّام لا يزال بأيديهم ؛ ولذلك فقد جاؤوا إلى هذه الآية - أيضًا - فتأوَّلوها في جملة الآيات التي تأوَّلوها ، تعرفوا شو قالوا : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) ؟! أي : الملائكة ، الله ما له علاقة في الآية !! (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) يعني الملائكة . طيب ؛ والله ؟ هل من صفات الملائكة تمام الآية : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا )) ؟ فهذه الصفات التي هي صفات ربِّ العالمين - أيضًا - نَقَلُوها عنه إلى بعض خلقه ؛ ألا وهم الملائكة ، شو سبب هذا التأويل ؟ هو نفس سبب تأويل استوى بمعنى استولى ؛ مع أنُّو تأويل استوى بمعنى استولى أفحش وأخطر من تأويل : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) ؛ ليه ؟ لأنُّو وصف الملائكة بمثل هذه الصفة يُمكن على تأويل أن الله يقدِّرهم على ذلك ؛ أي : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ )) يعني أن الله يأمر الملائكة فتخسف الأرض بِمَن فيها ، ممكن أن تُعطى هذه الصفة للملائكة ، لكن الصفة الأساسية لِمَن ؟ لله - عز وجل - ، لكن تأويل استوى بمعنى استولى عرفتم بأنه باطل من أكثر من جهة واحدة .

إذًا فالمؤمن يجوز أوَّلًا اقتداءً بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يسأل : أين الله ؟ ثم يجب عليه أن يكون الجواب جواب الجارية : " الله في السماء " ، ليه ؟ لأن الآيات والأحاديث متضافرة متوافرة على إثبات صفة العلوِّ لله - تبارك وتعالى - .

مواضيع متعلقة