بيان أن إنكار العلوِّ لله - تبارك وتعالى - هي طبيعة الملاحدة قديمًا وحديثًا وذكره لبعض الأدلة على علوِّه - سبحانه وتعالى - . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان أن إنكار العلوِّ لله - تبارك وتعالى - هي طبيعة الملاحدة قديمًا وحديثًا وذكره لبعض الأدلة على علوِّه - سبحانه وتعالى - .
A-
A=
A+
الشيخ : ونجد أن إنكار الفوقية هي طبيعة الملاحدة قديمًا وحديثًا ، فاسمعوا - مثلًا - إلى قول فرعون حين قال لوزيره هامان : (( ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا )) يُكذِّب موسى - عليه الصلاة والسلام - K ويريد أن يُكذِّبه ببرهان مادي يُخيِّل به على أتباعه الذين ألَّهوه من دون الله - تعالى - بأن يبنِيَ قصرًا شامخًا رفيعًا ممتدًّا هكذا في السماء ، إيه ماذا يعني بهذا البناء الشاهق الرفيع ؟ قال : (( لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى )) الذي يقول ، ماذا يقول موسى ؟ أنُّو الله فوق ، (( وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا )) ، سأبني هذا البنيان الشامخ الرفيع ، ثم لا أجد الإله الذي يدعوكم موسى إلى عبادته من دوني ، فرعون يقول هكذا .

إذًا هذه الآية فيها إثبات حقيقة وهي التوحيد ووجود الله - عز وجل - ، وإثبات مَن كان يُنكر هذه الحقيقة ، هذه الآية فيها إثبات أن الأنبياء والرسل وفي مقدِّمتهم موسى - عليه الصلاة والسلام - كان يُثبت لله صفة الفوقية وصفة العلوِّ والاستعلاء على عرشه ، وأنه دعا موسى فرعون وجُنْدَه إلى أن يؤمنوا بهذا الإله الموصوف بصفة الفوقية ، فكذَّبَه موسى بقوله : (( وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا )) . وفي الآية إثبات أن الذي يُنكر هذه الصفة صفة الفوقية فإنما هو ملحد كفرعون تمامًا ، هذه الآية من جملة تلك الآيات التي تثبت هذه الصفة ، ويجب أن نتنبَّه لهذه الآية إذا تَلَوناها ، فنفهم أن فيها إثبات لهذه الصفة وردّ على فرعون الذي أنكرها في ردِّه على موسى وقومه : (( وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا )) .

كذلك هناك آية : (( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )) ؛ فإذًا لله صفة العلوِّ ؛ ولذلك يرفع العمل الصالح إليه .

كذلك - وهذا من عجائب الأمور - قال - تعالى - : (( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ )) ، فالملائكة تعرج ؛ هل معنى العروج النزول أم الصعود ؟ الصعود ، تعرج إلى من ؟ إلى الله - تبارك وتعالى - ، تُقدِّم إليه ما سجَّلَتْه من أعمال الإنسان في الأرض ، والأدهى من هذا كله أن المسلمين جميعًا يُؤمنون بأن الله عَرَجَ بنبيِّه إلى السموات العلى ، إلى مَن عرج ؟

هؤلاء الذين ضيَّعوا أنفسهم ، ضيَّعوا ربهم فضيَّعوا أنفسهم يُثبتون حقائق وينكرون حقائق ، يثبتون هذه الحقيقة ، ويحتفلون بها كل سنة أن الله عَرَجَ بنبيِّه إليه ، وإلا إذا كان الله ليس له صفة العلوِّ فإلى من عرج الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؟! إذا كان - كما يتوهَّمون - الله موجود في كل مكان ؛ فإذًا الرسول هذا العروج لم يكن عروجه إلى الله ؛ لأن الله معنا في كل مكان ، وسيأتي البحث على كلِّ حال في قوله - تعالى - : (( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ )) .

إذًا فهذه الحقائق حينما يدخل التأويل تتعطَّل هذه الحقائق من أذهان الناس وتتبخَّر ، ويصير أمرُهم أنهم يُنكرون ما أثبَتَ الله - عز وجل - في كتابه وما شرَحَه نبيُّه - صلى الله عليه وسلم - في الحديث .

فلنذكر - مثلًا - من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وهذا حديث - أيضًا - يلهج به الناس ويروونه بمناسبات كثيرة كما يذكرون الإسراء والمعراج ، ثم لا يتنبَّهون أبدًا بأن فيه إثبات صفة الفوقية لله - عز وجل - ، من منَّا لا يعرف قول الناس اليوم : ( ارحموا مَن في الأرض يرحَمْكم مَن في السماء ) ، ( ارحموا مَن في الأرض ) هنا إذًا فيه أمران متَقابَلان ، أو شيء مقابل شيء ، فشيء في الأرض وشيء في السماء ، ( ارحموا مَن في الأرض ) ، مَن هم مَن في الأرض ؟ ممَّا خلق الله - عز وجل - : ( يرحَمْكم مَن في السماء ) من هو الذي في السماء ؟ الله - تبارك وتعالى - .

فيُنكرون - أيضًا - هذا الذي يلهجون به صباح مساء ليلًا نهارًا ، الله في السماء ، وليس هذا مما اقتصر به الحديث ، ففي القرآن الكريم في سورة تبارك التي يُسَنُّ قراءتها قبل النوم : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ )) ؛ إذًا الله في السماء ؛ فكيف يُقال : الله في كلِّ مكان ؟

مواضيع متعلقة