هل لعاب الكلب نجس مطلقًا ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل لعاب الكلب نجس مطلقًا ؟
A-
A=
A+
السائل : يسأل السائل فيقول : لعاب الكلب نجس ، وأمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم ؛ فليغسله بالماء والتراب ) ، ولكن سمعنا من أحد العلماء : إذا كان الكلب مبلَّلًا ، ووصل الماء إلى ثيابك ، فيجوز أن تصلي بها ، ويعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بغسله بالماء والتراب ، ما الحكم هنا ؟

الشيخ : ليس في الحديث الأمر بغسل ما أصاب من بلل مثل ... من إناء أو ثوب أو نحوه ، فإنما فيه : ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم ) ، ولذلك فالمسألة تختلف ، إذا أصاب بلل الكلب ثوبًا ، وظهر أثر هذا البلل على أنه نجاسة ظهرت في الثوب وجب غسله ، أما مجرد ظهور بلل انتقل من الكلب إلى الثوب ؛ فهذا لا يعني أن هذا البلل هو ماء نجس ؛ لأنه ليس هو اللُّعاب الذي أمر الرسول - عليه الصلاة والسلام - بغسل الإناء الذي وجد فيه سبب ولوغ الكلب ، فيبدو - والله أعلم - أنه الذي سُمع من ذاك العالم جواب سديد ، إلا أنه من باب الاحتياط ودقة البيان ؛ لا بد من القول : إذا لم يظهر من هذا البلل نجاسة في الثوب ، وهذا الذي أعتقده يقوله كلُّ فقيه .

السائل : السائل يقصد ... .

الشيخ : أنا عارف والله ، إذا كان ما انتقل من بلل جسم الكلب إلى الثوب ظهر فيه النجاسة ؛ فحكم إزالة النجاسة معلوم ، وإذا لم يظهر فالحكم كما سمعتم .

الحضور : ... .

الشيخ : يا جماعة ، لا ينبغي أن نحكم عقولنا ... الرسول يقول ( إذا ولغ ) ، معنى هذا يقينًا انتقل لعاب الكلب إلى الإناء ، فترتب الحكم المقول به ، وهو غسل الإناء سبعًا إحداهنَّ بالتراب ، أو ثمانية كما جاء في حديث عبد الله بن مغفّل ، أما الصورة المسؤول عنها فلا نعلم يقينًا انتقال النجاسة هذه إلى الثوب ؛ فنتوهَّم أو نظنُّ - وقد يتحقق - أنه انتقل إلى هذا الثوب ، فيختلف حكم ولوغ الكلب في الإناء عن مجرد تماسِّ بدن الكلب مع طاهر ما ، ففي هذه الحالة الثانية لا نعلم يقينًا أن النجاسة انتقلت من الكلب إلى الثوب ، ففرق بين الأمرين تمامًا .

السائل : ... .

الشيخ : ولوغ الكلب طبعًا بالفم ، قلنا نحن آنفًا الكلب لو افترضنا الآن صورة الكلب سبَّح في النهر سبَحَ وخرج ، وراقبناه تمامًا أنه ما مسَّ بلعابه بلسانه بدنَه ، لكن لا يزال فيه آثار بلل الماء الذي شاهدناه ، فمسَّ ثوب إنسان ؛ هل يقال في هذه الحالة يجب غسل هذا الثّوب ؟ أظن أنه لا قائل بهذا ، لم ؟ لأن اسم الكلب في هذا الوضع ... البيِّن هو ماء ؛ لأننا رأيناه نزل في النهر وسبح ، وهو سبِّيح ماهر ، فهذه الصورة الواضحة تقابل النص وهو : ( إذا ولغ الكلب ) ، فهنا النجاسة تنتقل إلى الإناء بسبب الولوغ ، لا شك أن بين الصورة التي ذُكرت في الحديث من الولوغ ، وبين الصورة التي صورتها لكم آنفًا ، هناك صور أخرى يمكن للإنسان أن يتخيَّلها ، فإذا كانت الصورة في وضع ممكن نقول يغلب على الظن - ظن المكلف - أنه انتقل من نجاسة الكلب التي كانت على بدنه إلى ثوب المسلم ، إذا كانت هذه الغلبة قامت في نفس المكلّف ؛ فحينئذ هو يتجاوب مع هذا ويغسل ثوبه ، والعكس بالعكس ، فأنا كنت أجيب - ولا أزال أقول - : أنه لا تلازم من وجود بلل في ثوب ما كان انتقل من بدن الكلب إلى الثوب ، لا تلازم بين هذا وبين أن يكون المنتقل نجاسةً لغلبة الظن ، فنعلم جميعًا أن الأحكام الشرعية تُبنى على غلبة الظن ، وليس من الضروري أن يكون هناك يقين ، يكفي في الأحكام الشرعية غلبة الظن هذا من جهة ، كما أنه لا يجوز من جهة أخرى أن تُبنى الأحكام الشرعية على التوهم ، وعلى الظن المرجوح ، فالظن ظنان ؛ ظن راجح ، وعليه تقوم الأحكام كما ذكرنا ، وظن مرجوح ، وعليه تقوم الأوهام ، ولا يجوز الحكم في الشرع بوهم من الأوهام .

السائل : ... الماء الذي يُراق بولوغ الكلب ؟

الشيخ : الذي يُراق قسمان ، فإذا ولغ في بحيرة أو في بئر فلا يجب نضحه ؛ لأن الحديث جاء مقيَّدًا بإناء لأحدكم ، وليس في بحيرة أحدكم ، أو بحر أحدكم .

السائل : ... .

الشيخ : نعم ، هل هناك إناء يصدق عليه هذا ... إناء أحدكم ؟ أم أنت تتخيل تخيلًا ؟

السائل : ... .

الشيخ : حينئذٍ هذا التخيل تدخله ليس في موضوع ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم ) ، وإنما تُدخله في موضوع فيما يتنجَّس الماء الكثير بصورة عامة ، ثم ما هو الماء الكثير ؟ هل هو القلَّتان - كما هو مذهب الشافعي - ؟ أم هو الماء الكثير الذي لم يتغيَّر طعمه أو لونه أو ريحه ؟ فسواء كنت مع هؤلاء الذين يقولون بعموم هذا الحديث : ( الماء طهور لا ينجِّسه شيء ) ، ... ما لم يتغيَّر أحد أوصافه الثلاثة ، أو كنت مع القائلين بحديث القلَّتين ؛ فحينئذٍ طبِّق هذه القاعدة أو تلك على الماء الذي وُجد فيه لعاب الكلب ، أما أن ... إلى صورة لم تكن متحقِّقة في عهد الرسول - عليه السلام - ؛ فهذا تحميل للحديث ما لا يتحمَّل .

مواضيع متعلقة