حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يَا عَبَّاسُ عَمَّ النَّبِيَّ ، أَكثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ بِالعَافِيةِ ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يَا عَبَّاسُ عَمَّ النَّبِيَّ ، أَكثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ بِالعَافِيةِ ) .
A-
A=
A+
الشيخ : الحديث الخامس قال : وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( يَا عَبَّاسُ عَمَّ النَّبِيَّ ، أَكثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ بِالعَافِيةِ ) رواه ابن أبي الدنيا والحاكم وقال : صحيح على شرط البخاري .

في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خصَّ عمَّه العباس بهذه النصيحة بعد أن عمَّ الناس بها ، ولكنه قال له : ( أَكثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ بِالعَافِيةِ ) ، وهذا الحديث في الواقع يذكِّرنا بأمر قد يغفل عنه بعض الناس حينما يذهبون مذاهب في الاستنباط والتأويل بعيدةً عمَّا كان عليه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في حياته العامة من جهة ، وفي نصائحه التي كان يوجِّهها إلى أصحابه بل أحبائه من جهة أخرى .

أريد من هذه التوطئة التذكير بما نقول لكم دائمًا وأبدًا : إن القراءة على القبور ليست من السنة في شيء ، وإنما السنة أن المسلم إذا زار القبور أن يسلِّم عليهم وأن يقول كما علَّمنا الرسول - عليه السلام - أو علَّم أصحابه الكرام بصورة عامة وعلَّم حِبَّه - عليه الصلاة والسلام - بصورة خاصة ؛ ألا وهي السيدة عائشة ، قال لها في تلك الليلة التي كانت النوبة عندها ، نوبة الرسول - عليه السلام - في كل ليلة عند زوجة ، فكانت نوبة السيدة عائشة ، فاضطجع الرسول - عليه السلام - على فراشها ، ثم لم يلبَثْ إلا شيئًا قليلًا ثم انسلَّ انسلالًا جميلًا ، وخرج من الحُجرة إلى المسجد ، ومن المسجد إلى البقيع ، وأحسَّت بذلك السيدة عائشة ، فوسوس وسواس إليها بشيء ، فمشَتْ خلف الرسول - عليه السلام - تريد أن تعلم أين يذهب الرسول - عليه السلام - في هذا الليل ، لعله يذهب إلى بعض ضرَّاتها ، وإذا به - عليه السلام - يذهب إلى البقيع ، ويقف هناك طويلًا يسلِّم ويدعو .

وبالطبع انتهى ، ثم رجع - عليه السلام - القهقرى ، فرجعت هي ، ورسول الله يسرع وهي تسرع ؛ حتى انضمَّت إلى فراشها ، وسرعان ما دخل الرسول - عليه السلام - عليها فرآها تتنهَّد ، صدرها يعلو وينخفض ، قال لها : ( ما لك ، يا عائشُ ، حَشْيَا رابية ؟! ) هل رابك شيء ؟ ( لقد جاءني جبريل آنفًا قال : إن ربَّك يقرئك السلام ، ويأمرك أن تذهب إلى البقيع وتستغفر لهم ) ، تستغفر لهم ، ففي بعض الروايات أن السيدة عائشة - رضي الله عنها - تُشير إلى ندمها ، وتقول : أين أنت وأين أنا يا رسول الله ؟ أي : أنتَ تسعى في ظلمة الليل إلى مقابر المسلمين لتستغفر لهم وتدعو لهم بالخير ، وأنا فكري مشغول لعلك ذهبت مذهبًا لا يليق بك ، إي نعم ، فاغتَنَمَتْها فرصة - وهنا الشاهد - قالت : يا رسول الله ، إذا أنا زُرْتُ القبور ماذا أقول ؟ قال : ( قولي : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا - إن شاء الله - بكم لاحقون ، أنتم لنا فَرَط ، ونحن لكم تَبَعَ ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، اللهم اغفر لهم ، اللهم ارحمهم ) .

( نسأل الله لنا ولكم العافية ) .

السائل : ... .

الشيخ : فَرَط يعني الذي يتقدَّم القوم ويسبقهم ليهيِّئ لهم المنزل .

السائل : ... .

الشيخ : إي نعم .

الشاهد : ( نسأل الله لنا ولكم العافية ) هذه اللفظة في مثل هذا المكان يؤيِّد ما قلت لكم آنفًا حينما قال الرسول - عليه السلام - : ( سلوا الله العفو والعافية ) ، وقلت : إنهم فسَّروا العافية بالتفسير إيش ؟ مادي ، فقلت : لعله الأولى أن نوسِّع المعنى فيشمل العافية المادية والروحية ، وهذا دليل ؛ لأن الأموات ماتوا ، فسؤال العافية لهم ماذا يعني ؟ سلامتهم من حيث العاقبة .

الشاهد : ... عائشة ، وهي التي لما سُئل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - عن أحبِّ الناس إليه كان جوابه : ( عائشة ) ؛ إذًا فأحبُّ الناس إلى الرسول يسأل الرسول أنا إذا زُرْتُ القبور ماذا أقول ؟ فلا يزيدها على هذا السلام المنقول ، فنحن نقول : هل يظنُّ ظانٌّ بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه أُوحِيَ إليه شرع فيه قراءة القرآن عند زيارة القبور ، فيه قراءة : (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )) إحدى عشرة مرة ، فيه قراءة سورة يس ، فيه قراءة الفاتحة ، ثم يكتم ذلك الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الناس جميعًا من جهة ، بل وعن أحبِّ الناس إليه ألا وهي السيدة عائشة من جهة أخرى ؟! ممكن هذا يدخل في عقل مسلم ؟ هذا مستحيل ، لكن - مع الأسف الشديد - قد دخل هذا في عقول جماهير المسلمين ، والسبب في ذلك أمر بسيط وسهل جدًّا ؛ هو انصرافهم عن الاهتداء بهدى السنة ، ( خير الهدى هدى محمد ) ، لم يعُدْ جماهير المسلمين يُعنَون بدراسة السنة مع الكتاب بطبيعة الحال ، واستغنَوا عن ذلك بقراءة كتب ألَّفَها مؤلفون صالحون علماء ، ولكن مهما قيل في مدحهم وفي تزكيتهم فهم لا يبلغون شعرة من بدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يُمدح به الإنسان .

نحن ننصح المسلمين دائمًا وأبدًا أن يرجعوا إلى هدي الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في كل شيء ، في كل كبير وصغير ، ومن ذلك السلام على الأموات بهذا الدعاء الذي مما فيه : ( نسأل الله لنا ولكم العافية ) ؛ لأنه كما سمعتم من أفضل الدعاء .

وبهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .

مواضيع متعلقة