ما رأيكم في تقبيل أيدي العلماء والقيام لهم ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما رأيكم في تقبيل أيدي العلماء والقيام لهم ؟
A-
A=
A+
عيد عباسي : ما رأيكم بتقبيل أيدي العلماء والقيام لهم ؟

الشيخ : أما القيام فلا وجه له في الإسلام ، القيام للداخل منهيٌّ عنه ؛ سواء كان كبيرًا أو صغيرًا ، كان شيخًا أم فتيًّا ، عالمًا أم أميرًا . الإسلام أدبُه في هذه المسألة في القرآن الكريم : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ )) ، هذا هو الأدب ، دخل إنسان له وجاهة له منزلة صلاح علم تقوى إلى آخره وسِّعوا له ، أما القيام فهذه وثنية فارسية معروفة منذ قديم الزمان .

لو كان القيام مشروعًا أو على الأقل مستحبًّا لإنسان في الدنيا بسبب علمه وصلاحه وكلِّ الخصال الصالحة لَكان ذلك محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومع ذلك فقد جاء النَّصُّ الصحيح في السيرة من حديث أنس بن مالك قال - وهو خادمه الذي سمعتم أن النبي دعا له بالخير - قال أنس : " ما كان شخصٌ أحبَّ إليهم من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وكانوا لا يقومون له لِمَا يعلمون من كراهيته لذلك " . لا يقومون للرسول وهو أحقُّ الناس بمثل هذا القيام والإكرام لو كان مشروعًا ، ما يقومون له ؛ لأنهم علموا منه أنه يكره ذلك .

هذه هي كراهة شرعية أم كراهة طبعيَّة فطرية ؟

للعلماء والشُّرَّاح قولان ؛ منهم ومنهم ، نحن نقول : وإن كان الراجح عندنا الأول بطبيعة الحال ، ولكننا نجادل الذين يأخذون من الأقوال ما يناسب الحال ؛ الذين يقولون الكراهة هناك كراهة شخصية ما هي شرعية ؛ تُرى لو تشبَّهَ أحدهم به - عليه السلام - في هذا الطبع ؛ أليس خيرًا له من العكس ؟ لا شك في ذلك ، فالقضية لا تحتاج إلى الكثير من الجدل لولا الهوى ولولا حب الظهور ، و " حبُّ الظهور يقطع الظهور " كما يقولون .

أما تقبيل اليد = -- كأني أسمع الأذان --

سائل آخر : إي نعم . --

= الشيخ : أما تقبيل اليد ؛ فقد ذكرت أكثر من مرَّة له أصل في الشرع ؛ أي بأنه يجوز تقبيل جنس واحد من البشر وهو الرجل العالم الصالح ؛ بس . ثم هذا الجواز في حدود نادرة جدًّا ؛ يعني وقائع لم تقع في عهد الصحابة بالعشرات ، كل عصر الصحابة ، مرة ومرتين وقع للرسول - عليه السلام - ، مرة مرتين وقع لبعض الصحابة وهكذا .

أما هذا الأمر الجائز النادر وقوعُه في زمن السلف الصالح نجعَلُه شريعة ونجعله من آداب المريدين مع مشايخهم أو من آداب طلاب العلم مع علمائهم ؛ فهذا لا أشكُّ بل أقطع بأنه بدعة ضلالة ؛ لأنُّو كل شيء خالف مجمل الحياة التي كان يحياها سلفنا الصالح فهو بلا شك من محدثات الأمور . وأنتم تسمعون في كلِّ درس ( كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) .

العلماء الفقهاء حقيقةً بيدقِّقوا في بيان الفرق بين المسائل فقهًا وعملًا ؛ خاصَّة منهم علماء الحنفية الذين يقولون : لا يجوز المواظبة على السنة خاصَّة من أهل العلم والقدوة خشيةَ أن يتبادر إلى أذهان العامة بأن هذا أمر واجب لا بد منه ؛ بدليل الشَّيخ الفلاني دائمًا بيفعله ، والشَّيخ الفلاني والشَّيخ الفلاني ، والناس فطرةً يتأثروا بفعل الكُمَّل من الرجال أكثر مما يتأثرون بأقوالهم بل وبأوامرهم ؛ حتى هناك أمثلة في السنة يعرفها بعض الناس .

الخلاصة : فهؤلاء يقولون : السنة ينبغي تركها أحيانًا حتى لا يتبادرَ إلى أذهان بعض الناس أنها من الأمور الواجبة ، وإذا تبادر إليهم ذلك معناها صار فيه تغيير في الشرع سبَبُه مواظبة هؤلاء الناس على السنة وهي سنة مشروعة ، فماذا نقول عن أمر جائز ؟ أقل ما يُقال : جائز وبشروط ضيقة جدًّا ، وذكرت هذه الشروط في بعض مصنَّفاتي وبعض محاضراتي ، منها - مثلًا - وهذا شرط مفقود اليوم مع الأسف أنُّو ما يحب هذا الذي يُقبَّل يده بدو الواحد اللي بدو يقبِّل يده يعمل معركة معه حتى يحظى بالتقبيل ؛ لأنُّو هذا بيدل على أنُّو الرجل ما يلتفت لهذه المظاهر ، أما إذا كان هو يرغِّب الناس إما بلسان الحال أو بلسان القال فأين يجوز لهذا أن يجعل هذا سنَّة رتيبة بينه وبين طلابه ؟ علماء الأحناف قالوا - مثلًا - كمثال قراءة سورة السجدة في صبح الجمعة ؛ قالوا : ينبغي على الإمام أن يدَعَها أحيانًا حتى ما يُلقى في أذهانهم بسبب المواظبة عليها أن هذا أمر واجب . وهذا فعلًا وقع بين العامة ولي قصة في ذلك ذكرتها في بعض الأحيان .

خلاصة القول : القيام لا وجه له إطلاقًا ، ولكن نذكِّر القيام للإكرام ، أما القيام لاستقباله من صاحب الدار - مثلًا - هذا بحث ثاني ، أما القيام للإكرام فكما سمعتم ، " ما كان شخصٌ أحبَّ إليهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكانوا لا يقومون له " ، أما القيام إليه فهذا شيء آخر . والناس لِجَهلِهم باللغة العربية وآدابها يخلطون بين قام له وقام إليه ؛ ولذلك تجد بعض أهل العلم فضلًا عن غيرهم يحتجوا علينا بقوله - عليه السلام - : ( قوموا إلى سيِّدكم ) ، إي لكان الرسول أمر بالقيام ! يا أخي ، أمر بالقيام إليه وليس بالقيام له ، ومعنى قوموا إليه يعني انتهوا إليه روحوا لعنده ، شوفوا شو بدو حاجة إعانة إلى آخره ، فهذا القيام له بحثنا هنا ، " كانوا لا يقومون له لِمَا يعلمون من كراهيته لذلك " ، وخير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصَّة فيما له علاقة بالمحافظة على الخلق الإسلامي والتواضع .

وبهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .

مواضيع متعلقة