تتمة الكلام على فضل إفشاء السلام وتفريط المسلمين فيه . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
تتمة الكلام على فضل إفشاء السلام وتفريط المسلمين فيه .
A-
A=
A+
الشيخ : ... اليوم في أحسن البلاد - فيما يُظن - وأقربها إلى الأحكام الشرعية ، هي البلاد السعودية ، ومع ذلك ما فيه إفشاء السلام هناك ، أما هنا تقول له السلام عليكم ، يقول لك مرحبًا , يقول لك : أهلاً وسهلاً ، فأين هذا ؟ نحن نتكلم الآن عن رد السلام ، أين إفشاء السلام ؟ ، رد السلام غير متحقق في هذه الأيام ، فلو كان إفشاء السلام بل رد السلام يتطلب إلقاء السلام ، فلو كان إلقاء السلام فاشيًا , وليس إفشاء السلام هو الفاشي ، لو كان هذا فقط كنا نقول : والله الجواب أن هذا الإلقاء صار عادة لا ينطوي تحتها المعنى الشرعي الذي رمى إليه الشارع الحكيم حينما حض على إلقاء السلام وعلى رد السلام ، وجعل من حق المسلم على المسلم إذا لقيته فسلم عليه ، لو كان هذا الإلقاء سائدًا وواقعًا في البلاد الإسلامية ؛ مع ذلك جاءت تلك الشبهة ما عم نشوف فيه أمان واطمئنان وتوادد وتحابب إلى آخره ، فجوابنا على ذلك أن هذه عادة لا فرق بين مسلم يقول : السلام عليكم , وآخر يقول صباح الخير وآخر يقول مساء الخير ؛ لأنهم كلهم يمشون على عادات وتقاليد ، كل ما في الأمر أن هذا خير من هذا ، اللي يقول السلام عليكم خير من ذاك , لكن ليس المقصود بالقضية اللفظية كما نعلم نحن من كل الأوراد الشرعية ، ومنها السلام عليكم ينبغي أن نلاحظ فيه المعنى ، فإذا فرضنا خلاف الواقع أن رد السلام ماشي وسائد فالجواب هو هذا ، ولكن ما بالك أن إلقاء السلام مش ماشي ولا هو سائر ، فضلاً عن رد السلام ؛ لأنك تلقي السلام فلا تلقى الجواب إلا مرحبًا أهلاً ، وتحكي مع الناس وكأنك تتكلم مع الجدر ، مع الحيطان , وكأنك تسحب رد السلام منه بعد محاضرة بالونش ، يقول لك وعليكم السلام رغم أنفه , لكن سرعان ما ينسى ، سرعان ما ترجع حليمة إلى عادتها القديمة ، تقول له السلام عليكم ، يقول لك أهلاً ،وين السلام ؟ طاح السلام وراح ، كنت حينما أمشي مع المشايخ هناك في المدينة المنورة ، رتل جماعة ماشين مع بعض , ملتهي أنا مع أحد المشايخ عهدي أن الشيخ فلان الذي كان يمشي جنب مني طلع ما ألاقيه ، شو قصته ؟ انسحب ، لا قال السلام عليكم ، ولا أشعرنا بانصرافه ، وهذا من ؟ العالم الواعظ الفاضل ، فما بالك بعامة الناس ! لذلك الحقيقة يا إخواننا يجب أن نستحضر دائمًا وأنتم أطباء ، يجب أن نستحضر أن الشريعة بكل أحكامها هي ما أدري ماذا أقول بلغتكم لغة الطبابة .؟ هي التي تعالج شتى الأمراض بمختلف الأدوية ، والأمراض في المجتمع متعددة متنوعة كأمراض معنوية أكثر بكثير من الأمراض المادية البدنية الجسمية ، فإذا المسلمون أخلوا بالأخذ بشيءٍ من الأحكام الشرعية فمثلهم كمثل المرضى الذين توصف لهم الوصفات الطبية ، ويذكر فيها تفاصيل الأدوية التي ينبغي على هؤلاء المرضى أن يتعاطوها ، فمثل المسلمين الذين لا يطبقون الأحكام الشرعية ، أعني من ألفها إلى يائها من فرضها ونفلها ، فلا بد أن يشتد بهم المرض وأن يشتد ، وهذا هو الواقع الذي نراه اليوم بين المسلمين فلا يحتقرن مسلم منا بعض التعليمات التي مع الأسف الشديد يوجد في بعض الجماعات الإسلامية أو لنقل الأحزاب الإسلامية من قد يسمي شيئًا من تلك الأحكام الشرعية بأنها قشور ، وأن علينا أن نشتغل باللباب , فهذا من الدسائس التي ألقاها الشيطان وجعلها سنة في بني الإنسان ألا وهو تقسيم الشريعة إلى لب وإلى قشر ، إلى لب وإلى قشر .

نحن نقول هنا شيئين : الشيء الأول الذي شرع القشر إن تسامحنا معهم في التعبير هل شرع ذلك عبثًا ؟ الجواب لا ، والمثال في الماديات حينما ربنا - عزَّ وجلّ - متعنا بكثير من الثمار والحبوب فقد أحاطها أيضًا بالقشور ، لم يكن ذلك عبثًا ، تعالى الله من ذلك فالأحكام الشرعية إذا سلمنا معهم جدلاً أن فيها ما يجوز أن نسميه بالقشور ، فما ينبغي أن نتوهم بأن هذه القشور ربنا شرعها لنا عبثًا ، ذلك لأننا نعلم أن المحافظة على اللب لا وسيلة إليه إلا بالقشر ، هذا أبسط مثال معروف بين أيدينا , هذا الشيء الأول .

الشيء الآخر حينما يقال الإسلام لب وقشر ، هنا يأتي شيء الآن : أين اللب وأين القشر ؟ من الذي استطاع أن يميز اللب من القشر ؟ أولاً هذه لغة حديثة لم تكن من قبل , يعني علماء السلف الأئمة الأربعة والأربعين والأربعمائة والأربع آلاف لا يعرفون هذه القسمة الضيزى ، الإسلام لب وقشر ما يعرفون هذه القسمة ؛ لو أنهم - وقد عافاهم الله من ذلك - ابتلوا في مثل هذه القسمة ، لكان من تمام علمهم وفضلهم أن يميزوا اللب من القشر ، حتى الإنسان إذا أحب أن يأخذ الطحين الصافي مُصفى من النخالة مثلاً وجده مصفًا لكن لا يوجد في الإسلام شيء متميز لبه من قشره إذا سلمنا بهذه القسمة الضيزى , محذور هذا أن تتعدد الاجتهادات ليس من المجتهدين في آخر الزمان ولكن من الجهلة , فكلما راق لإنسان ما حكم ما قال هذا لب ، وكلما لم يرق له قال هذا قشر ، فألقى بالقشر وهو لب ؛ لأنه يجهل ، ولذلك هذه الحقيقة اليوم نحن نحياها ونعيشها - مع الأسف الشديد - كثير من الأحكام الشرعية تهدر وتهمل باسم أن هذه قشور , وربما قرأتم أخيرًا كتاب الغزالي , وكيف أنه يهاجم أحكامًا شرعية ، باسم أنه هذه من القشور وليست من اللباب إلى آخره ، ولذلك فإذا كان الإسلام شرع ، إذا كان رب الإسلام شرع هذا الدين معالجة لأدواء المجتمعات كلها ، فيجب أن نأخذ بأدوية هذا الإسلام ، وأن لا نهمل شيئًا منها وإلا إما أن تكثر الأمراض ، وإما أن يشتد بعضها حتى يكون من عواقبها الموت اليقين .

مواضيع متعلقة