التَّذكير ببعض آداب المجلس ، مع ذكر بعض الآحاديث الدالة على ذلك . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
التَّذكير ببعض آداب المجلس ، مع ذكر بعض الآحاديث الدالة على ذلك .
A-
A=
A+
الشيخ : لقد روى الإمام أحمد في " مسنده " من حديث أبي ثعلبة الخُشَني - رضي الله عنه - قال : " كنَّا إذا سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فنزلنا منزلًا تفرَّقنا في الوديان والشعاب ، فسافرنا مرَّة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزلنا منزلًا وتفرَّقنا فيه كما كنا نتفرَّق دائمًا " ، فقال لهم - عليه الصلاة والسلام - : ( إنما تفرُّقكم هذا في الوديان والشِّعاب من عمل الشيطان ) . قال أبو ثعلبة : " فكنَّا بعد ذلك إذا سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سفرًا اجتمعنا وانضمَّ بعضنا إلى بعض ؛ حتى لو جلسنا على بساط لَوَسِعَنا " .

ففي هذا الحديث اهتمام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بتجميع المسلمين بأبدانهم وأشخاصهم ، وتحذيره إياهم من أن يتفرَّقوا في ذلك حتى في السفر في الوديان والشعاب ، واستجاب أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لتوجيهه هذا ، فكانوا بعد ذلك لا يتفرَّقون تفرُّقَهم السابق ، وكانوا يتضامُّون بعضهم إلى بعض ؛ حتى أنهم مع كثرتهم لو جلسوا على بساط واحد لَوَسِعَهم ، فهذا التفرُّق الذي لم يكن إلا في السفر لم يرتَضِهِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما نهاهم عنه ، فماذا يكون الشأن فيما إذا تفرَّقَ أهل العلم وطلاب العلم في مجالسهم العلمية ؟ لا شك أن هذا التفرُّقَ يكون من عمل الشيطان من باب أولى ؛ ولذلك فنحن نذكِّركم على اعتبار أن قسمًا طيِّبًا منكم يُرجى أن يكونوا من المسؤولين في توجيه الأمة وتعليمهم الكتاب والسنة ، فهذا من السنة التي ينبغي أن يبدؤوا بتذكير الناس بها ؛ ألا وهي تجميعهم في المجلس الواحد ، وأن لا يظلُّوا هكذا متفرِّقين بعضهم بعيدًا عن بعض .

وقد تأيَّدَ هذا الحديث من حيث مضمونه الذي يحضُّ على تجميع الناس في المجلس وينهى عن تفرُّقهم فيه حديث آخر رواه الإمام مسلم في " صحيحه " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد فوَجَدَهم فيه متفرِّقين ، فقال - عليه الصلاة والسلام - لهم : ( ما لي أراكم عزين ؟! ) أي : متفرِّقين . فكذلك نفهم من هذا الحديث أن التفرُّق في المسجد - أيضًا - بل هو من باب أولى أنه لا يُشرع ، بل ينبغي عليهم أن يجتمع بعضُهم إلى بعض ، وأن يهتمُّوا بسماع العلم والموعظة الحسنة .

ونهي الرسول - عليه الصلاة والسلام - عن هذا التفرُّق يرتبط مع تلك القاعدة التي أشرنا إليها أن الإسلام يهتمُّ بإصلاح الظاهر كما يهتمُّ بإصلاح الباطن ؛ لأن كلًّا منهما مرتبط بالآخر ارتباطًا وثيقًا لا انفصام بينهما ولا انفصام .

مواضيع متعلقة