شرح حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - : ( وإنَّك لَن تُنفِقَ نفَقةً تبْتَغي بها وجهَ الله إلا أُجِرْتَ عليها ؛ حتَّى ما تَجعَلُ في فِي امرأَتِكَ ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - : ( وإنَّك لَن تُنفِقَ نفَقةً تبْتَغي بها وجهَ الله إلا أُجِرْتَ عليها ؛ حتَّى ما تَجعَلُ في فِي امرأَتِكَ ) .
A-
A=
A+
الشيخ : قال : وعن أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص مالك بن أُهَيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي القرشي الزهري - رضي الله عنه - أحد العشرة المشهود لهم بالجنة - رضي الله عنهم - قال : جاءني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - . هنا - رضي الله عنهم - أشكل عليَّ ؛ لأنُّو سعد ... ما أعلم أن أباه كان صحابيًّا .

السائل : لا ، من العشرة - رضي الله عنهم - ، من العشرة - رضي الله عنهم - .

الشيخ : أحسنت .

طيب ؛ قال : جاءني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يعودني عام حجَّة الوداع من وجعٍ اشتدَّ بي ، فقلت : يا رسول الله ، إني قد بلغَ بي من الوجع ما ترى ، وأنا ذو مالٍ ، ولا يرثني إلا ابنةٌ لي ؛ أفأتصدَّق بثلثَي مالي ؟ قال : ( لا ) . قلت : فالشطر يا رسول الله ؟ قال : ( لا ) . قلت : فالثلث يا رسول الله ؟ قال : ( الثلث ، والثلث كثير - أو كبير - ، إنك أن تذرَ ورثتَك أغنياء خيرٌ من أن تذرَهم عالةً يتكفَّفون الناس ، وإنَّك لَن تُنفِقَ نفَقةً تبْتَغي بها وجهَ الله إلا أُجِرْتَ عليها ؛ حتَّى ما تَجعَلُ في فِي امرأَتِكَ ) . قال : فقلت : يا رسول الله ، أُخلَّف بعد أصحابي ؟ قال : ( إنك لن تخلَّفَ فتعمل عملًا تبتغي به وجه الله إلا ازدَدْتَ به درجةً ورفعةً ، ولعلك أن تُخلَّفَ حتى ينتفعَ بك أقوام ويُضرَّ بك آخرون ، اللهم أمضِ لأصحابه هجرتهم ، ولا تردَّهم على أعقابهم ، لكن البائس سعد بن خولة ) يرثي له رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن مات بمكة . متفق عليه .

الشاهد من هذا الحديث هو قوله المناسب للباب : ( تبتغي بها وجه الله - تبارك وتعالى - ) ؛ أي : إن كل إنفاقٍ ينبغي أن يقصدَ به المنفق وجه الله - تبارك وتعالى - ، ونعود لشرح ما قد يكون غامضًا في الحديث .

في حجة الوداع مرض سعد بن أبي وقاص أحد العشر المبشرين بالجنة مرضًا أشرف منه على الهلاك على الموت ، فجاء فعادَه الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، فشكا إليه أمرَه ، قال : يا رسول الله ، إني قد بلغَ بي من الوجع ما ترى ؛ أي : فأخشى أن يدرِكَني الموت وأنا ذو مالٍ لا يرثني إلا ابنة لي ؛ أفأتصدَّق بثلثي مالي - أي : قبل موتي - ؟ قال : ( لا ) . قلت : فالشطر - يعني النصف - يا رسول الله ؟ فقال : ( لا ) . قلت : فالثلث يا رسول الله ؟ قال : ( الثلث ، والثلث كثير ) . وفي الشك اللي شكَّ فيه الراوي قال : أو كبير ، ( فالثلث كثير - أو كبير - ) . فنجد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مع تصريح سعد بأنه ليس له وارث يرثه إلا ابنة له لم يسمح لسعد بأن يُوصي بشطر من المال فضلًا عن الثلثين ، ولما قال سعد : إذًا أتصدَّق بالثلث ؟ قال : ( الثلث ، والثلث كثير ) ، هذا تعبير يُبيح للغنيِّ أن يتصدَّق بثلث ماله ، ولكن مع ملاحظة أنه خلاف الأفضل ؛ لأنه قال : ( الثلث والثلث كثير ) ؛ يعني إذا كان ولا بد فتتصدَّق بالثلث ، لكن مع ذلك الثلث كثير ؛ أي : اجعل صدقتك لورثتك ؛ فإن الأقربين أولى بالمعروف ، لا تتصدَّق بأكثر من مالك ، لا تتصدَّق ولو بالثلث ، وإن كان ولا بد فالثلث والثلث كثير .

يعلِّل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا الذي حضَّه عليه من الإقلال من الصدقة بقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إنك أن تذر ) ؛ أي : أن تترك ، ( ورثتَك أغنياء من بعدك خيرٌ من أن تذَرَهم عالةً يتكفَّفون الناس ) يمدُّون أكفَّهم يسألونهم من المال الذي أعطاهم الله - عز وجل - ؛ فلذلك لا ينبغي لك أن تتصدَّق بثلثي مالك ولا بنصف مالك ، وإن كان ولا بد فالثلث ، والثلثان يبقيان لِمَن يرثك لتمنَعَهم بهذا المال الذي تتركه لهم من أن يتكفَّفوا أيدي الناس ، وأن يسألوهم ، ويشحدوا منهم .

ثم يذكر الرسول - عليه السلام - جملةً أخرى فيها بيان فضل الإنفاق على العيال بصورة خاصَّة ، فيقول : ( وإنَّك لَن تُنفِقَ نفَقةً تبْتَغي بها وجهَ الله إلا أُجِرْتَ عليها ) ، مهما كانت هذه النفقة يسيرة وبسيطة في أعين الناس ( حتَّى ما تَجعَلُ في فِي امرأَتِكَ) ؛ يعني في فمها ، اللقمة يرفعها الرجل إلى فم زوجته فهي صدقة ، ولكن بشرط أن يبتغِيَ بذلك وجه الله - تبارك وتعالى - .

هنا الشاهد من هذا الحديث ؛ أن المسلم مهما عمل من أعمال صالحة فهي لا تكون صالحةً مقبولةً عند الله إلا إذا ابتغى بها وجه الله - تبارك وتعالى - ، ( وإنَّك لَن تُنفِقَ نفَقةً تبْتَغي بها وجهَ الله إلا أُجِرْتَ عليها ؛ حتَّى ما تَجعَلُ في فِي امرأَتِكَ ) . قال : فقلت : يا رسول الله ، أخلَّف بعد أصحابي ؟ يعني أعيش وأحيا مدَّة من الحياة بعد أصحابي الذين ماتوا ؟ قال : ( إنك لن تُخلَّف فتعمل عملًا تبتغي به وجه الله إلا ازدَدْتَ به درجةً ورفعةً ) . هذا كالحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره : ( خيرُكم مَن طال عمرُه وحَسُنَ عمله ) ، فهو يقول : ( إنك لن تُخلَّف ) يعني تعيش من بعد أصحابك ( فتعمل عملًا تبتغي به وجه الله إلا ازدَدْتَ به درجةً ورفعةً ، ولعلك أن تُخلَّف حتى ينتفعَ بك أقوام ويُضرَّ بك آخرون ) .

هنا في نكتة قلَّما تأتي في النصوص الشرعية ، يقول : ( ولعلك أن تُخلَّفَ حتى ينتفع بك أقوام ) ، ما وقف إلى هنا ، بل قال : ( ويضرَّ بك أخرون ) ؛ كيف يُضَرُّ الآخرون ؟ بسبب كفرهم وعصيانهم وضلالهم ؛ يعني الرسول - عليه السلام - لما بُعِثَ فانتفع به ناس وتضرَّر به آخرون ، الذين انتفعوا واضح أمرهم ، أما الذين تضرَّروا فقد أُقِيمَت حجَّة الله عليهم ببعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتضرَّروا بذلك .

مواضيع متعلقة