على ماذا تدل الآية (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين ... )) مع حديث الفرق ، وحديث العرباض ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ... ) .؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
على ماذا تدل الآية (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين ... )) مع حديث الفرق ، وحديث العرباض ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ... ) .؟
A-
A=
A+
الشيخ : أكرر على مسامعكم ثم أؤيد ما اقول لكم ، لاينبغى أن تقتصردعوتنا على الكتاب والسنة فقط ، بل يجب أن نضم إلى ذلك ما أشار الله تَبَارَك وتعَالَيْ إليه فى كتابه الكريم ، ثم تولى نبينا صلوات الله وَسَلَاّمه عَلَيْه بيان ذلك فى سنته الصحيحة ، إنطلاقا منه وتجاوبا مع قوله حين خاطبه بقوله : (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) مما بينه عَلَيْهِ الصلاة والسلام من كلام رب الأنام قوله فى القرآن : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )) ، الشاهد من هذه الآية قوله عَّزَّ وجَلَّ فيها (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) فإن هذه الآية تلفت النظر أن على المسلمين فى كل زمان وكل مكان ألا يخرجوا عن سبيل المؤمنين ، حيث قال رب العالمين (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) فما حكمه هذه الجملة المعطوفة على ما قبلها وهى :(( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ؟؟ كان من المفيد أن تكون الآية دون هذه الجملة وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا لو كانت الآية هكذا بهذا الإختصار لكان معنى سليما مستقيما لا غبار عليه إطلاقا ، لكن الله عَّزَّ وجَلَّ حينما عطف على قوله: (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى )) فقال (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) أراد بذلك أن يلفت نظر المؤمنين الذين يحذرون من أن يشاققوا الرسول من بعد ما تبين له الهدى أيضا يجب عليهم أن يحذروا أن يخالفوا سبيل المؤمنين . وكيف يمكن مخالفة سبيل المؤمنين مع اتباع سنة سيد المرسلين ؟ الامر عند اهل العلم معروف جيدا بأن نصوص الكتاب والسنة يمكن- فى بعض الأحيان- أن تفسر تفسيرا ويقدم هذا التفسير للمؤمنين بالكتاب والسنة على ان هذا هو المعنى المراد منهما ، ويكون هذا التفسير خطأ لآنه خالف سنة المؤمنين وسبيل المؤمنين ، تأكيدا لهذا المعنى المتضمن فى هذه الجملة المعطوفة ألا وهى قوله تعَالىَ (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) نجد نبينا صلوات الله وسلامه عَلَيْهِ قد ضم هذه الضميمة في بعض الأحاديث الصحيحة تفسيرا منه لهذه الآية الكريمة .أنتم مثلا قرأتم او سمعتم حديث الفرق الثلاث والسبعين فرقة التي قال فيها رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم ( تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة قالوا: من هي يا رسول الله؟ ) هنا الشاهد من هي يارسول الله هذه الفرقة الناجية من بين ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة واحدة منها هي الناجية- ( قال: هي التي على ما أنا عليه وأصحابي ) هنا تجدون ان النبى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم لم يقتصر على قوله ( على ما أنا عليه ) ، وإنما عطف على ذلك قوله وأصحابى ، مالسر فى ذلك ؟ هذا الحديث يعتبر تفسيرا للآية التى ذكرناها آنفا وكررناها على مسامعكم مرارا لترسخ فى أذهانكم المعنى المقصود من قوله عَّزَّ وجَلَّ فيها (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ، فقد جاء النبى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم فى حديث الفرق وفى بيان الفرقة الناجية فوصفها بوصفين اثنين وليس بوصف واحد وهو أنها تكون على ماكان عليه الرسول هذا هو الوصف الأول ، ولكنه جاء بوصف ثانى وأخير وهو قوله عَلَيْهِ الصلاة والسلام : وأصحابى ، هذا الحديث بهذا اللفظ تفسير للرواية الأخرى وهى الأشهر و الأقوى سندا، وهى التى تقول جوابا عن سؤال السائلين عن الفرقة الناجية ، قال عَلَيْهِ الصلاة والسلام ( هي الجماعة ) ، فقوله هذا تفسير للآية السابقة (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) فسبيل المؤمنين هى الجماعة ، والجماعة هي سبيل المؤمنين . ومعنى هذا أنه يجب على علماء المسلمين - خاصة فى هذه الأزمة المتأخرة- ألا يعنوا فقط بدراسة السنة ومعرفة ماكان عليه الرسول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم وهذا أمر لابد منه ، لأن تفسير القرآن لا يستقيم ولا سبيل إليه ألا بطريق السنة التى هى بيان القرآن كما ذكرنا آنفا .لا يكفى العالم أن يكتفى على دراسة القرآن والسنة فى العصر الحاضر ، بل لابد أن يضم إلى ذلك دراسة ثالثة، وهى أن يعرف ماكان عليه أصحاب النبى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم من الهدى والنور ، لأنهم قد تلقوا البيان من النبى عَلَيْهِ الصلاة والسلام بالقرآن وبيان الرسول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم فى السنة القولية- فى كثير من الأحيان- بفعله أو بتقريره ، هذه الأمور لا يمكن الوصول إليها إلا بمعرفة آثار السلف الصالح . ولذلك الحديث هذا ايضا يلتقى مع حديث آخر _ طالما سمعتموه أو قرأتموه فى كتب الحديث _ الا وهو حديث ‏العرباض بن سارية رضى اللَّه عَنه الذى قال :" وعظنا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏موعظة ‏ ، وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ، فقال: ( أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي ) هنا الشاهد لم يقتصر عَلَيْهِ الصلاة والسلام على كلمته هذه فعليكم بسنتي، بل عطف عليها أيضا كما فعل في حديث الفرق ( وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) زاد في حديث جابر رضي الله عنه ( وكل ضلالة في النار ) الشاهد أنكم تسمعون في هذا الحديث ان النبى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم جعل النجاة و الخلاص من الاختلاف الذى سيقع بعد الرسول عَلَيْهِ السلام إنما هو التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعده . ذلك لأن طريقة هؤلاء الخلفاء كطريقة عامة الصحابة الذين أطلق عليهم فى الحديث السابق لفظة الجماعة هم الذين فهموا من النبى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم المعاني الصحيحة للآيات والأحاديث القولية فنقلوها إلى الأمة بيضاء نقية ليلها كنهارها ، إذا لم يهتم العلماء بخاصة بهذا الجانب الثالث مما سبقت الإشارة اليه فى هذه النصوص ، صار الكتاب والسنة هوى متبعا ، ونحن نجد اليوم اختلافات كثيرة ، وكل هؤلاء المختلفين يدعون بأنهم على الكتاب والسنة ، مهما كانت تكتلاتهم وكانت تجمعاتهم ، يدندنون حول الكتاب والسنة ، لكنكم لا تجدون على وجة الأرض اليوم وعلى الساحة الإسلامية فى هذه الجماعات من ارتضت لنفسها منهجا لها فى فهم كتاب ربها وسنة نبيها منهج السلف الصالح ، إلا جماعة واحدة على وجة الأرض لهم اسماء مختلفة والمسمى واحد ، ففى بعض البلاد يسمى هؤلاء انتماءً إلى الجماعة المشار إليها ، وهم جماعة السلف ، فيقولون دعوتنا دعوة السلف الصالح ونحن ننتسب إليهم ونقول أننا سلفيون ، أو يقولون نحن من أهل الحديث ، أو يقولون نحن أنصار السنة ، وكلهم دعواهم واحدة الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح ولابد لي من التنبية معتذرا لإطالة الكلام فى هذه المسألة الهامة لأننى أتصور أن بيننا لقاءات ولقاءات كثيرة يمكن أن يصدق فيها ما يقال اليوم، لأننا سنتمكن هناك من وضع النقاط على الحروف كما يقولون اليوم .

مواضيع متعلقة