رد على محمد رشيد رضا الذي وضع قاعدة ( إذا تعارض العقل مع النقل قدم العقل على النقل ) - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
رد على محمد رشيد رضا الذي وضع قاعدة ( إذا تعارض العقل مع النقل قدم العقل على النقل )
A-
A=
A+
الشيخ : وهنا يجب أن نقول: هناك قاعدة موهومة كان رفع أعلامها السوداء أحد كبار علماء الأزهر في زمانه؛ وهو محمد عبده، وتبِعَه في ذلك -مع الأسف- رجل له في نفوسنا قدره ومنزلته؛ وهو: رشيد رضا -رحمه الله-. نصبوا قاعدة باطلة: "إذا تعارض العقل مع النَّقل؛ قُدِّمَ العقل على النَّقل" هذا كلام باطل. إذا تعارض العقل مع النَّقل؛ وجب تقديم النَّقل على العقل لسببين اثنين: أولاً: أنَّه ليس هناك عقل واحد يُمكن أن يُرجع إليه؛ فعقول النَّاس تختلف؛ كاختلاف الأشجار، والأوراق، والأزهار و و إلى آخره، ليس هناك وحدة تجمعها إطلاقًا. فما يكون معقولاً عند زيد يكون غير معقول عند آخر، وناس يتوسطون بين ذلك، بين هذا وهذا إلى آخره؛ ولذلك -لهذا السبب الأول- يجب تقديم النقل على العقل؛ لأنَّه لا مرجع هناك يُسمَّى عقل، فإذا اختلفنا رجعنا إليه. أمَّا النَّقل فمحفوظٌ بحفظ الله -عزَّ وجلَّ- إيَّاه؛ كما قال -عزَّ وجلَّ-: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) . ثمَّ سخَّر الله -عزَّ وجلَّ- ليحفظ بيان هذا المحفوظ من القرآن الكريم؛ ألا وهم: أئمة الحديث؛ فحفظوا لنا سنَّة النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم التي تتولَّى بيان القرآن الكريم الذي جاء ذكره في مثل قوله -عزَّ وجلَّ-: (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) . هذا البيان هو السُّنَّة؛ فالقرآن محفوظ، والسنة -أيضًا- محفوظة؛ فالنَّقل محفوظ والعقل غير محفوظ. ولذلك فمن أبطل الباطل أن نقول: " إذا اختلف العقلُ والنَّقلُ قُدِّم العقلُ على النَّقل " ؛ هذا كلام باطل. والصَّواب: أنَّه يجب على كل مسلم أن يقدم النَّقل على العقل؛ ولكن ليس كل نقل هو الذي نعنيه؛ وإنَّما هو النقل الثابت عن الرسول عليه السلام؛ وإلا فلعلكم جميعًا تشتركون معي في أنَّكم تعلمون أنَّ هناك أحاديث موضوعة، وأحاديث ضعيفة ومنكرة منتشرة بين النَّاس سماعًا، وكتابةً، ونشرًا، وإذاعةً؛ فإذن إنما نعني بتقديم النَّقل على العقلِ إنما هو النَّقل الصَّحيح الثَّابت عن الله ورسوله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم. إذا كان الأمر كذلك؛ فإذا ثبت أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ( لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ اثْنَانِ ) بطل التعليل السابق؛ لأنَّه تعليلٌ عقليٌّ. هذا هو السبب الأول؛ وهو: النقل يخالف ذلك العقل، ولأنه عقلٌ لشخص واحد معين. السبب الثاني: استمرار العمل من المسلمين بهذا الشرط بضعة قرون؛ حتى في عهد الدولة العثمانية التي كان ملِكُهَا أو لنقل: خليفتها، كان أعجميا تركيًا، كانوا يحاولون أن يتمسكوا بهذا الشرط، ولو شكليًا؛ حيث كانوا يضعون بجانب الملك رجلاً من أهل قريش، قرشي؛ كأن هو هذا الأصل، وهذا نائبٌ عنه، نحن ما يهمنا هذه الشكلية بالطبع؛ لأننا نحارب الشكليات تمامًا؛ لكن حجتنا أولاً: استمرار العمل بهذا الشرط في القرن الأول والثاني والثالث في الدولة الأموية والعباسية، إلى أن انقرضت -مع الأسف- الدولة العباسية؛ ثمَّ جاءت دويلات كثيرة وكثيرة جدًّا؛ لكن هذا محمد الفاتح العثماني سنَّ هذه السنة الشكلية؛ أن يكون بجانب هذا الحاكم العثماني رجل قرشي؛ لأنه ثابت في مذهبهم الحنفي: أنَّ الأئمة من قريش. فإذن هذا دليل ثانٍ يُبطل التعليل السابق، الذي يعود أو تكون حصيلته أنَّ هذا حكمًا، كان حكمًا -كما يقولون اليوم- حُكمًا زمنيًا، أو حُكمًا عصريًا. الحديث واستمرار العمل به يُبطل هذه الدعوى، ولابدَّ في نهاية المطاف في هذا الجواب أن نُذكِّر بقوله تعالى: (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )) . الشاهد: (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) فإن ادَّعى فرقة من الفرق التي خرجت عن السنة، أو فرد من الأفرد، أو حزبٌ من الأحزاب أنَّ هذا الحديث أولاً: غير صحيح، أو صحيح ولكنه غير متواتر؛ فالرد عليه من ناحيتين: أولاً: هو تواتر، متواتر كما يشهد بذلك أمير المؤمنين في زمانه في الحديث: ابن حجر العسقلاني. وثانيًا: هو حكمٌ شرعيٌّ، ليس عقيدة. العقيدة: هناك رأيٌ، وهو رأيٌ باطل. -ولا تشرب بيدك اليسرى سامحك الله-. هناك رأيٌ وهو رأيٌ باطلٌ يُفرِّقُ بين الأحكام وبين العقيدة، ويشترط في العقيدة أن يكون الحديث متواترًا، ولا يشترط مثل هذا في الحكم؛ فنقول: هذا حكمٌ، وليس عقيدة، يُشترط في الحاكم أن يكون عالمًا؛ هذا حكمٌ، أن يكون قرشيًا؛ هذا حكمٌ، أن يكون مُسلمًا؛ هذا حكمٌ. إلى آخره.إذن يكفينا أن يكون الحديث هنا صحيحًا؛ فكيف بكم وهو صحيح ومتواتر؟! ثانيًا -وأخيرًا-: جرى عليه عمل المسلمين؛ فليحذر المخالِف أن يدخل في وعيد قوله تعالى: (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )) . في أحد هناك، فيه سؤال؟ لا، هناك. تفضل.

مواضيع متعلقة