شرح حديث عائشة - رضي الله عنها - : " قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفرٍ وقد سَترتُ سَهْوةً لي بقرامٍ فيه تَماثِيلُ " . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح حديث عائشة - رضي الله عنها - : " قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفرٍ وقد سَترتُ سَهْوةً لي بقرامٍ فيه تَماثِيلُ " .
A-
A=
A+
الشيخ : الحديث الثاني : عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِن سَفرٍ وقد سَترتُ سَهْوةً لي بقرامٍ . السَّهوة : الطاقة في الحائط ، بقرام : الستارة . فيه تَماثِيلُ ؛ أي : فيه صور ، وهنا فائدة لغوية بالنسبة لِبُعدنا اليوم عن اللغة العربية أو لسيطرة بعض الاصطلاحات ، فنحن اليوم نفهم من لفظة تمثال أو تماثيل الأصنام ، فهذا تمثال المالكي - مثلًا - ؛ نحن ما نقول : هذه صورة ، هي صورة بلا شك ، كما أنه الصور التي نقتنيها على الورق هي - أيضًا - في لغة العرب تماثيل .

والشاهد على ذلك هو هذا الحديث ، فالرسول - عليه الصلاة والسلام - حينما دخل على السيدة عائشة في هذه القصة فرآها وقد علَّقت قرامًا - ستارة - عليها تماثيل ، التماثيل تُوضع على الجدر ولا تُوضع على الأستار ، لكن اللغة واسعة ، فإن قلت : صورة ؛ فممكن تكون صورة بمعنى الصنم ، أو صورة ليس لها ظل . كذلك إن قلت : تمثال ؛ فهو بمعنى صورة ، قد يكون مجسَّم وقد يكون غير مجسَّم ، فجاء هذا الاستعمال في هذا الحديث بالمعنى الذي لا ينتبه له كثير من الناس ، فإذًا الرسول - عليه الصلاة والسلام - رأى تماثيل على الستارة ؛ أي : صور ، صور يعني إما ملونة دهان أو مطرَّزة تطريز ، فليست هي أصنامًا .

قالت : قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفرٍ وقد سَترتُ سَهْوةً لي بقرامٍ فيه تَماثِيلُ ، فلمَّا رآهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تَلوَّن وَجهُهُ . أي : تغيَّر غضبًا واحمَرَّ ، وقال : ( يا عائشةُ ، أشدُّ الناسِ عَذابًا عندَ الله يومَ القِيامَةِ الَّذينَ يُضَاهُونَ بِخَلقِ الله ) . أي : الذين يعملون أعمالًا من التصوير سواء كان مجسَّمًا أو غير مجسَّم يتشبَّهون بخلق الله - عز وجل - لخلقه ، يضاهون بخلق الله ؛ أي : بما يخلق الله ، فالله يخلق هذه الأجسام هذه الحيوانات ، فهُم - أيضًا - يضاهون ، والمضاهاة ليس من الضروري - كما هو معلوم - أن تكون من جميع الإيش ؟ الوجوه ، فالذي ينحت التمثال أو يصوِّر الصورة على الورق هو يضاهي ربَّ العالمين من حيث الحيكة والصورة ، ولكن أهم شيء في ذلك هو نفخ الروح ؛ ولذلك لما كان عاجزًا عنه يُعذَّب يوم القيامة بأن يُؤمر بأن ينفخ الروح فلا يستطيع ، وليس بنافخ .

فإذًا المضاهاة المقصودة هنا والتي جعلها الرسول - عليه السلام - في هذا الحديث علَّة تحريم التصوير هي المضاهاة الشكلية الظاهرة ، فقال - عليه الصلاة والسلام - قال : ( يا عائشةُ ، أشدُّ الناسِ عَذابًا عندَ الله يومَ القِيامَةِ الَّذينَ يُضَاهُونَ بِخَلقِ الله ) . قالت : فَقطَّعْناهُ ، فجعَلْنا منهُ وِسَادةً أو وِسادَتَينِ . وفي رواية : قالَتْ : دَخَل علَيَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي البيتِ قِرامٌ فيه صوَرٌ . هنا استعمل الراوي لفظة صور مقابل تمثيل ؛ فالمعنى واحد . فتَلوَّنَ وجهُهُ ثُمَّ تناوَل السِّترَ فَهَتَكَهُ - أي : مزَّقه - ، وقال : ( إنَّ مِن أشدِّ الناسِ عَذابًا يومَ القيامَةِ الَّذينَ يصَوِّرونَ هذه الصُّوَرَ ) .

جاء الشاهد الذي أشرتُ إليه فيما علَّقته على حديث عمر الأول : ( إنَّ الذينَ يَصنَعونَ هذه الصُّوَرَ ) ؛ قلنا : أن اسم الإشارة إلى الصور غير المجسَّمة ، وهذا هو الدليل ؛ لأن قصة السيدة عائشة لها هذه المناسبة وهذا السبب ، وهو دخول الرسول عليها وقد علَّقت الستارة وعليها التماثيل والصور ، فقال - عليه الصلاة والسلام - مشيرًا إلى هذه الصور التي على الستارة : ( إنَّ من أشدِّ الناس عذابًا يومَ القيامةِ الذين يصوِّرون هذه الصُّور ) .

مواضيع متعلقة