ما هو سبب اختلاف العلماء ؟ وما موقف العامة من هذا الخلاف ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما هو سبب اختلاف العلماء ؟ وما موقف العامة من هذا الخلاف ؟
A-
A=
A+
السائل : بعض العلماء اختلفوا في الآراء .

الشيخ : إي نعم .

السائل : يعني يتضاربوا مع بعض ، واحد يقول رأي ، الثاني يقول لك لأ كدا غلط ، ده كدا صح ، ونفترض إن إحنا مش أهل علم ولا أهل فهم ، عامة البشر عاميين ، طيب ؛ عايزين نعرف الصح والخطأ في ده ، لو اتبعنا ده يقولك طب ما الثاني قال ده خطأ ، ده مش عارف إيه ، فما رأي حضرتكم في اختلاف العلماء في قضية معينة وقضية قد تهمُّ عامة المسلمين ؟

الشيخ : مثل هذه القضية .

السائل : مثل هذه القضية .

الشيخ : السبب في وقوع الإشكال هو أن عامة المسلمين لا توجد عندهم أثر هذه الكلمة التي نسمعها كثيرًا في العصر الحاضر ، وبخاصة في هذه البلاد ؛ ما هي هذه الكلمة ؟ " التوعية " ، ليس عند الجمهور وعيٌ ومعرفة عامة بسبب الخلاف أولًا ، ثم ليس عندهم وعيٌ بما يجب أن يكون موقفهم من هذا الخلاف ، فالكثيرون منهم يقولون - كما جاء في الحديث الضعيف - : " اختلاف أمتي رحمة " ، فيقرُّون الاختلاف مهما كان شديدًا وكثيرًا ، والقليل منهم يريد أن يقضي على الخلاف جذريًّا ؛ بحيث أن يصبح العلماء ما بين عشيَّة وضحاها على قول واحد في كل المسائل التي اختلف فيها الفقهاء قديمًا ، وهذا أمر مستحيل ؛ لأنَّ الله - عز وجل - بحكمته البالغة قضى ولا مردَّ لقضائه فقال - عز وجل - : (( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك )) .

والاختلاف اختلافان : الأول : اختلاف تراحم وتفاهم . والآخر : اختلاف تعارض وتضاد وتعادي .

الأول هو الذي لا مناصَ منه ، وهو الذي كان عليه سلفنا الصالح ، كانوا مختلفين ، ولكنهم لم يكونوا متعادين ولا متفرِّقين بسبب الخلاف ؛ لما سمعتم من الآية السابقة : (( ولا تكونوا من المشركين من الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون )) ، فإذا كان سلفنا الصالح وعلى رأسهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - اختلفوا ؛ فلا مجال لجماعةٍ أو لعصرٍ أو لقرنٍ ألَّا يختلفوا ، ولكن يسعهم ما وسع أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حين اختلفوا ؛ ألَّا يتعادوا وألَّا يتباغضوا ، هذا الاختلاف لا بد منه ، يجب على عامة المسلمين أن يعرفوا ذلك ولا أن يستنكروا أيَّ خلاف يسمعونه بين عالم وآخر ؛ لأن هذه من طبيعة البشر التي طبعَهم الله عليها كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الآية السابقة ، إذ الأمر كذلك ؛ فماذا على عامَّة المسلمين حينما يرون مثل هذا الاختلاف ؟ هنا بيت القصيد من كلمتي حينما قلت : إنه لا توعية ولا ثقافة عامة ، عامة المسلمين إلى ما قبل نحو ربع قرن من الزمان كانوا يعيشون على المذهبيَّة الضَّيِّقة ، كل فرد من ملايين المسلمين قانع بمذهبه ، هذا حنفي ، وذاك شافعي ، إلى آخره ، أما الآن فقد وجدت - والحمد لله - مبادي الصحوة ، لا أقول وُجدت الصحوة ، أقول وجدت مبادئ الصحوة ، فتنبَّهوا لأشياء لم يكن مَن قبلهم متنبِّهًا لها ، ولكن هذا التنبُّه يحتاج إلى تتمَّة ، هذه التتمة هو ما أنا في صدد بيان شيء منها ، وهو أنك - أيها المسلم - مهما كانت ثقافتك قويَّة في الشريعة الإسلامية أو قليلة ؛ فإذا سمعت اختلافًا بين عالمين فتروَّ قليلًا ؛ انظر هل كلٌّ ممن يُقال إنهما عالمان هما فعلًا من أهل العلم ؟ فقد يكون هناك طالب علم ويُظَنُّ أنه من العلماء ، فيقول قولًا يخالف فيه العلماء ، فتصير المسألة فيها خلاف بين العلماء ، لا ، فإذا ثبت - مثلًا - بعد هذه الملاحظة أن هناك اختلافًا بين عالمين جليلين ؛ هنا يأتي التنبيه التالي ؛ إن كنتَ تستطيع أن تميِّز بين دليل ودليل ؛ فعليك أن تعرف دليل كلٍّ من العالمين ، وأن تطمئنَّ للدليل الأقوى ؛ أعني أن حتى عامة الناس عليهم أن يجتهدوا ، لكن الاجتهاد يختلف من شخص إلى آخر ، كيف يجتهد - مثلًا - من كان عامِّيًّا ؟

أقول : اجتهاده بالنسبة إليه كالتالي : يسمع من عالم فتوى تُخالف فتوى الآخر ؛ فعليه ألَّا يقف عند الفتوى ، هنا الآن تظهر صور كثيرة وكثيرة جدًّا ، طلبت الدليل من أحدهما فقال لك : هذا رأيي وهذا اجتهادي أو هذا مذهبي ، وطلبت الدليل من الآخر فقال لك - مثلًا - : قال الله ، قال رسول الله ، قال السلف إلى آخره ، كما قال ابن القيم - رحمه الله - :

" العلم قال الله قال رسولهُ *** قال الصحابة ليس بالتمويهِ

ما العلم نصبك للخلاف سفاهةً *** بين الرسول وبين رأي فقيهِ "

فإذا أنت سلكت هذا المنهج في محاولة التعرف على الدليل سيظهر لك الفرقُ بين القولين ، قلت لك : أحدهما يقول هذا رأيي هذا اجتهادي هذا مذهبي ؛ هذا يقع أحيانًا ، الآخر يستدل لك إما بالكتاب ، وإما بالسنة ، وإما بعمل السلف الصالح ؛ حينذاك ستجد نفسك تميل إلى رأي هذا العالم واجتهاده ، ولا تلتفت إلى رأي العالم الأول ، وحينئذٍ يزول الإشكال من نفسك ، هذه صورة ، وهي واضحة جدًّا ، وإذا افترضنا أن كلًّا من العالمين استدلَّ بدليل كما جرى في الأمس القريب عند الشيخ البنَّا ، بعضكم أظن كان حاضرًا ، حينما تناقشنا مع أحد الأساتذة الأفاضل حول القراءة وراء الإمام للفاتحة في الصلاة الجهرية ، فالسامعون يسمعون ، فما اطمأنَّت إليه النفس يأخذ به ؛ سواء كان مع زيد الحق أو مع عمرو ، المهم ألَّا يكون صاحب هوى وصاحب غرض ، وألا يكون كما جاء مرفوعًا وموقوفًا - والراجح الوقف - ، وهو على ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : " لا تكونوا إمَّعة ، تقولون إن أحسن الناس أحسنَّا ، وإن أساؤوا ظلمنا ، ولكن وطِّنوا أنفسكم ، إن أحسنوا أن تحسنوا ، وإن أساؤوا فلا تظلموا " . إذًا يجب على عامة المسلمين أن يوطِّنوا أنفسهم على أن يعرفوا الحقَّ مع من ؟ ثم يتَّبعوه كلٌّ في حدود ثقافته وعقله وفهمه ، ولا يكلِّف الله نفسًا إلا وسعها .

الخلاصة : الخلاف لا يمكن القضاء عليه ، كان في زمن الرسول ، واستمرَّ إلى يومنا هذا ، فلا تطلبوا المستحيل ، وإذ الأمر كذلك فما موقف العامة ؟ موقفهم كما شرحت آنفًا ؛ أن يتحرَّوا الصواب ؛ حينئذٍ شأنهم شأن المجتهدين ؛ إن أصابوا فلهم أجران ، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد ، المهم ألَّا يكونوا أصحاب هوى وغرض ، وكفى الله .

تفضل . وعليكم السلام .
  • فتاوى جدة - شريط : 9
  • توقيت الفهرسة : 00:20:58
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة