هل يجوز للأستاذ أن يستعمل رسم إنسان أو حيوان لتقريب القضية للطلاب ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل يجوز للأستاذ أن يستعمل رسم إنسان أو حيوان لتقريب القضية للطلاب ؟
A-
A=
A+
السائل : الأستاذ وهو يدرِّس يحتاج إلى وسيلة تعليمية ؛ فهل يجوز أن يستخدم رسم الإنسان أو حيوان كوسيلة تعليمية لتقريب القضية للطلاب أو لا يجوز ؟

الشيخ : أقول جوابًا عن هذا السؤال : لعلنا جميعًا متَّفقون على أن الإسلام حرَّم التصوير عملًا واقتناءً ، فكما لا يجوز للمسلم أن يصوِّرَ صورة ؛ فكذلك لا يجوز له أن يقتَنِيَها إلا في حدود الضرورة ، وكما يقول أهل العلم في أصولهم : " الضرورات تبيح المحظورات " ، لكن لما كانت هذه القاعدة العلمية : " الضرورات تبيح المحظورات " قد تُستعمل وتُوضع في غير موضعها ، أو قد يُتوسَّع في استعمالها وتطبيقها ؛ فضبطًا لها وضعوا بجانبها : " الضرورة تُقدَّر بقدرها " ، القاعدة الأولى : " الضرورات تبيح المحظورات " ، القاعدة الأخرى بجانبها : " الضرورة تُقدَّر بقدرها " ، ما معنى هذه القاعدة الثانية ؟

معنى ذلك في نفس الآية الكريمة التي ذَكَرَتِ المحرَّمات : (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ )) ، ثم قال في خاتمتها : (( إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )) ؛ أي : إلا المقدار الذي اضطُرِرْتم إليه لتنجوا من الهلاك والموت ، إلا المقدار (( إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )) ؛ فهذا المقدار هو الذي تُبيحه الضرورة ، توضيحه : إذا رجل تعرَّض للموت جوعًا في الصحراء ، فوجد لحمًا محرَّمًا إن كان لحم خنزير أو لحم ميتة ؛ فلا يجوز له أن يأخذ من هذا اللحم ويشويه على النار ويجلس ويأكل وكأنما يأكل من لحم ضاني طازج وحلال في المئة مئة ؛ لا ، وإنما يأكل منه لُقَيمات يُقِمْنَ صلبَه ، هذه اللُّقيمات التي تنجيه من الموت هذا هو (( مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )) ، فلو فرضنا أنُّو عشر لقمات تقوِّيه وتنجيه مما تعرَّض له من الموت ؛ فاللقمة التي تلي العاشرة هي حرام عليه ؛ فلذلك قالوا : " الضرورة تُقدَّر بقدرها " ، فالقدر المباح هنا في هذا المثال عشر لقمات ، فالحادية عشر هي حرام ؛ لأنها في الأصل محرَّمة ، والله يقول : (( إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )) .

هذا معنى قول الفقهاء في أصولهم : " الضرورات تبيح المحظورات " ، و " الضرورة تُقدَّر بقدرها " .

الآن التصوير محرَّم ؛ لا شك في ذلك عند أهل العلم ، فيأتي هنا أنُّو هل يجوز للأستاذ أن يقدِّم أو يصوِّر صورة للطلاب كوسيلة تعليمية ؟ نقول : أوَّلًا : إذا كان لا بد من هذه الصورة ؛ بمعنى أن التلامذة لا يفهمون كلام الأستاذ إلا بهذه الصورة ، ثانيًا : لا يوجد هناك وسيلة أخرى لتفهيم هذا الطَّالب المُراد من كلام الأستاذ إلا بهذه الصورة ؛ حينئذٍ نقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ! ما عندنا طريق لإفهام الطلاب إلا بهذه الطريقة ... .

... (( لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )) ، فهؤلاء لا يحرِّمون ولا يحلِّلون ، فأصبحنا نمشي نحن وراءهم لاهثين ومقلِّدين في كلِّ ما يفعلونه دون أن نَزِنَ هذا الذي نُريد أن نستفيدَه منهم لدنيانا فضلًا عن آخرتنا بميزان الشرع وبالقسطاس المستقيم .

أصبح التعليم اليوم عبارةً عن تقليد ؛ لذلك لا بد من دراسة هذه الوسائل التي أخَذْناها من الأوروبيين في حدود الشريعة الإسلامية ، مثلًا أنا أضرب لكم مثلًا وبسيطًا جدًّا ، نريد - مثلًا - أن نُفهِمَ الطَّالب " الجمل " ما هو ؟ فنصوِّر إيش له ؟ صورة الجمل ، والجمل في بلادنا دائمًا ذاهب وآيب وإلى آخره ، لكن لو صُوِّرت هذه الصورة في البلاد التي ليس فيها جِمَال يأخذ حكمًا غير الحكم السابق ؛ لأنُّو نقول آنفًا : " الضرورة تُقدَّر بقدرها " ، لكن لا ؛ هذا نظام مضطرب ؛ ففي أوروبا - مثلًا - الجمال مش معروفة ؛ فما دام هم هناك يقدِّمون للطلاب صورة جمل ضروري بقى نحن نقدِّم لطلابنا العرب كمان إيش ؟ صورة جمل ، هذا مثال صغير وصغير جدًّا .

خلاصة القول : هذا الأستاذ يجب قبل كلِّ شيء أن يكون فاهمًا للدين وحريصًا على تطبيق أحكامه ، ومن تلك الأحكام أن الضَّرورة تُقدَّر بقدرها ؛ فلا ينطلق وراء القراءة - مثلًا - أو الكتاب المقرَّر للطلاب وفيه من الصور ما هبَّ ودبَّ ما يُشعر هذا المدرِّس بأنُّو هناك حاجة لتصويره وتقديمه للطلاب ، وما يشعر بأنه ليس هناك حاجة ؛ ففي هذه الحدود يجوز للمدرِّس المسلم أن يتعاطى من وسائل التصوير ما لا يجد وسيلةً أخرى تُغنيه عنها .

السائل : جزاك الله خير .

مواضيع متعلقة