كلمة للشيخ محمد عيد عباسي حول إسلام الصحابي الجليل عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كلمة للشيخ محمد عيد عباسي حول إسلام الصحابي الجليل عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - .
A-
A=
A+
عيد عباسي : من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد :

فإنَّ خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

شاءَ اللهُ أن يتغيَّب أستاذنا - حفظه الله - في هذا الدرس بسبب ضعف في صوته - عافاه الله عز وجل وقوَّاه - ، فأتحدث لكم في هذه الأمسية المباركة - إن شاء الله - عن صفحة أخرى من صفحات السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم ، هذا الحديث يتعلق بإسلام صحابي يكاد يكون مجهولًا إلا مِن نفرٍ من المشتغلين بعلم السنة والسيرة ، وقليلٌ ما هم ؛ ذلك هو الصحابي عمرو بن عَبَسَة أبو نُجيح السلمي - رضي الله تعالى عنه - ، فحديثنا عن إسلامه ، وكيف كان ، وخبره مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .

بينما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الإسلام خُلَّص أصدقائه وثقات معارفه كانت أنباء دعوته الجديدة تتصبَّب إلى الناس في مكة وخارجها ، ويتهامسون بها فيما بينهم ، وكان ممَّن سمع بها في هذه المرحلة المبكِّرة رجل من بني سُلَيم اسمه عمرو بن عبسة ، وكنيته أبو نجيح ، استقبلها بشوق بالغ ولهفة شديدة كأنما كان ينتظرها بفارغ الصبر ، ويحسُّ بالحاجة إليها من أعماق نفسه ، إنه أعرابي ذو فطرة سليمة وعقل راجح ونظر سديد ، رأى قومَه يعبدون الأوثان ويقدِّسونها من دون الله - تعالى - ، يستغيثون بها ويلجؤون إليها ، ويدعونها رغبةً ورهبةً ، ويقدِّمون لها القرابين ، وتتحكَّم فيها سدنتها ذوي الطمع الجشع والاستغلال ، فلم يستسِغْ عقله هذه التُّرَّهات ، ولم يهضم فكره هذه الأباطيل ، وكيف يتقبَّل حال قومه الذين كانوا كما ذكر هو في رواية عنه إذا نزل أحدهم منزلًا بحث عن أربعة أحجار ، يجعل أحسنها إلهًا يعبده ، وينصب الثلاثة الأخرى لقِدره ، القدر تحتاج إلى ثلاثة التي تسمَّى الأثافي ، ولذلك إذا اكتمل الثالث يقال : " ثالثة الأثافي " ، يضرب بذلك مثلًا إذا كان هناك أمر يحتاج إلى أشياء ناقصة فتكمل بآخرها ، فيقال : كان فلان ثالثة الأثافي ، وكان ثالثة الأثافي كذا وكذا ؛ فهذه الأثافي الحجارة الثلاثة الخاصَّة التي تُوضع تحت القدر لِيشعَلَ تحتها النار يجعل الأحجار الثلاثة الباقية لقدره ، أحسنها لربِّه ، والأخرى لقدره ، ثم لعله يجد ما هو أحسن من الحجر الأول المؤلَّه قبل أن يرتحل ، فيتركه ويأخذ غيره !! ولعله لَقِيَ في أحد أسفاره بعض أهل الكتاب كما في الرواية السابقة ، فسمع منه عن قرب ظهور نبيٍّ يدعو إلى الله ويقوِّمُ اللهُ به الملةَ المعوجَّة ، ويرد الناس إلى الحنيفية السمحاء .

لقد وقعت منه أخبار محمد - صلى الله عليه وسلم - موقع المطر الغزير على الأرض العطشى ، فعمد إلى راحلته دون إبطاء ، فهيَّأها وانطلق بها إلى مكة ، إنه يريد أن يلقى هذا المنقذ ويجتمع به مباشرةً ، ويسمع منه دون وسطاء ولو كلَّف ذلك مشقَّة ونصبًا ، كنَّا رأينا ذلك في إسلام أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - ، ويتشابهان وبينهما - أيضًا - صلة كما سيأتي .

وشاء الله - تعالى - أن يلقاه في عكاظ ؛ حيث كان نازلًا فيها آنذاك ، ولا ندري فلعله كان وقتها موسم السوق المشهور ، اجتمع به بعد سؤال عنه وتلطُّف له ، وأخذ ، نعرف طبعًا سبب التلطف هذا ؛ لأن المشركين كانوا يلاحقون النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإيذاء ويصدُّون عنه كلَّ مَن كان يسأل عنه ، وأخذ يسأله : مَا أنت ؟ ومَن أرسلك ؟ ولماذا ؟ والنبي - صلى الله عليه وسلم - يجيبه بطمأنينة وثقة ، فدخل الإيمان إلى قلبه ، وأعلن لتوِّه إسلامه ، وشهد شهادة الحق ، وعاد ليسأل : مَن معك يا رسول الله على هذا الأمر ؟ فيأتي الجواب المتواضع : ( حرٌّ وعبد ) .

نعم رجلان فقط أحدهما حرٌّ هو أبو بكر صديقه وحبيبه ، وبلال العبد الحبشي الأسود ، وإذ به ينال شرف السَّبق ، فيكون رابع أربعة يؤمنون بدعوة الحق ، ويسأل أبو نجيح الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - هل يأمره بأن يمكث معه أم يرجع إلى قومه فينشر فيهم دعوة الله ويدعوهم ؟ ويأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع إلى قومه ؛ ذلك أنه لا فائدة كبيرة تُرجى من إقامته معه ، فالحرب على الدعوة مُعلنة وشديدة ، والعذاب ينتظر كلَّ مؤمن ومسلم ، ويرجع عمرو إلى قومه وتمرُّ السنون وهو يتلقَّف أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، فيعلم بهجرته - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى المدينة ، فيهاجر إليه ويجتمع به ، وينتهز فرصة فراغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - مرَّة فيسأله أسئلة كثيرة عن الصلاة والوضوء والإيمان والهجرة والجهاد ، حيث كانت تدور في باله ، ولا تجد جوابًا ، ويسمع الجواب اليقين من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فتطمئن إليه نفسه ويعيه قلبه ، وينطلق أبو نجيح يبلِّغ الإسلام ويعمل له وينصره ويستقيم على أمره حتى يلقى ربَّه - تبارك وتعالى - في أواخر خلافة عثمان - رضي الله عنه - .

روى بعض كتب السنة خبرَه الطويل هذا على لسانه نفسه ، فأحبَبْتُ أن أنقله لكم لِتُطالعوا بأنفسكم صفحة من صفحات الإسلام الغرَّاء ، وتعيشوا مع أحد المؤمنين السابقين الذي نالَ شرفًا عظيمًا حين يسَّر الله - تعالى - له أن يكون ربع الإسلام كما يقوله عن نفسه ، والمراد يقول : كنت ربع الإسلام ؛ أي : رابع أربعة سبقوا إلى الإسلام من الرجال ، وهم - كما ذكرنا - النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وبلال .

مواضيع متعلقة