فضل أهل الحديث وعنايتهم بجمع السنة . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
فضل أهل الحديث وعنايتهم بجمع السنة .
A-
A=
A+
يعرفون والحمد لله بالطريق الذي ألهم الله به طائفة من علماء المسلمين ، ألا وهم علماء الحديث الذين سخرهم الله تبارك وتعالى لخدمة هذا الإسلام بعنايتهم أولًا بجمع أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام على مر القرون الأولى على الأقل القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية جمعوا أحاديث الرسول من مختلف البلاد والصدور لأن حملة هذه الأحاديث النبوية من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، لم يكونوا مستقرين في بلدة واحدة حتى يتمكن العالم الحريص على جمع العلم أن يتلقى السنة من ذاك المكان الواحد ، وإنما تفرقوا في البلاد شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا ، فكان أحدهم يتفرغ للسياحة في البلاد لتلقي العلم من مختلف العلماء في كل تلك البلاد ، هذا تسخير من الله تبارك وتعالى لهؤلاء العلماء حتى جمعوا لنا أحاديث الرسول عليه السلام التي تفرقت في البلاد بتفرق حملتها فأنتم تتصورون معي بسهولة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قضى في مكة عشر سنوات وبقية الدعوة ثلاثة عشر سنة في المدينة المنورة فالذين كانوا يأتون إلى الرسول في مكة والمدينة هم أصحاب الرسول عليه السلام وهم حملة الأحاديث التي سمعوها وتفقهون معي جيدًا أيضًا بأن هؤلاء الصحابة في قيد حياته عليه السلام فضلًا عما بعد وفاته تفرقوا في البلاد فقد كان يأتيه المكي إلى المدينة ليبايعه على الإسلام ، من جدة ، من نجران ، من من مختلف البلاد ، ثم يعود إلى بلده وقد حمل منه عليه السلام بعض العلم كما جاء في صحيح البخاري من حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - أنه جاء مع بعض أصحابه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فمكث عنده نحو عشرين يومًا فيما أذكر ، قال ثم اشتقنا إلى أهالينا فاستأذنا الرسول عليه السلام في أن ننصرف ، فقال لهما : ( إذا صليتما فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما سنًا ) ، وقال لمالك : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) وانطلق إلى قبيلته فإذًا هذا الرجل من الذي يتمكن من رواية مثل هذا الحديث وذاك هو الذي يذهب إليه ، فإذًا هو ينبغي أن يذهب إلى هذه القبيلة وهذه القبيلة إلى هذه البلدة وهذه القرية وهكذا ؛ لذلك كان من فضل الله - عز وجل - أن سخر علماء الحديث ليرحلوا إلى مختلف البلاد ليجتمعوا بمن يعلمون أنه عنده ولو حديث واحد ، فيسمعون مباشرة منه ، حتى لقد كان في هؤلاء بعض أصحابه عليه السلام ، أحدهم اسمه عقبة بن عامر بلغه أن جابرًا بن عبد الله الأنصاري المشهور عنده حديث وكان في مصر فسافر من بلده أظنها يومئذ كان في المدينة إلى مصر ؛ لماذا ؟ ليسمع ذاك الحديث الذي قيل له أنه سمعه جابر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج إليه جابر وتلقاه واحتضن أحدهما الآخر ، قال : " أنا ما جئت إلى شيء ، إلا أنه بلغني أنك سمعت حديثًا عن الرسول عليه السلام ونص الحديث فيما اذكر منه الآن : ( أن الله عز وجل ينادي يوم القيامة بصوت يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد ) " ، وهذا الحديث من الأحاديث التي يتمسك بها أهل السنة حقًا ، وأعني بهم أهل الحديث الذين لا يتعصبون لمذهب في العقيدة كالماتريدية أو الأشعرية أو المعتزلة أو الجبرية ، كما أنهم لا يتعصبون لمذهب في الأحكام الشرعية المذهب الحنفي أو المالكي أو الشافعي أو الحنبلي ، فضلًا عن مذاهب أخرى ، تبتعد كل البعد عن المذاهب الأولى ، أهل الحديث لا يتعصبون إلا للحديث ولذلك نسبوا إليه وانتموا إليه كما قال قائلهم :

" أهل الحديث هم أهل الرسول هم أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا "

وهذا جواب هذا الجاهل الذي قال : أنت أدركت الرسول ، ما أدرك هو الرسول ، لكن الذين يشتغلون بحديث الرسول عليه السلام ، كأنما هم يعيشون معه ، أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا ، ولذلك أصبح معروفًا عند العلماء كافة لا نحاشي ولا نستثني فقهاء ومفسرين كلهم قالوا بما دل عليه حديث الرسول عليه السلام ، القائل : ( نَضّر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها ، رب حامل فقه إلي من هو افقه منه ، ورب مبلغ أوعى له من سامع ) ، يقول العلماء كافة ولذلك نرى النضرة في أهل الحديث لأنهم يشتغلون بكلام الرسول عليه السلام ليلًا نهارًا فصدق فيهم قول ذلك الشاعر العالم:

" أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا "

هذا الحديث حديث جابر لعقبة بن عامر ...

مواضيع متعلقة